رغبة طهران وواشنطن في عدم الدخول في حرب مباشرة..

هجوم الأردن.. هل أصبحت أمريكا في مرمى نيران الحرب الفلسطينية الإسرائيلية؟

جاءت الضربة بعد أكثر من 150 هجوما بمسيرات وصواريخ نفذتها مجموعات موالية لإيران على القوات الأميركية في العراق وسوريا.

واشنطن

تتوالى ردود الفعل التي تحاول تبرئة إيران من المسؤولية عن الهجوم على موقع عسكري أميركي متقدّم على الحدود بين الأردن وسوريا، وقتل 3 أميركيين، ما يخدم رغبة طهران وواشنطن في عدم الدخول بحرب مباشرة، حسب خبراء. ومن المتوقع أن يكون رد الولايات المتحدة على هجوم الطائرات المسيرة على قاعدتها في الأردن البرج 22 والذي أسفر عن مقتل ثلاثة جنود أمريكيين قبل يومين أقوى من الهجمات التي نفذت في الشرق الأوسط . 

في الوقت نفسه أكدت المصادر أن البيت الأبيض والبنتاغون غير مهتمين بإحداث حرب واسعة النطاق ضد ايران رغم أن المجموعات المسلحة المدعومة منها نفذت أكثر من 160 هجوم ضد القواعد الأمريكية في سوريا والعراق منذ تشرين ثاني/أكتوبر الماضي. الرئيس الأمريكي تحت ضغوطات متزايد بالنسبة للرد على الهجوم القاتل في الأردن كتب الليلة الماضية منشورا بمواقع التواصل الاجتماعي :"أطلعني طاقم المجلس الأمن القومي عن التطورات الأخيرة بالنسبة للتطورات الأخيرة المرتبطة بالهجوم الذي وقع ضد جنود أمريكيين شمال شرق الأردن. كل المسؤولين عن الهجوم سيدفعون الثمن، بالوقت والشكل الذي نختاره".

 وشدد أحد المصادر التي تحدثت مع شبكة CNN على أن الولايات المتحدة لا تنشر معلومات محددة بشأن العمليات الهجومية بالطائرات بدون طيار، من أجل الحفاظ على "عنصر المفاجأة" فيما يتعلق بالرد الأمريكي المتوقع. وأضاف مسؤول في وزارة الدفاع :"لا نتنازل عن اية امكانية". وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي: "لسنا معنيين بحرب ضد إيران أو بتوسيع الصراع في الشرق الأوسط". 

وأضاف "في الواقع، كل قرار للرئيس اتخذ في محاولة لخفض التوترات". ووفقا لتقرير نشرته وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية "إرنا"، فقد نفت البعثة الدائمة لإيران لدى الأمم المتحدة أن يكون لبلادها أي دور في هذا الهجوم. وأعلن حزب الله العراقي، الذي تعتبره الولايات المتحدة مدعوما من إيران، تعليق عملياته العسكرية ضد القوات الأميركية في المنطقة، وقال في بيان الثلاثاء: "نعلن تعليق العمليات العسكرية والأمنية ضد قوات الاحتلال (قاصدا القوات الأميركية)؛ منعا لإحراج الحكومة العراقية". 

وأضاف البيان: "سنواصل الدفاع عن أهلنا في غزة بطرق أخرى، ونوصي مجاهدي كتائب حزب الله الحر البواسل بالدفاع السلبي (مؤقتا)، في حال حدوث أي عمل أميركي عدائي تجاههم". المحلل العسكري السوري، العقيد مالك الكردي، يعتبر إنكار إيران فائدة بطهران وواشنطن معا لهذه الاعتبارات: بعد هجوم البرج 22 وصلت الطائرة بي 52، ممّا ينذر لأسوأ الاحتمالات. إيران سارعت للتنصل من المسؤولية؛ لأنها تدرك أن هذه الطائرة يُمكنها أن تسقط أكثر أنواع القذائف قوة واختراقا ودقة، ويمكن لضرباتها أن تلحق الضرر الكبير بالأهداف الإيرانية الاستراتيجية، ومنها المفاعلات النووية، وهذا سيلحق الضرر بالنظام الإيراني برمّته ويهدّد مستقبل جميع وكلائه بالمنطقة.

 لذلك تحرّكت جميع الأذرع لتعلن تبرئة إيران من هذا الهجوم، ومحاولة تحمّل التوابع لتخفيف الضغط على إيران وإبعادها عن المواجهة، لأنه يستحيل على الولايات المتحدة أن تستطيع توجيه ضربة قوية لهذه الأذرع؛ لأنه ليست لديها الأسلحة والعتاد الضخم ولا القواعد الثابتة الكبيرة، بل تنتشر على الأراضي السورية في معظمها بقوام مجموعات المشاة والتي لديها قدرة عالية على التحرّك.

 في نفس الوقت، محاولات أذرع إيران تبرئتها تتناسب ورغبة واشنطن في عدم توسيع الصراع، أو الدخول في حرب مفتوحة مع إيران؛ لاعتبارات تخص الانتخابات الأميركية الرئاسية المقبلة، ولاعتبارات استراتيجية تخص دور طهران كشرطي يحفظ مد المصالح الأميركية في المنطقة، كما تراها واشنطن. 

المحلل السياسي والأمني العراقي، علي البيدر، يقول إن الجماعات المسلحة تجتهد في الدفاع عن طهران وتبرئتها أو إبعادها عن دائرة الضغط للحفاظ على بقائها؛ لأنها تدرك تماما أن أي أزمة تتعلق بالواقع الإيراني سوف تنعكس بالسلب عليها، وهي تدين بالولاء العقائدي المطلق. هذه الجماعات تدرك أيضا أن قوة إيران من مصلحتها، وأي ضعف يطال إيران ونفوذها في المنطقة سيؤثّر عليها بطبيعة الحال ويعرّضها للمساءلة والحساب من قوى المنطقة، كون أن مصير الجانبين واحد بطبيعة الحال، وفق المحلل العراقي. بالنسبة إلى حزب الله العراقي، يواصل البيدر، فقد تدخّل رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، وطلب من الحزب أن يقوم بدور إيجابي لحفظ سيادة البلاد ومكانتها، وبالتالي ألا يكون العراق حلبة للنزال وطرفا في المواجهة. 

ويعتقد البيدر أنه من الخيارات التي كانت مطروحة، إذا لم يتوقف الحزب، أن الحكومة لن تستطيع حمايته، خصوصا بعد مقتل 3 أميركيين، ففي السابق شهدنا مقتل شخص واحد، وكان الرد الأميركي هو استهداف قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، وأبو مهدي المهندس، القيادي بالحشد الشعبي الموالي للحرس في غارة أميركية عام 2020، وهو ما يشير إلى قوة الرد الذي قد يحدث. كما يلمس أن المزاج الغربي أيضا يتّجه إلى الانتقام من الجماعات المسلحة، والوضع العام في المنطقة يشجّع على ذلك، والحكومة العراقية تسعى لإبعاد البلاد عن شبح الصراع.

 يتفق الباحث في الشأن الإيراني، وجدان عبدالرحمن، مع البيدر في أن خطوة حزب الله العراقي لتعليق هجماته تشير إلى توقعاته بضربات أميركية تستهدفه، ويبدو أنه اعتراف من جانبهم بأنهم كانوا وراء العملية التي أدّت إلى مقتل وإصابة الجنود الأميركيين.

أمّا إن وجّهت واشنطن ضربات لإيران تستهدف مثلا الموانئ أو شركات النفط أو الكيماويات أو مواقع الحرس الثوري الإيراني، فيستبعد عبدالرحمن أن تقوم إيران بالتصعيد أو الرد، وستكتفي بالتصعيد الإعلامي فقط، وقد تقوم بإطلاق صواريخ من هنا أو هناك لاستعراض القدرة على الرد، مثلما حدث بعد اغتيال قائد فيلق القدس السابق، قاسم سليماني.

وأعلنت الولايات المتحدة الأميركية عن "برنامج أمن الحدود الأردني - JBSP" عام 2008 بقيمة 20 مليون دولار لتعزيز حدود الأردن مع العراق ولإقامة مجموعة من أبراج المراقبة على طول 30 ميلاً (50 كم) على الحدود مع سوريا، إلا أن هذا المشروع الذي بدأ بسيطاً بهدف حماية البلد الحليف لواشنطن بعد غزو العراق والذي كان يهدف لإيقاف تدفق اللاجئين العراقيين؛ توسع منذ ذلك الحين ليصبح برنامجاً بكلفة نصف مليار دولار، بحسب وزارة الدفاع الأميركية.

 ومولت الولايات المتحدة برنامج أمن الحدود الأردني بداية ضمن "برنامج منع انتشار أسلحة الدمار الشامل"، وكان برنامج JBSP يهدف إلى "تعزيز قدرة حكومة المملكة الأردنية الهاشمية على ردع وكشف واعتراض أسلحة الدمار الشامل والمواد ذات الصلة التي تعبر حدودها"، لكن منذ العام 2013 وظهور تنظيم الدولة وزيادة التدخل الإيراني في سوريا أخذ البرنامج يتوسع بشكل كبير وتغيرت أهدافه لحماية كامل الحدود الأردنية السورية من "الإرهابيين" واللاجئين ومهربي الأسلحة والمخدرات. يتضمن البرنامج تدعيم الحدود الأردنية مع سوريا، بسياج شديد الحراسة مزود بكاميرات، وشبكة من أجهزة الاستشعار الأرضية وأجهزة كشف التسلل ومجموعة من أبراج المراقبة الثابتة والمتحركة التي ستكون قادرة على رؤية واكتشاف النشاط على بعد 8 كيلومترات على كلا الجانبين، وتدار هذه التقنيات من مركز قيادة أميركي أردني مشترك، ويتقاسم البلدان المعلومات الاستخبارية التي يتم تجميعها. 

وكانت المرحلة الأولى من البرنامج بين عامي 2008 و 2014 حيث امتدت منطقة المراقبة على مسافة 110 كيلومترات على طول الحدود الشمالية الغربية مع سوريا. أما في المرحلة الثانية، فامتدت منطقة المراقبة على طول 256 كيلومتراً من الحدود الشمالية الشرقية للأردن مع سوريا، ثم في المرحلة الثالثة تم تغطية 186 كيلومتراً من حدود الأردن الشرقية مع العراق، ليبلغ طول منطقة المراقبة 472 كيلومتراً على طول حدود الأردن مع العراق وسوريا معاً. 

ونفذت البرنامج شركة رايثيون للاستخبارات والمعلومات والخدمات، وهي إحدى أكبر شركات الدفاع الأميركية. يحافظ الأردن على موقف رسمي بأنه لا توجد قوات أميركية في البلاد، ناهيك عن القواعد العسكرية، إلا أن الوجود الأميركي في المملكة على مدار عقدين أكبر بكثير من أن يغطيه هذا الموقف الرسمي. بعد أن بلغت أدنى مستوياتها عام 1991، عندما عارض الملك حسين آنذاك حرب الخليج الأولى، ازدهرت العلاقات العسكرية والاستخبارية بين الولايات المتحدة والأردن، وقد نما هذا التعاون في التسعينيات مع نمو السكان العراقيين والتجارة العراقية في الأردن، الذي كان يتمتع بعلاقات طبيعية مع حكومة بغداد المجاورة.

 وبعد هجمات 11 سبتمبر، زادت الولايات المتحدة التمويل والدعم الفني لمديرية المخابرات العامة الأردنية، وأنشأت محطات مراقبة استخبارية للإشارات في الأردن، للتنصت على العراق، ثم في الفترة التي سبقت حرب الخليج الثانية أرسلت طائرات حربية إلى قواعد في الأردن ونشرت فريق عمليات خاصة لمهاجمة العراق من الغرب. وكان ابن الملك الحسين، عبد الله الثاني، وهو نفسه قائد سابق لقوة العمليات الخاصة الأردنية، فعالاً في جعل هذه العلاقات العسكرية والاستخبارية أقرب من أي وقت مضى. 

استفاد الأردن بعد الغزو الأميركي للعراق عندما انتقل إليه رجال الأعمال العراقيين وبدأ يتلقى أموال المساعدات الإنسانية، إلا أن فئة أخرى من العراقيين وصلت الأردن حينذاك وهم المنشقون العراقيون عن نظام صدام حسين والذين جندت الولايات المتحدة عدداً منهم، لتصبح عمان حينذاك مركزاً للعمليات ضد نظام صدام حسين. كما لعب الأردن دوراً فعالاً بشكل مباشر في كثير من عمليات البحث عن أهداف رفيعة المستوى لتنظيم القاعدة بعد أحداث 11 سبتمبر، وخاصة أبو مصعب الزرقاوي في العراق. وجاءت المكافأة النهائية لهذا الجهد في عام 2008، عندما وقعت الولايات المتحدة والأردن مذكرة تفاهم لتقديم المساعدة للأردن على مدى 5 سنوات. 

في عامي 2013 و2014، قدمت الولايات المتحدة للأردن مبلغ 2.25 مليار دولار في شكل ضمانات قروض، مما سمح للحكومة بالوصول إلى تمويل ميسور التكلفة من أسواق رأس المال الدولية. وفي شباط 2014، أعلن الرئيس أوباما أن الولايات المتحدة سوف تجدد المذكرة. ويشمل الوجود العسكري الأميركي في الأردن عناصر مثل قوات العمليات الخاصة، ووحدات الطيران، وغيرهم من الأفراد المشاركين في التدريبات والتدريبات المشتركة، ويمكن أن يختلف الحجم والطبيعة المحددة للوجود العسكري الأميركي بمرور الوقت بناء على المتطلبات التشغيلية والاتفاقيات بين البلدين. 

رسمياً، يبلغ عدد القوات الأميركية في الأردن وفقاً لمركز بيانات القوى العاملة الدفاعية، 56 شخصاً، وهو رقم يناسب الرواية الرسمية الأردنية عن الوجود الأميركي العسكري والأمني في المملكة، إلا أن العدد الحقيقي بلغ على سبيل المثال عام 2016، 12 ألف شخص بحسب موقع فايس الأميركي، بينهم 3300 من القوات العسكرية منتشرة بشكل علني في البلاد، وألف مقاول يعملون في المشاريع المشتركة مثل برنامج أمن الحدود، وهذا الفارق الكبير في العدد تقول عمان أن عدد الجنود "المنتشرين" وليس "المتمركزين". واستخدمت وكالة المخابرات المركزية الأميركية CIA القواعد العسكرية الأردنية لتدريب مقاتلي الجيش السوري الحر على الأسلحة خلال فترة برنامج"الموك". 

وبعد بدء عملية العزم الصلب ضد تنظيم الدولة قدمت الولايات المتحدة التمويل لإنشاء مركز الملك عبد الله لتدريب العمليات الخاصة، وهو مركز متعدد الجنسيات يدعم الحرب ضد داعش. وفي العام 2016، أي قبل عام من إنشاء البرج 22، كانت الولايات المتحدة تعمل جاهدة على توسيع قاعدة منفصلة للطائرات من دون طيار في شمال شرقي الأردن، على مسافة ليست بعيدة عن الحدود الثلاثية والبرج 22، وهذا ما حصل في القاعدة المعروفة باسم “H4”، التي تم توسيعها بشكل كبير في أوائل عام 2016. في أيار 2017، أصدرت شركة DigitalGlobe أول صور أقمار صناعية للقاعدة H4، ويظهر فيها طائرات من دون طيار تابعة للقوات الجوية أو وكالة المخابرات المركزية الأميركية من طراز Reaper، بالإضافة إلى طائرات هليكوبتر عسكرية أردنية. 

ويستضيف الأردن قاعدة أميركية ثانية للطائرات من دون طيار في قاعدة موفق السلطي، على بعد 33 ميلاً جنوبي الحدود مع سوريا. وفي تشرين الثاني 2016، قُتل ثلاثة جنود من القوات الخاصة الأميركية عندما فتح حارس أردني النار على قافلتهم في قاعدة الملك فيصل الجوية وسط الأردن، وكانت القوة الأميركية عائدة من تدريب مقاتلين من الجيش السوري الحر.