تاريخ الإسلام السياسي..

اليمن والسودان وجماعة الإخوان.. عبدالمجيد الزنداني وحسن الترابي براغماتية سياسية أم انتهازية وصولية؟

“استأنف حزب الإصلاح (إخوان اليمن) ممارساته العدوانية في تعز، وقام بارتكاب جرائم ومجازر متوحشة في المدينة، بهدف تحويلها إلى نقطة لاستهداف المجلس الانتقالي الجنوبي، ومساعدة الحوثيين على السيطرة”، و"شن الإخوان حروباً داخلية في جنوب وغرب وشرق ووسط السودان، ودعموا انفصال الجنوب عن الدولة الأم، وأعلنوا الجهاد على الولايات المتحدة وروسيا (عن طريق الإنشاد فقط)"

عبدالمجيد الزنداني وحسن الترابي - أرشيف

الخرطوم

ترجع البدايات الأولى لتنظيم الإخوان، في اليمن، إلى عقد الخمسينيات من القرن الماضي، وذلك على إثر سفر "الفضيل الورتلاني" أحد قيادات الإخوان في الجزائر إلى اليمن، العام 1947، لجهة تدشين شركة تجارية، فضلاً عن دوره السياسي إلى جانب المعارضة ضد الحاكم اليمني، وقتذاك، الإمام يحيى، حيث اتهم الورتلاني، في العام 1948 بتدبير انقلاب بعد عزل الإمام يحيى، حيث تم اعتقاله ثم ما لبث أن أفرج عنه، وفي هذا السياق، امتدت صلات القيادي الجزائري في الإخوان بالإمام الذي استجاب لبعض نصائحه في تهيئة الشروط لقاعدة إخوانية باليمن، إلى أن تنامى نفوذ الجماعة في عقد الستينيات بواسطة الطلبة اليمنيين في القاهرة.

 

البداية من التنظيم الأم في القاهرة

وفي الستينيات، كان عبد المجيد الزنداني، في القاهرة، بهدف استكمال دراسته الجامعية، حيث التحق بكلية الصيدلة، ودرس فيها لمدة عامين ثم ما لبث أن تركها، وشرع في دراسة علوم الشريعة، في الأزهر الشريف، وخلال وجوده في مصر بين طلاب يمنيين آخرين، وتحديداً بالأزهر، امتدت اتصالاته بأعضاء جماعة الإخوان المسلمين، وتأثر بنشاطاتهم التي انخرط فيها، إلى أن تم اعتقاله وفصله من الجامعة.

وبحسب الدكتور شادي عبد الوهاب، فإنّ عبد المجيد الزنداني، قام ومجموعة من رجال الدين بإنشاء نظام تعليم ديني في شمال اليمن، مما ساهم في تنامي دورهم وبروز نشاطهم خلال عقدي الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، حيث كانت تلك المدارس أو ما أطلق عليه "المعاهد العلمية" تحاكي نظامَ المدارس الدينية في أفغانستان وباكستان، وكانت نسختها اليمنية تهدف إلى مواجهة موجة العلمانية القادمة من جنوب اليمن الاشتراكي.

ويضيف في دراسته المنشورة: "وما إِن توحد جنوب اليمن مع شماله، في العام 1990، حتى كانت العقلية الشمالية مشبعة بالأفكار والتوجهات الدينية، التي لا تخلو من التطرف في كثير من الأحيان، وفي نهاية المطاف، كان لتلك الاختلافات الأيديولوجية دور لا يستهان به في تباين الأهداف والرؤى بين الأطراف الفاعِلة في اليمن؛ مما أدى إلى الصراع الذي لا يزال قائماً إلى اليوم.

 

تعز وجرائم تحالف الغدر

كما يعد الزنداني أحد أكثر الأسماء القيادية في حزب الإصلاح التي ربطت الحزب بأعمال عنف، وجماعات دينية متطرفة أو إرهابية أخرى، حيث تم إعلان الزنداني كإرهابي، في العام 2004، من جانب الولايات المتحدة الأمريكية. وبحسب وزارة الخزانة الأمريكية، فإنّ لدى واشنطن أدلة موثقة على أنه يدعم الإرهابيين والمنظمات الإرهابية؛ كما كان له دور فعال في معسكرات تدريب تنظيم القاعدة، حيث لعب دوراً رئيسياً في شراء الأسلحة نيابة عن القاعدة والإرهابيين الآخرين.

وقبل أيام، استأنف حزب الإصلاح (إخوان اليمن) ممارساته العدوانية، في تعز، وسط اليمن، وقام بارتكاب جرائم ومجازر متوحشة بحق السجينات في المدينة، بهدف تحويلها إلى نقطة لاستهداف المجلس الانتقالي الجنوبي، ومساعدة الحوثيين على السيطرة.

وتشير التصريحات المعلنة من قيادات سياسية وأمنية قريبة من حزب الإصلاح، إلى مآرب وأهداف إقليمية للدول الراعية لهم، سواء في الدوحة أو أنقرة، حيث جاء في البيان الصادر من اسطنبول، على لسان محافظ تعز السابق، علي المعمري، إشارات واضحة تتصل بتعاون حوثي إخواني لجهة استهداف المقاومة المشتركة في الساحل الغربي، بينما تستكمل قيادة الإخوان المسلمين في المدينة حشد عناصرها عسكرياً وأيدولوجياً، لضرب قوات طارق صالح في الساحل الغربي، وهو الأمر الذي يحدث برعاية قطر وتركيا.

 

الجمعيات الخيرية.. ما علاقة القاعدة؟

في حديث له، يشير الناشط والصحافي اليمني، عمران الدقيمي، إلى أنّ حزب الإصلاح، هو الذراع المحلية لجماعة الإخوان المسلمين في اليمن، لكنّ قياداته تنفي هذا التصنيف، بصورة متكررة، في حين أنّ الممارسات العملية والتوجهات والمصالح المشتركة تعكس الصلة القائمة بينهما طوال الوقت، بيد أنّ هناك شرخاً داخل الحزب؛ فمثلاً، قيادة الحزب تتبرأ بين الحين والآخر من تصريحات الفصيل المتطرف داخل الحزب، بقيادة الشيخ عبدالمجيد الزنداني، والمدرج ضمن قوائم الإرهاب لدى الولايات المتحدة الأمريكية، بينما في صنعاء والمناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين انحسر تواجد حزب الإصلاح، والأمر ذاته، في عدن.

ويضيف الدقيمي: "كان لحزب الإصلاح في سنوات ما قبل الربيع العربي وربما عقب الوحدة العام 1990، معاهد دينية لكنها انحسرت وانتهت، حيث ظلت جامعة الإيمان التي يترأسها عبدالمجيد الزنداني بؤرة يتخرج منها أعضاء في الحزب، وبعضهم متطرفون ومن بينهم أجانب، كما أنّ للجمعيات الخيرية والتنموية التابعة للحزب، وهي جمعيات كثيرة، دوراً بارزاً في استقطاب أعضاء جدد للحزب، ونشاطات قبل وأثناء الحرب المستعرة، فضلاً عن كونها واجهة لنشاط إرهابي، بحسب تقارير أمنية أمريكية، ربطتها في وقت سابق بتنظيم القاعدة، حيث تم الكشف عن علاقة تربط بين الشيخ عبد المجيد الزنداني والقيادي في تنظيم القاعدة، أنور العولقي، وقد شغل الأخير منصب نائب رئيس إحدى المنظمات الخيرية للحزب في الفترة بين عامي 1998 1999.

 

إخوان السودان

في العام 1944، أرسل مؤسس جماعة الإخوان المسلمين حسن البنا، فريقاً استطلاعيّاً إلى السودان برئاسة الأمين العام لجماعته عبد الحكيم عابدين ودليله الطالب السوداني في مصر آنذاك جمال الدين السنهوري، طاف معظم مدن البلاد مُبشراً بالجماعة شارحاً أفكار الإخوان، أعقب ذلك تكوين أول أسرة إخوانية (خليّة) في السودان مرشدها رجل اسمه علي طالب الله إلى أن أعلنت الجماعة عن نفسها العام 1954 بذات اسمها في مصر.

 

حقبة الترابي

منذ ذلك الوقت وإلى بروز جبهة الميثاق الإسلامي العام 1964 (تحالف الإخوان والسلفيين والطريقة التيجانية الصوفية)، من أجل خوض غمار الانتخابات النيابية، ظلت الجماعة متماسكة ونخبوية ومحدودة، إلى أن انتخب حسن الترابي أميناً عاماً لها 1969، فأحدث طفرة تنظيمية وفكرِّية مستفيداً من تعليمه في إنجلترا وفرنسا وتأثره بالفلسفات الغربية، فكان أن خرج عنه معظم الرواد الأوائل من مؤسسي الجماعة، مثل؛ الرشيد الطاهر، ومحمد صالح عمر، ومدني سبال، وجعفر شيخ إدريس، وعلي جاويس والشيخ برات الذي كان يكفّر الترابي.

لكن الترابي تمكّن ببراغماتيته المعروفة من أن يعقد مُصالحة مع نظام جعفر النميري ويحل جماعة الإخوان 1977، ويصبح وزيراً للعدل 1983 ويوعز لحليفه الجديد بضرورة تطبيق (الشريعة الإسلامية) الأمر الذي ألّب عليه الجماهير لاحقاً، فهبت عليه في انتفاضة 1985 وأطاحته عن السلطة، فيما أسس الترابي الجبهة القومية الإسلامية التي انقلبت على الديمقراطية بدعمٍ من الضباط الإخوان داخل الجيش السوداني بقيادة عمر البشير.

 

الانقلاب على الكل

وفي حديث له اعتبر المحلل السياسي والباحث في حركات الإسلام السياسي حامد نورين، أنّ "جماعة الإخوان المسلمين بزعامة الترابي قبلت حلّ نفسها مقابل الصلح مع نظام النميري 1977، وتقرّب الترابي من النميري إلى أن أقنعه بتطبيق قوانين أيلول (سبتمبر) 1983 سيئة الصيت والتي أطلقوا عليها مجازاً قوانين الشريعة الإسلامية وسُمّي الترابي وزيراً للعدل ونائباً عاماً. إلا أنّ انتفاضة شعبية عارمة خرجت ضد النميري في نيسان (أبريل) 1985 بسبب تلك القوانين فأطاحت به.

يتابع نورين: كان من حُسن حظ الترابي أنّ النميري زجّ به في المعتقل بعد أنْ تأكد أنّه ضلّله، فكان أن نجا بنفسه من المُحاكمة بعد الثورة الشعبية، فانتهز الفرصة ليؤسس حزباً سياساً جديداً باسم (الجبهة القومية الإسلامية) حصل على المركز الثالث في الانتخابات البرلمانية لعام 1985، وبرزت الجبهة كحزب أكثر عصرّية من جماعة الإخوان المسلمين خاصة فيما يتعلق بحق المرأة في التصويت والترشيح والدعاية الإعلامية والمؤسسات الاقتصادية والمالية والتسرب إلى الجيش والأجهزة الأمنية، إلى أن تمكنت من الانقلاب على الديمقراطية عبر ضباطها في الجيش بقيادة عمر البشير في حزيران (يونيو) 1989، لتستمر في حكم السودان إلى أن أطاحتها ثورة 19 كانون الأول (ديسمبر) 2018.

 

تاريخ من الانتهازية

يعتقد نورين أنّ الترابي لم يكن مفكراً بقدر ما كان سياسياً براغماتياً انتهازياً، استطاع أن يُبقي على علاقة ما بجماعة الإخوان في مصر، مع الاحتفاظ لنفسه بمساحة أكبر من الحركة في الفضاء السياسي والتنظير الفكري متجاوزاً المُرشدّية العامة في القاهرة.

وتمكن الترابي أيضاً، كما يقول نورين، من التخلص من خصومه داخل التنظيم، ومن خصومه السياسيين في الفضاء العام، فكان أن استغل الإخوان مداخلة لأحد الطلاب قيل إنه ينتمي للحزب الشيوعي خلال ندوة نظموها مساء الإثنين 9 تشرين الثاني (نوفمبر) 1965، اعتبروا أنّ فيها إساءة لبيت الرسول، عليه السلام، فكان أن فجّروا الأمر في المساجد في الجمعة التالية، وسيّروا مظاهرات إلى البرلمان وطالبوا بحل الحزب الإلحادي، بحسب شعاراتهم حينها، وضغطوا على حزب الأمة الذي كان يحكم السودان والأحزاب الأخرى بضرورة إخراج الحزب الشيوعي من البرلمان وشطبه من سجل الأحزاب السياسية في السودان مرةً وإلى الأبد.

وافق الأمر هوى الأحزاب وقرّرت تصفية الحزب الشيوعي القوي وشديد التنظيم آنذاك، فاستدعت جماهيرها لمهاجمة دُور الحزب بالأسلحة البيضاء والحجارة وبأسلوب همجي، وصفه السكرتير العام للشيوعي حينها عبد الخالق محجوب بـ"عنف البادية".

وحاصرت الجماهير الثائرة بفعل تحريض الإخوان مبنى البرلمان، فكان أن أصدر قراراً في 22 تشرين الثاني (نوفمبر) بأغلبية 145 صوتاً ومعارضة 25 وامتناع عضوين، يقضي بحل الحزب الشيوعي وطرده من البرلمان وحظره من ممارسة العمل السياسي رغم مخالفة القرار للمادة 33 (8) من لائحة البرلمان والمادة (49) من الدستور.

 

الزهو الزائف

من جهته، يقول الباحث في الإسلام السياسي والأكاديمي عُثمان ضو البيت: "لعل الإخوان شعروا بزهو كبير عندما نجحوا في إقصاء الحزب الشيوعي من البرلمان، وعدّوا ذلك انتصاراً على أقوى الأحزاب السودانية وقتها، لكنهم ظلوا ينتظرون الوقت المناسب للقضاء على حزب آخر يعتبرونه المنافس الأشد خطراً عليهم من أجل الاستحواذ على الفضاء السياسي ذي المزاج الإسلامي".

ويمضي ضو البيت موضحاً: أوعز الترابي للرئيس الأسبق جعفر النميري بإعدام محمود محمد طه زعيم الحزب الجمهوري بتهمة الردّة بعد أن عارض حزبُه ما سُمّي وقتها بقوانين الشريعة الإسلامية، فنُفذ حكم الإعدام بحقه يوم الجمعة 18 كانون الثاني (يناير) 1985، لكن لم تمض ثلاثة أشهر حتى تمت الإطاحة بالنميري نفسه، فكان أن تخلص الترابي من الرجلين بضربة واحدة، وهذا ما مهّد الطريق أمام حزبه الجديد (الجبهة القومية الإسلامية) فرصتهم سانحة للحصول على المرتبة الثالثة في الانتخابات البرلمانية عام 1986.

ويتابع ضو البيت: لكن أنفس الإخوان التواقة للسلطة لم تسعفهم على الصبر حتى الدورة الانتخابية التالية التي كان مُقرراً لها العام 1990، فانقضوا على الديمقراطية بليل وانقلبوا عليها في حزيران (يونيو) 1989، وظلوا في الحكم لثلاثين عاماً انقسموا خلالها إلى حزبين وحركة مسلحة، حزب المؤتمر الوطني بزعامة البشير، وحزب المؤتمر الشعبي بزعامة الترابي، وحركة العدل والمساواة التي أعلنت الحرب على الحكومة التي كانت جزءاً منها وكانت بزعامة الإخواني المتشدد خليل إبراهيم الذي قتل بضربة جوية العام 2011 ليتولى القيادة بعده شقيقه الأكثر اعتدالاً جبريل.

يشير ضو البيت إلى أنّه خلال العقود الثلاثة من حكم الإخوان "شنوا حروباً داخلية في جنوب وغرب وشرق ووسط البلاد، ودعموا انفصال الجنوب عن الدولة الأم بعد أن أعلنوا عليه الجهاد لسنوات طويلة، ثم اتخذوا مواقف خارجية مبنية على الأيديولوجيا الإخوانية لا على المصلحة الوطنية العليا، فكان أن أعلنوا الجهاد (عن طريق الإنشاد فقط) على الولايات المتحدة وروسيا، وظلت الإذاعة والتلفزيون غارقين في الإساءة إلى كافة الزعماء في الإقليم وحول العالم".

 

الملالي البخلاء وثروة بن لادن وبيع كارلوس

يواصل ضو البيت حديثه قائلاً: دعم الإخوان السودانيون نظام صدام حسين في حربه على الكويت، وتحالفوا مع ملالي طهران لضرب خاصرة المملكة العربية السعودية ودول الخليج، لكنهم ما إن تخلوا عن تحالفهم مع إيران من أجل الحصول على دعم مالي خليجي حتى وصفوا الفُرس بالبخل والشح، فروّجوا أنّ الترابي أهدى خامنئي كتاب البخلاء للجاحظ في إشارة منه إلى بخل حكومة الملالي.

يستطرد ضو البيت: قبل ذلك استضاف الإخوان أسامة بن لادن ثم أبعدوه بعد أن نهبوا استثماراته في السودان، وأحضروا الثائر اليساري المعروف كارلوس إلى الخرطوم ثم خدّروه وسلموه إلى الحكومة الفرنسية بمقابل مالي بخس ووعود زائفة، وحاولوا اغتيال الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، فكان أن توغل الجيش الأثيوبي داخل حدود السودان واستولى على منطقة الفشقة الزراعيّة الخصبة على الحدود المشتركة بين البلدين، فيما أعلنت مصر تبعية مثلث حلايب المتنازع عليه إلى سيادتها.

 

عود على بدء

هكذا حكم الإخوان السودان واليمن، فضرب الفقر والجهل والمرض الشعبين اليمني والسوداني، وحلت الحروب، وسادت النزاعات العنصرية والجهوية، وخسر البلدان الكثير من علاقاتهما الخارجية، وترتب على ذلك واقع سياسي واقتصادي متردٍ وعقوبات دولية لا تزال آثارها قائمة حتى اليوم.