"اليوم الثامن" تقدم قراءة في طبيعة واهمية المضيق..

"الوضع القانوني لمضيق باب المندب".. ماذا لو تحالفت إيران وإسرائيل؟ (ورقة بحثية)

"المضيق الصغير يتراوح عرضه بين (3-15) ميل بحري تقريباً وطوله (3) اميال بحرية، وهو يقع بكامله ضمن البحر الإقليمي لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (الجمهورية اليمنية لاحقاً) أي بين جزيرة بريم والساحل الداخلي للدولة، وهو حق تاريخي لدولة الجنوب بدون منازع"

مضيق باب المندب حق تاريخي لدولة الجنوب بدون منازع - اليوم الثامن

د. صالح المرفدي
استاذ مساعد في جامعة عدن، وباحث في القضايا السياسية والاجتماعية والأمنية
باب المندب

 يعد مضيق باب المندب من أهم المضايق والممرات المائية، الذي يربط بين البحر الأحمر والبحر العربي وخليج عدن. وتزداد أهميته لموقعه الجغرافي بين ممرين مائيين هما مضيق هرمز وقناة السويس، حيث يمر أكثر من 80% من النفط العربي عبره الى أوروبا وامريكا. يقع مضيق باب المندب في الجزء الجنوبي من البحر الأحمر وهو مضيق طبيعي تبلغ المسافة بين ضفتيه 30 كم (20 ميل بحري) تقريبًا. 

يقع مضيق باب المندب ضمن البحر الإقليمي لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (لاحقًا الجمهورية اليمنية) أي ضمن الاثنا عشرة ميلًا بحريًا للدولة، ويتم قياس ذلك من خلال خط الأساس لجزيرة بريم الواقعة في منتصف مضيق باب المندب.

     ومن حيث اتفاقية قانون البحار فانه يقع ضمن المياه الإقليمية لكل من جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (الجمهورية اليمنية لاحقًا) وجمهورية جيبوتي وجمهورية اريتيريا. 

كما أنه يمكن الإشارة إلى عدم التوقيع على أي اتفاقيات من الدول المطلة على مضيق باب المندب خاصة بتنظيم الملاحة فيه.

حيث تنص المادة (1) من القانون البحري اليمني رقم (37) لسنة 1991م، بأن المياه التي تقع على الجانب الممتد نحو الإقليم القاري والجزري من الخط الذي يقاس ابتداءً من البحر الإقليمي هي مياه إقليمية. 

ذلك يؤكد بأن مضيق باب المندب الذي تقسمه جزيرة بريم إلى مضيقين: 

  1. المضيق الصغير يتراوح عرضه بين (3-15) ميل بحري تقريباً وطوله (3) اميال بحرية، وهو يقع بكامله ضمن البحر الإقليمي لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (الجمهورية اليمنية لاحقاً) أي بين جزيرة بريم والساحل الداخلي للدولة، وهو حق تاريخي لدولة الجنوب بدون منازع، حيث كانت ومازالت تمتلك السيادة الكاملة عليه وتنظم الملاحة الدولية فيه، وفق القانون الدولي والتشريع الوطني.
  2. المضيق الكبير يقع بالاتجاه الآخر لجزيرة بريم وطوله (10) أميال بحرية تقريباً وعرضه (10،5) ميل بحري ويقع بين جزيرة بريم والساحل الافريقي.

وبذلك فان عرض المضيق الكلي الصغير والكبير يتجاوز (12) ميلاً بحرياً بنسبة بسيطة، ذلك يبين بان جزء من المضيق يقع ضمن المياه الدولية أي خارج عن (12) ميل بحري التي حددتها الدولة كمياه إقليمية للدولة، لذلك فان الدولة اليمنية تنظم الملاحة فيه وفقاً لأحكام القانون الدولي والاتفاقيات الدولية والتشريع الوطني. 

إن النظام الخاص بالمضايق لا يمس النظام القانوني للمياه الواقعة خارج البحار الإقليمية المطلة على المضيق بوصف تلك المياه مناطق اقتصادية خالصة أو من أعالي البحار، ذلك يدل على أن عدم تأثر المياه الداخلية لاي دولة تكون خاضعة لسيادتها.

لقد أكد القانون البحري اليمني رقم (15) لسنة 1994م على أن للجهة البحرية المختصة أن تتخذ الإجراءات القانونية السـريعة والمناسبة في حال انتهاك سفينة أجنبية للقوانين والأنظمة النافذة فيما يتعلق بسلامة الملاحة وتنظيم حركة المرور البحري في مضيق باب المندب.

وقد تم ضبط سفن شحن قادمة من جمهورية إيران الإسلامية محملة بأسلحة ومتفجرات وأخرى محملة بالمخدرات منذ العام 2011م، وكذلك قوارب وسفن تحمل مهاجرين من القرن الافريقي وأخرى تعمل على تهريب البضائع والوقود وغيرها.

الأساس القانوني لتنظيم الملاحة في مضيق باب المندب 

     لقد أعطى القانون الدولي الحق لسلطات جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (الجمهورية اليمنية لاحقًا) في السيطرة على المضيق والمنطقة الاقتصادية الخالصة في محيطه، لكونهما يدخلان ضمن المياه الإقليمية لدولة الجنوب، والتي تمتلك أكبر جرف قاري في المنطقة، إلا ان الدولة لا يحق لها وقف المرور البري في مياهها الإقليمية كل ذلك في الظروف العادية. 

كما أعطى القانون الدولي الحق للدولة بحماية أراضيها واعتراض سفن العدو التي تشكل خطرًا على أمنها القومي وذلك في الظروف الاستثنائية وفي الحروب، مثلما حصل مع السفن الإيرانية التي تم ضبطها محملةً بالأسلحة دعمًا لجماعة الحوثيين، أو السفن والقوارب التي تحمل مهاجرين غير شرعيين من القرن الافريقي أو السفن التي تقوم بعمليات تهريب البضائع.

وكما حصل في حرب 6 أكتوبر 1973م بين مصر وقوات الاحتلال الصهيوني، فقد اتخذت قيادة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية قرار بمنع سفن العدو الصهيوني من المرور في المضيق ومنع إمداده عبر المضيق.

ذلك يدل على ان مضيق باب المندب يخضع لسيادة دولة الجنوب، والدولة هي من ينظم الملاحة فيه دون أي تدخل دولي، ملتزمةً بالقانون الدولي والمعاهدات الدولية والتشريع الوطني.

تنظيم الملاحة في مضيق باب المندب في ظل النزاع المسلح الداخلي والفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة 

     يقع مضيق باب المندب ضمن النطاق الجغرافي والمياه الإقليمية لدولة الجنوب (ج. ي. د. ش) التي دخلت في اتفاقية إعلان الوحدة مع الجمهورية العربية اليمنية في 22 مايو 1990م.

منذ التوقيع على اعلان الوحدة وحتى ما قبل 7 يوليو 1994م تعرض شعب الجنوب للتنكيل واغتيال كوادره القيادية والدفع قبل القيادة الشمالية لتفجير حرب أهلية وظم الجنوب على قاعدة عودة الفرع للأصل وتغيير الهوية الجنوبية والمعالم التاريخية والحضارية لشعب الجنوب، ومن ضمن ما تعرض له الجنوب سلخ بعض المناطق الجنوبية وضمها إداريًا لمحافظات شمالية، وهو ما حصل في ضم مضيق باب المندب إداريًا لمحافظة تعز الشمالية.

لقد اجتاحت القوات الشمالية أرض الجنوب بالقوة العسكرية في العام 1994م وأصدرت فتاوى تكفير أبناء الجنوب وأعطت الحق للشمال بالاستيلاء على كل شيء بالجنوب وهو ما سُجِّل بأنه احتلال غاشم مازالت ملامحه قائمة حتى هذه اللحظة.

لقد تعرض نظام الجمهورية اليمنية من بعد العام 1994م لإخفاقات وصراعات كبيرة كان أهم أسبابها اختلاف القيادات السياسية والقبلية على تقاسم ثروات واراضي الجنوب، الذي كان ومازال يقاوم الاحتلال.

لقد نتج عن هذه الصراعات الدموية بين أقطاب النظام في الشمالي تفكك الدولة وضعفها وانهيار المنظومة الاقتصادية واستعار الحرب الأهلية منذ العام 2010م وإلى هذه اللحظة، ما دعا المجتمع الدولي لوضع اليمن تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وتدخل المجتمع الدولي ممثلًا بدول التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، وأثمر ذلك في تحرير أكثر من 80% من أراضي دولة الجنوب (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) على ايدي المقاومة الجنوبية وانشاء كيان ساسي يمثل الجنوب هو المجلس الانتقالي الجنوبي. 

 

التعريف بالفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة وتداعياته على الملاحة في مضيق باب المندب:

    

     يعد الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة البالغ عددها (19) فصلاً تضم فيها (111) مادة، تم التوقيع عليها في شهر يونيو 1945م في مدينة سان فرنسيسكو في ختام مؤتمر الأمم المتحدة الخاص بنظام الهيئة الدولية، وأصبح نافذاً في 14 أكتوبر 1945م.

    لقد أنشئ هذا الفصل لهدف الحفاظ على السلام والامن الدوليين أو إعادة إحلالهما، ويتضمن الفصل السابع (13) مادة من مواد ميثاق الأمم المتحدة، يبدا بالمادة (39) وينتهي بالمادة (51)، ويعد الفصل السابع من أخطر وأقسى الفصول تطبيقاً، إذ يتم انتهاك سيادة الدول وتصبح تحت الإدارة الدولية، ويتم التدخل العسكري باتخاذ تدابير عقابية اقتصادية وسياسية ودبلوماسية وغيرها. وفق نص المادة (41)، كما يتم التدخل العسكري المباشر كأجراء قسري عن طريق القصف الجوي والبحري، والتدخل البري وفق نص المادة (42).

     إن وضع اليمن وادارته وقراراته الخاضعة للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لم تعد شاناً داخلياً وإنما أصبحت تحت بصر المجتمع الدولي ممثلاً بدول التحالف العربي والدول الأعضاء في مجلس الامن الدولي كمشرفة ومتدخلة في الشأن الداخلي بما في ذلك الممرات المائية واهمها مضيق باب المندب.

طبيعة التدخل الدولي في مضيق باب المندب وفق الفصل السابع المطبق على الجمهورية اليمنية 

     لقد تعرض ويتعرض مضيق باب المندب للتهديد الحقيقي بالاستيلاء عليه من قبل جمهورية إيران الإسلامية من خلال ذراعها في اليمن أنصار الله الحوثيين الذين اجتاحوا العاصمة الجنوبية عدن بالقوة المسلحة في العام 2015م، واقدمت جمهورية إيران بمدهم بالسلاح والصواريخ عبر سفن تم ضبط بعضها من قبل القوات الدولية في مضيق باب المندب والمياه الإقليمية اليمنية.

لقد هددت الجمهورية الإيرانية الإسلامية بإغلاق مضيق هرمز أكثر من مرة وهو الأمر الذي يهدد الملاحة الدولية ونقل نفط دول الخليج الى سائر دول العالم.

كما عملت الدولة الإيرانية على تهديد الملاحة في البحر الأحمر من خلال تواجدها العسكري في مينا (مصوع) وتواجدها في بعض دول القرن الافريقي، حيث تم في 2011م ضبط سفينة شحن قادمة من إيران محملة بالأسلحة والمتفجرات بينها صواريخ (سام 2) و (سام 3) المضادة للطائرات كان يتم انزالها سرياً في الشواطئ اليمنية دعماً للحوثيين.

وفي 25 مارس 2015م تقدمت قوات الحوثيين في اتجاه قاعدة العند الجوية بالقرب من العاصمة الجنوبية عدن متجهين إلى ميناء المخاء على البحر الأحمر المؤدي إلى مضيق باب المندب الاستراتيجي.

كما أحبطت قوات التحالف العربي والقوات الدولية محاولات إيرانية عديدة بتهريب السلاح لأنصارها الحوثيين عبر قوارب وسفن إيرانية.

ناهيك عن ضبط سفن محملة بالمخدرات والمهاجرين غير الشرعيين من القرن الافريقي الذي يتم استقطاب بعضهم للقتال الى جانب القوات الحوثية.

إن المشروع الإقليمي لإيران شديد الوضوح وهو تحقيق أكبر قدر من الانتشار والنفوذ عربياً واقليمياً.

إن مطامع إيران لن تتوقف عند حد الدخول في الصـراع الحوثي في اليمن، كقوة داعمة فقط لهم، بل إن لها تواجد آخر في دولة إرتيريا، حيث تحتفظ بوجود عسكري في منطقة (عصب) مقابل تزويد حكومة اسمرة بالنفط بسعر مخفض، فضلًا عن ان إيران التي تحتفظ بمعسكرات تدريب للحوثيين في إرتيريا.    

وإذا ما تحالفت إيران وإسرائيل وهي أيضًا لا تقل خطورة في سعيها للسيطرة على البحر الأحمر، فان ذلك يعطي هذه الدولتين السيطرة القوية على البحر الأحمر ومضيق باب المندب والتحكم في الملاحة الدولية.

إن اول الدول المتضـررة من إغلاق مضيق باب المندب أو السيطرة عليه من قبل إيران وإسرائيل أو أي قوة معادية ستكون دولة الجنوب وجمهورية مصـر العربية ودول الخليج وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية.

لقد عملت جمهورية مصر العربية على الدخول ضمن التحالف العربي في اليمن، حيث وان التهديدات لمضيق باب المندب هي في الواقع تهديدات للأمن القومي المصري ولقناة السويس، لاسيما وأن 98% من حركة السفن تمر عبر قناة السويس وتأتي عبر مضيق باب المندب، فأهمية المضيق تأتي من كونه مرتبط بقناة السويس ومضيق هرمز.

أمام كل ذلك لم يقف المجتمع الدولي مكتوف الأيدي بل إنه اتخذ قرارات عديدة وعقوبات ضد شخصيات من الحوثيين والنظام السابق، واتخذ القرار 2216 في 14 ابريل 2015م بمنع تدفق السلاح للحوثيين.

     إن المخرج الوحيد للتصدي للتدخلات الإقليمية والمد الحوثي وتهديد الملاحة الدولية في البحر الأحمر والبحر العربي وضمان استمرار الملاحة وتدفق السفن عبر مضيق باب المندب يتمثل بدعم تحرير الجنوب ومساندة المجلس الانتقالي الجنوبي باستعادة دولة الجنوب والاعتراف بها ودعمها سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا لكي تحافظ على الأمن والسلم المحلي والدولي.