"قراءة في الابعاد الاقتصادية على الجنوب"..

تحالفات الضرورة بين المجلس الانتقالي الجنوبي والقوى اليمنية... الفرص والتحديات

الجنوب ما زال يواجه عدوا لا يُستهان به، يحاول التماسك رغم ما أصابه من عوامل ضعف عديدة وتراجع على بعض الأصعدة، وبالتالي فإن مواجهته تحتاج إلى أداء جنوبي مختلف، يرتقي إلى مستوى التحدي الذي يشكله هذا العدو.

مسلحو ميليشيات الحوثي الموالية لإيران خلال استعراض قرب مأرب اليمنية - أرشيف

د. صبري عفيف
كاتب وباحث في الشؤون السياسية والأمنية، نائب رئيس التحرير ورئيس قسم البحوث والدراسات في مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات،
عدن

شهد الربع الأول من عام الحالي 2024م حيث كان عامًا زاخرًا بالصمود والتضحية والبطولة، وفي الوقت ذاته، مثخنًا بالإجرام والإرهاب الحوثي والتخاذل الإخواني معها. وقد شهدت الثلاثة الأشهر المنصرمة تطورات وأحداثا كبيرة لاسيما حدة الصراع العسكري في البحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب.
وكانت أبرز عناصر القوة التي جعلت الحوثي يصل إلى هذه المرحلة هو الانقسام والتشرذم في صفوف الشرعية والاستسلام الواضح في جبهاتها منذ بداية انطلاق عاصفة الحزم في  2014م مرورًا بسنوات عجاف حتى وصل بهم الحد إلى عقد صفقات وهدن وتفاهمات علنية توجت برحلات مكوكية بين صنعاء والرياض والتي ولدت تراخيًا وتراجعًا واضحًا في الإسناد والدعم للتحالف العربي لمواجهة المليشيات الايرانية والارهابية ضد الجنوب لم يثنِ القوات المسلحة الجنوبية والمجلس الانتقالي الجنوبي والقوى الجنوبية الحية عن مواصلة تحدي تلك المليشيات الارهابية ومواجهتها بكل عزم.
لقد شهد عام 2023 تناميا غير مسبوق في عمليات المليشيات الإرهابية، وبالذات في المناطق الحدودية الجنوبية، فما يزيد على مئات العمليات العسكرية من إطلاق نار وتسلل وقنص وإرسال طائرات مسيرة وضربات مدفعية وسقط من إثرها المئات من الشهداء والجرحى من أبناء الجنوب، وبالتالي فإن صمود الشعب الجنوبي ونضاله ليس محل مساءلة أو مراجعة، وقد رافق هذا الأداء نشاط سياسي مرافق لهذا النضال الشعبي.
ومن جانب أخر تظهر القيادة السياسية للشرعية التي هي شريك في إدارة الحالة اليمنية في حالة الاستسلام والرضا بالواقع، مما يجعلنا نطرح تساؤل كيف أن القيادة السياسية لحكومة الشراكة والعديد من مكوناتها، منفصلة عن الواقع اليمني، وعاجزة عن مجاراته والتفاعل البناء معه.
وهذا يعيد إلى الأذهان الأزمة التاريخية التي عانى وما زال يعاني منها الشعب الجنوبي ونضاله الوطني، حيث يعقد شركات من قوى مخاذلة، ففي مطلع السبعينات من القرن المنصرم ظل الجنوب يعد ولعقود طويلة الأداء النضالي للمقاومة الوطنية اليمنية والمقاومة والتي كانت النتيجة في الأخير مفزعة للجميع حيث تجلت تلك التخادمات والتفاهمات بين القوى اليمنية في مطلع التسعينات وكانت أكثر تجليا في حرب صيف 94 الظالمة على شعب الجنوب.  
الأداء السياسي والعسكري للقوى اليمنية الشريكة في الحالة اليمنية. يمكن ملاحظة الاتي: 
• أولا: الاستسلام للعجز، وعدم القدرة على إعادة بناء وتفعيل المؤسسات الدولة وفق بنود الاتفاق التي اقرتها مشاورات الرياض واتفاقياتها، بل أسهمت الحكومة في شيخوخة واهتراء هذه المؤسسات وعدم فعاليتها، ولم تحمل الأعوام الثلاثة المنصرمة أية محاولة جادة للتغيير، وبقي كل طرف راكن إلى ما لديه من أشلاء المؤسسات، مما ترك الجنوبيين يعانون اشد أنواع التعذيب والتهجير والافقار المتعمد.
• ثانيا: المراوحة في المكان، والفشل في الخروج من المأزق الاقتصادي والسياسي وإنهاء الحرب مع المليشيات الحوثية ولو بالحد الأدنى. فرغم لقاءات القيادات السياسية في مجلس الرئاسة أو الحكومة المتكررة للعمل المشترك إلا إن الجميع يدرك أنها غير جادة ولن تثمر شيئا، لأنها لم تستند إلى أي توافقات أو تفاهمات بينية، وإنما جاءت في سياق المجاملة السياسية وكذلك طبيعة التحالفات المرحلية. 
• ثالثا: استمرار التعامل بردات الفعل، المتسرعة وغير المدروسة في بعض الأحيان، في إدارة المواجهة مع القوى الإرهابية سواء أكانت حوثية أم داعشية، وغلبة السلوك الانفعالي والحسابات الضيقة في كثير من الأحيان، ومن الأمثلة على ذلك المواجهة الإعلامية الأخيرة التي كانت على استحياء والتي حدثت في شهر مارس 2024، والتي استشهد وجرح فيها 48 مواطنا، في جريمة مروعة لم يشهد لها البلد مثيل لاسيما انها جاءت في شهر الله الكريم. لقد كشفت تلك الجريمة حقيقة المواجهة بين الشرعية والحوثيين وبينت حجم التعقيد والتضارب والانفصام في المشهد اليمني. يُضاف إلى ذلك، عدم القدرة على الاستثمار في هذه القدرات والإمكانيات المقاومِة، لا على الصعيد السياسي العام ولا على الصعيد العسكري، وبدلا من أن تشكل هذه القدرة المقاومة فرصة للتوحد والتعاون والتضامن، عززت التنافر والاشتباك الداخلي بين القوى المناهضة للحركة الحوثية لاسيما في مدينة البيضاء التي تعد محورا للتصدي والمقاومة.
• رابعا: استمرار الانغلاق في الأفق السياسي والضبابية في المشاريع الوطنية التي تقودها العناصر اليمنية في الحكومة والقيادة الرئاسية، وعدم القدرة على بلورة رؤية أو مشروع وطني توافقي يخدم الأهداف المشتركة للقوى المتحالفة في الحالة اليمنية.
• خامسا/ مضى عام ثلاثة أعوام منذ تشكيل هذه التوافقات دون أن يتمكنوا من التوافق على صيغة ما لبرنامجهم، وبقي الشعبيين في الجنوب واليمن آملين أن يطرح طرفي الشراكة رؤية ومشروعا مغايرا للواقع.
• سابعا: استمرار العزلة السياسية لفضية شعب الجنوب بسبب هذه الشراكة العقيمة يجعلنا في تخوف من تغييب الدعم المحلي والعربي والإسلامي الرسمي والشعبي لمناصرة قضية شعب الجنوب العادلة. فرغم جهود دولة الامارات العربية المتحدة قيادة وشعبا منذ انطلاق الحرب حد اللحظة فإنه لم يُظهر أحد دعما جادا للجنوبيين، ولم يتعامل مع الملف الجنوب كملف ذي أولوية، ويكاد يخلو عام 2023م من الجهد الدبلوماسي الفاعل والحقيقي، باستثناء محطات محدودة مقارنة مع الأعوام السابقة.
• ثامنا: غياب التقييم والمراجعة أو النقد الذاتي، وبالذات من قبل المؤسسات والقوى السياسية وفي مقدمتها المجلس الانتقالي الجنوبي، وهذه آفة لا تقتصر على هذا العام دون غيره، فما زالت المسيرة الوطنية الجنوبية  والأداء الوطني بمستوياته المختلفة، السياسية والاقتصادية والتنموية دون تقييم أو مراجعة منهجية جادة، ولا نجد سوى بعض الجهود الفردية لمفكرين ومثقفين، أو قيادات تاريخية وثقت بطريقة نقدية بعض المحطات التاريخية، وبعض جوانب العمل، الأمر الذي يجعل قيادات شعب الجنوب يكررون ذاتهم، ويقعون في الأخطاء نفسها، ولا يستفيدون من تجارب بعضهم البعض. لذلك فقد كان من الضروري أن يرافق تقييم المجلس الانتقالي الجنوبي تقييم سنوي للأداء المؤسساتي الخدمي والتنموي.
مما سبق تبين لنا أن: 
 الجنوب ما زال يواجه عدوا لا يُستهان به، يحاول التماسك رغم ما أصابه من عوامل ضعف عديدة وتراجع على بعض الأصعدة، وبالتالي فإن مواجهته تحتاج إلى أداء جنوبي مختلف، يرتقي إلى مستوى التحدي الذي يشكله هذا العدو.

التطورات على مستوى المحلي والإقليمي والدولي التي شهدها عام 2024 يمكن إيجازها في الآتي: :
• الاستمرار في محاصرة محافظات الجنوب اقتصاديا، والحيلولة دون الاستقرار والشعور بالأمان وإبقاء شعب الجنوب في حالة من الضغط الأمني والاقتصادي والاجتماعي الدائم في ظل تهديد مستمر بشن عدوان دموي جديد عليه من قبل المليشيات الحوثية والقوى اليمنية المتحالفة معها.
• محاولة تقويض النتائج المادية والمعنوية للحرب التي قادها التحالف العربي وبمساندة من القوات المسلحة الجنوبية وشعب الجنوب وذلك عبر استعادة محافظات الجنوب وتحريرها من المليشيات الحوثية.
• محاولة تقويض الانتصارات التي حققتها القوات المسلحة الجنوبية ضد التنظيمات الإرهابية التي كانت تعمل على تنفيذ اغتيالات نوعية في العاصمة عدن ومحافظات الجنوب الأخرى وخوض مواجهة مباشرة معهم دون تفاعل أي من الساحة المحلية اليمنية وفي مقدمتهم شركاء الحكومة والقيادة.  
• تعزيز علاقات المليشيات الحوثية مع بعض الدول الخليجية كسلطنة عمان ومؤخرا المملكة العربية السعودية بالإضافة الى التحالف المباشر مع إيران وكذلك تنامي علاقاته شبه الرسمية على المستوى الدولي واستمرار الرعاية الدولية له، حتى من غير الحلفاء التاريخيين فهو يتمتع بعلاقات قوية وقد تزداد متانة لاسيما ما بعد الصراع في البحر الأحمر وتهديد المصالح الامريكية والأوروبية والإسرائيلية كما يزعم، مما قد يفتح شهية القوى المرشحة لدولة عظمى كالصين وروسيا والهند.
• زيادة التهديدات والاعتداءات الحوثية على حركة الملاحة الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي، مما قاد إلى زيادة الجرأة في التنصل والتنكر العربي لحماية هذه الممرات المهمة للأمن القومي العربي، ولو بحدها الأدنى، وقد ظهر ذلك جليا في الخطوط العريضة لسياسة حكومة العربية التي فضلت الصمت. 
• الحال القائم اليوم الذي ساد لسنوات عديدة سابقة لا ينبغي له الاستمرار، لما يشكله في ظل تقاطعه مع الأوضاع على مستوى دولة الاحتلال اليمني والأوضاع الإقليمية والدولية، من خطر حقيقي على قضية شعب الجنوب ومستقبلها.
مما سبق يتنين لنا أن: 
أن المسؤولية عما آلت إليه قضية شعب الجنوب، من تقاطع الضعف في الأداء الذاتي "القيادي" مع عوامل القوة الذاتية والموضوعية لدى المليشيات الحوثية والقوى اليمنية المتخادمة معها، مكنه من الاستمرار في تسجيل النقاط لصالحه، ودفع إلى استمرار حالة الاستنزاف للجنوب والدول المناصرة له على أكثر من صعيد.وعليه فليس من المتوقع أن يحدث تغيير نوعي أو ذو مغزى في الأداء الجنوبي، ما لم يحدث تغيير حقيقي ومؤثر على شكل وأداء القيادة ما لك ستبقى الأعوام تمر على الشعب في الجنوب وهو يراكم في نضاله وتضحياته دونما إنجاز حقيقي ومؤثر على قضيته الوطنية.
التوصيات والمقترحات:
1- ترتيب البيت الجنوبي وتحصين الجبهة الداخلية وإصلاح المؤسسات القيادية الجنوبية في مؤسسات الدولة وكذلك مؤسسات المجلس الانتقالي الجنوبي.
2- بلورة رؤية وبرنامج متوافق عليه في استمرار الشراكة مع القوى اليمنية والتغيير الجذري في استراتيجية المواجهة مع المليشيات الحوثية والقوى المناصرة لها وفق تطورات الاحداث أم سلما أو حربا. 
3- إعادة الاعتبار للدعم العربي والإقليمي والدولي لقضية شعب الجنوب، لكونها متطلبات ضرورية لضمان سلامة قضية شعب الجنوب في التقدم نحو إنجاز الحقوق الوطنية، وللارتقاء لمستوى تضحيات الشعب في الجنوب.
4-  الاستفادة من الاحداث التي تشهدها المنطقة العربية ودول القرن الافريقي لاسيما الدول المشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن.
5- دراسة الفواعل التي تحدد العلاقات الدولية في الشرق الأوسط والاستفادة من الفرص المتاحة لما فيه خدمة في الجنوب.