مكاسب استراتيجية واقتصادية..

صراع النفوذ.. ممر الطاقة الروسي-الإيراني يشعل فتيل حرب باردة جديدة في المنطقة

موسكو وطهران تعتقدان أن الضغوط الإضافية الناجمة عن التطوير الإيراني السريع لحقل بارس الجنوبي قد تزيد من ترجيح كفة إعادة مشاركة قطر النشطة في منتدى الدول المصدرة للغاز

مكاسب جيوسياسية لطهران وموسكو من بين أهداف أخرى.

طهران

أعلن وزير النفط الإيراني جواد أوجي الأسبوع الماضي أن بلاده ستبدأ العمل في ممر للطاقة سيوفر رابطا مباشرا من روسيا إلى إيران، لكن محللين يؤكدون أن مكاسب جيوسياسية لموسكو وطهران من بين أهداف أخرى.

والممر هو الآن مشروع إضافي للصفقة المكونة من أربعة أجزاء بقيمة 40 مليار دولار أميركي المتفق عليها مبدئيا بين شركة الغاز الروسية العملاقة غازبروم وشركة النفط الوطنية الإيرانية في يوليو 2022.

وهذا بدوره جزء من صفقة التعاون الشاملة الجديدة بعيدة المدى لمدة 20 عاما بين إيران وروسيا والتي وافق عليها المرشد الأعلى علي خامنئي في الثامن عشر من يناير من هذا العام.

وتمتد الصفقة الجديدة لعشرين عاما (معاهدة أساس العلاقات المتبادلة ومبادئ التعاون بين إيران وروسيا) تكمل أيضا العديد من العناصر الرئيسية لـ”اتفاقية التعاون الشامل بين إيران والصين” لمدة 25 عاما.

ويرى المحلل سيمون واتكينز في تقرير على موقع أويل برايس الأميركي أن الأمر الحاسم بالنسبة إلى الغرب هو أن هذه الاتفاقيات لا تشمل فقط تحالفا تجاريا أكثر وثوقا للنفط والغاز بين روسيا وإيران والصين، باستخدام العملات المحلية بدلا من الدولار الأميركي، ولكنها تتضمن أيضا “الجسر البري” الذي أنشأته إيران منذ فترة طويلة.

وهذا من شأنه أن يسمح لروسيا بنقل ما تريد (بما في ذلك الأسلحة) بسلاسة عبر إيران ثم إلى ساحل البحر المتوسط في سوريا لاستخدامه من قبل وكلائها الرئيسيين ضد إسرائيل بشكل مباشر، والولايات المتحدة بشكل غير مباشر.

من شأن الجسر البري أن يمكن إيران وروسيا من زيادة تسليم الأسلحة إلى جنوب لبنان ومنطقة الجولان في سوريا

وتتألف الصفقة التي تبلغ قيمتها 40 مليار دولار مع شركة غازبروم من أربعة عناصر أساسية، وكلها بالغة الأهمية لتعزيز علاقات التجارة في مجال الطاقة التي تتصورها روسيا وإيران والصين.

أولا، تطوير حقلي كيش وفارس الشمالي للغاز بقيمة 10 مليارات دولار بهدف إنتاج الحقلين لأكثر من 10 ملايين متر مكعب من الغاز يوميا.

ثانيا، مبادرة بقيمة 15 مليار دولار لزيادة الضغط في حقل غاز بارس الجنوبي العملاق على الحدود البحرية بين إيران وقطر.

ثالثا، استكمال العديد من مشاريع الغاز الطبيعي المسال الكبرى (بما في ذلك في بارس الشمالي وفي وقت لاحق في بارس الجنوبي) وبناء خطوط أنابيب لتصدير الغاز إلى بلدان أخرى في المنطقة.

ورابعا، الاستفادة من فرصة الغاز الرخيص للدول المجاورة (في الشرق الأوسط وغرب آسيا) من هذه الأنابيب لتعزيز فكرة “أوبك الغاز” مع روسيا وإيران في مركزها.

وتحتل روسيا المركز الأول عالميا من حيث احتياطيات الغاز بنحو 1688 تريليون قدم مكعبة، وتأتي إيران في المركز الثاني بنحو 1200 تريليون قدم مكعبة.

ووفقا لمصدر رفيع المستوى في مجال أمن الطاقة بالاتحاد الأوروبي تأمل موسكو وطهران في أنه نظرا لهذا التوسع في إنتاج الغاز من هذا الاتحاد الروسي – الإيراني والارتفاع الناتج عن ذلك في صادرات الغاز إلى الصين من عملاقي الغاز، قد يتم إقناع قطر بالعودة مرة أخرى إلى مجال النفوذ الصيني – الروسي – الإيراني.

وهذا من شأنه أن يعيد تنشيط فكرة منتدى الدول المصدرة الخليجية باعتباره المعادل لمنظمة أوبك للغاز، نظرا لأن قطر، إلى جانب روسيا وإيران، كانت عضوا مؤسسا.

وتعتقد موسكو وطهران أيضا أن الضغوط الإضافية الناجمة عن التطوير الإيراني السريع لحقل بارس الجنوبي، والذي يمكن أن يعطل خطط قطر لحقل الغاز الحيوي حقل الشمال قد تزيد من ترجيح كفة إعادة مشاركة قطر النشطة في منتدى الدول المصدرة للغاز.

موسكو وطهران تعتقدان أن الضغوط الإضافية الناجمة عن التطوير الإيراني السريع لحقل بارس الجنوبي قد تزيد من ترجيح كفة إعادة مشاركة قطر النشطة في منتدى الدول المصدرة للغاز

وبالنسبة إلى الصين، فإن هذا التحالف الوثيق في قطاع الغاز، سواء من خلال خطوط الأنابيب أو في شكل الغاز الطبيعي المسال، وكذلك في النفط، سيكون مفيدا من نواح عديدة.

وعلى سبيل المثال، أصبح الغاز الطبيعي المسال المصدر العالمي الأول للطاقة في حالات الطوارئ في أعقاب العقوبات المفروضة على تدفقات الغاز الروسي بعد غزوها لأوكرانيا في الرابع والعشرين من فبراير 2022، حتى إن الولايات المتحدة زادت بشكل كبير إنتاجها من الغاز الطبيعي المسال من الصفر تقريبا في عام 2022 لتصبح أكبر مصدر في العالم بعد عام واحد فقط، بينما كانت قطر هي المنتج المتأرجح لذلك الغاز.

وبفضل الإنذار المسبق تمكنت الصين من تأمين الجزء الرئيسي من إنتاجها في عقود متعددة طويلة الأجل حتى قبل بدء الغزو الروسي.

وبالإضافة إلى ذلك، بالنسبة إلى الرئيس الصيني شي جينبينغ، وكما تم التأكيد عليه بقوة خلال سلسلة من الاجتماعات في يناير 2022 بين كبار المسؤولين من الحكومة الصينية ووزراء خارجية المملكة العربية السعودية والكويت وعمان والبحرين والأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، فإن التجارة في الغاز والنفط بين دول الشرق الأوسط والصين يجب أن تتم بعملتها الرنمينبي، وليس الدولار الأميركي.

وستكون هذه الفكرة في صميم اتفاقية التجارة الحرة بين الصين ومجلس التعاون الخليجي، المصممة على نطاق واسع لصياغة تعاون إستراتيجي أعمق في منطقة تظهر فيها هيمنة الولايات المتحدة علامات التراجع.

ولطالما اعتبرت الصين موقف عملتها في جدول العملات العالمي انعكاسا لأهميتها الجيوسياسية والاقتصادية على الساحة العالمية.

وكان مؤشر مبكر للغاية على طموحها في ما يتعلق بالرنمينبي واضحا في قمة مجموعة العشرين في لندن في أبريل 2010، عندما أشار تشو شياو تشوان، محافظ بنك الشعب الصيني آنذاك، إلى فكرة مفادها أن الصينيين يريدون عملة احتياطية عالمية جديدة لتحل محل الدولار الأميركي في مرحلة ما.

وأضاف أن إدراج الرنمينبي في مزيج أصول الاحتياطي الخاصة بحقوق السحب الخاصة لصندوق النقد الدولي سيكون بمثابة حجر الأساس الرئيسي في هذا السياق، وقد حدث هذا في أكتوبر 2016.

وكانت بكين تدرك منذ فترة طويلة حقيقة مفادها أنها، باعتبارها أكبر مستورد سنوي للنفط الخام الإجمالي في العالم منذ عام 2017 (وأكبر مستورد صاف في العالم لإجمالي النفط وغيره من الوقود السائل في عام 2013)، تخضع لتقلبات السياسة الخارجية الأميركية بشكل غير مباشر من خلال آلية تسعير النفط للدولار الأميركي.

وقد تعززت هذه النظرة إلى الدولار الأميركي باعتباره سلاحا بقوة منذ غزو روسيا لأوكرانيا والعقوبات التي قادتها الولايات المتحدة والتي أعقبت ذلك، والتي كانت أشدها، كما حدث مع العقوبات المفروضة على إيران منذ عام 2018، تتعلق بالاستبعاد من استخدام الدولار الأميركي.

والواقع أن نائبة الرئيس التنفيذي السابقة لبنك الصين تشانغ يانلينغ قالت في خطاب ألقته في أبريل 2022 إن العقوبات الأخيرة ضد روسيا من شأنها أن “تتسبب في فقدان الولايات المتحدة لمصداقيتها وتقويض هيمنة الدولار الأميركي في الأمد البعيد”. واقترحت أيضا أن تساعد الصين العالم على “التخلص من هيمنة الدولار عاجلا وليس آجلا”.

والسبب الأخير من الأسباب الثلاثة الرئيسية التي تجعل ممر الطاقة الجديد بين روسيا وإيران مهما للغاية في توازن القوى في الشرق الأوسط، وفي التهديد الأمني للولايات المتحدة وحلفائها، هو أنه ليس المقصود منه مجرد ممر للطاقة، بل إنه يهدف أيضا إلى أن يكون الجزء الأول من “الجسر البري” الذي تحاول إيران يائسة إنشاءه منذ أن أتت ثورتها في عام 1979.

وسوف يمتد الجسر البري من إيران عبر العراق إلى ساحل البحر المتوسط في سوريا الخاضعة لسيطرة روسيا.

وهذا من شأنه أن يمكن إيران وروسيا من زيادة تسليم الأسلحة إلى جنوب لبنان ومنطقة مرتفعات الجولان في سوريا بشكل كبير لاستخدامها في الهجمات على إسرائيل.

والهدف الأساسي من هذه السياسة هو إثارة صراع أوسع نطاقا في الشرق الأوسط من شأنه أن يجر الولايات المتحدة وحلفاءها إلى حرب غير قابلة للربح من النوع الذي شهدناه مؤخراً في العراق وأفغانستان، والذي كان من المفترض دائماً أن تكون عليه حرب إسرائيل وحماس.

ومع وجود روسيا عسكريا واسع النطاق على طول الساحل، سواء من خلال القاعدة البحرية في طرطوس أو قاعدة حميميم الجوية ومحطة التنصت القريبة في اللاذقية، فإن عقود التنقيب عن النفط والغاز المختلفة التي تتقاسمها الشركات الروسية والصينية والإيرانية العاملة في العراق توفر الرابط من إيران إلى سوريا.

وبموجب القانون الدولي، يحق لشركات النفط والغاز تماما نشر أكبر عدد ممكن من “أفراد الأمن” كما يحلو لها في هذه المواقع ذات القيمة العالية وحولها، بما في ذلك حول نظام النقل الذي يربط بينها.

ومن المرجح أن يأتي الدعم الإضافي لهذه المحاور على طول جزء كبير من طريق الجسر البري من الخطط المتفق عليها بين العراق والصين لبناء طريق التنمية الإستراتيجي الذي تبلغ تكلفته 17 مليار دولار أميركي والذي سيخلق ممر نقل خاصا به من البصرة إلى جنوب تركيا (قريب من الحدود السورية)، ويرتبط بمبادرة الحزام والطريق الصينية.