"اليوم الثامن" تنشر قصة خروج طارق من صنعاء..

التحالفات اليمنية: فرص وتحديات التعاون بين المجلس الانتقالي الجنوبي والمقاومة الوطنية

"يشكل التحالف الاستراتيجي بين المجلس الانتقالي الجنوبي والمقاومة الوطنية اليمنية كظاهرة جديدة تمثل خطوة غير مسبوقة في سياق تاريخ الصراع اليمني. تم بناء هذا التحالف على التعاون الاستراتيجي في مواجهة الحوثيين، حيث يحتفظ كل طرف بقضيته الوطنية."

العميد طارق صالح قائد قوات حراس الجمهورية رئيس المكتب السياسي يحاضر قواته في ميناء المخا الاستراتيجي - اعلام محلي

المكلا

يعد الـ2 من ديسمبر 2017م، نقطة تحول كبيرة في تأريخ القائد العسكري العميد طارق محمد عبدالله صالح، قائد قوات الحرس الخاص للرئيس اليمني السابق

 علي عبدالله صالح، ففي هذا اليوم أعلن الحوثيون احكام قبضتهم على العاصمة اليمنية صنعاء، عقب مواجهات مسلحة مع قوات حزب المؤتمر الشعبي العام الذي كان يتزعمه الرئيس "صالح"، الذي قتل على يد مسلحين حوثيين عقب ما قالوا انها محاولته هروبه نحو قرية سنحان التي ينتمي إليها، عقب هزيمة قواته في شوارع صنعاء، وخذلان أقرب القيادات العسكرية له وابرزهم اللواء "مهدي مقولة الذي أعلن ولائه للحوثيين بدعوى انه حاول تجنيب صنعاء التدمير.

عشرة أيام عاشها "طارق صالح" متنقلا بين منازل يمتلكها ضباط في قوات الحرس الخاص، حتى الـ12 من ديسمبر، حينما قرر طارق صالح الخروج من صنعاء، فتلقى عرضا من جماعة الإخوان في مأرب، التي أبدت استعدادها لتأمين خروجه عن طريق فرضة نهم، لكن القائد العسكري اختار الخروج صوب عدن، حيث عمل المجلس الانتقالي الجنوبي على تأمين تحركاته.

وبطريقة معقدة للغاية لم يكتشفها الحوثيون، تم اخراج العميد طارق في شاحنة نقل يمتلكها مواطن من عدن، حتى الضالع الخاضعة لسيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي، ومن الضالع تم تغيير الشاحنة بسيارة خاصة حتى وصل إلى قاعدة بئر أحمد العسكرية في عدن، ومن عاصمة الجنوب انتقل طارق صالح شرقا نحو شبوة التي ينتمي إليها أمين عام حزب المؤتمر الشعبي العام عوض الزوكة الذي قتل مع الرئيس صالح في صنعاء، لتقديم واجب العزاء وإعلان ظهوره من جديد.

وقد شكل ظهور طارق من شبوة رسالة ليست للحوثيين وحسب ولكن حتى لجماعة الإخوان الذين اتضح لهم ان "طارق اختار معسكر المجلس الانتقالي الجنوبي"، على معسكر الإخوان في مأرب"،

عاد مرة أخرى إلى عدن، وبدأ في إعادة تشكيل قواته من جديد في بئر أحمد، في الوقت الذي كانت قوات العمالقة الجنوبية بقيادة العميد عبدالرحمن المحرمي تعمل على تطهير مناطق الساحل الغربي من الأذرع الإيرانية، لتنظم قوات حراس الجمهورية، وهو الاسم الذي اختاره طارق صالح لقواته، إلى معركة استعادة ميناء الحديدة، وبعد مرور العام الأول لهزيمة قوات طارق في صنعاء كانت قوات العمالقة الجنوبية والمقاومة التهامية وحراس الجمهورية على مشارف ميناء الحديدة الاستراتيجي، الا ان تدخلات إقليمية ودولية عرقلت استعادة الميناء من قبضة الحوثيين، من بوابة اتفاق هش رعته الأمم المتحدة سمي لاحقا باسم اتفاق ستوكهولم، ليعود طارق صالح إلى إعادة بناء قواته في ميناء المخا العتيق، لكنه ظل محافظا على علاقته بالمجلس الانتقالي الجنوبي، حيث تجلى التحالف الاستراتيجي بين المجلس الانتقالي الجنوبي والمقاومة الوطنية اليمنية كظاهرة جديدة تمثل خطوة غير مسبوقة في سياق تاريخ الصراع اليمني. 

لكن هذا التحالف النادر، بني على التعاون الاستراتيجي في مواجهة الحوثيين على قواعد لكل طرف قضيته الوطنية، فالمجلس الانتقالي الجنوبي تأسس في العام 2017، بهدف تحقيق استقلال الجنوب، ويرتكز على فكرة استعادة دولة اليمن الجنوبي السابقة. في المقابل، ظهرت المقاومة الوطنية اليمنية كقوة مناهضة للحوثيين، وتسعى لاستعادة عاصمة الدولة اليمنية صنعاء من قبضة الاذرع الإيرانية. 

لم تكن جماعة الإخوان المسلمين في اليمن التي رفض طارق عرضها للانضمام إلى تحالفها القادم ضد الجنوب، راضية عن هذا التحالف، وبدأت في محاولة تقويضة تارة باسم تخلي طارق صالح عن مشروع الوحدة اليمنية، وأخرى تخلي المجلس الانتقالي الجنوبي عن مشروع استعادة دولة الجنوب السابقة.

ولأن جماعة الإخوان تمثل الذراع المحلية للمملكة العربية السعودية في اليمن، فقد كانت واحد من ابرز أسباب عرقلة تحرير ميناء الحديدة "لكي لا يقع هذا الميناء تحت قبضة طارق صالح، وفضلت هذه الجماعة ان يبقى بيد الحوثيين".

 لكن يظل التأكيد أن العلاقات بين الطرفين بدأت في التبلور، حيث تفاعلت قيادات المقاومة الوطنية مع المجلس الانتقالي في مواجهة الحوثيين، مما أدى إلى تعاون عسكري وسياسي. هذا التعاون جاء في إطار الحاجة الملحة لمواجهة الخطر الحوثي الذي يهدد الأمن والاستقرار في مناطق الجنوب واليمن على حد سواء.

على عكس الإخوان الذين بدأوا ابرام اتفاقيات سرية مع الحوثيين الموالين لإيران، ففي أغسطس 2019م، شن الإخوان معركة واسعة على شبوة الغنية بالنفط، وقد كشفت تقارير صحفية عن قيام جماعة الحوثيين بالإفراج عن قيادات بارزة في تنظيم القاعدة، كانت معتقلة في سجن المخابرات اليمنية منذ عهد نظام الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح.

ولم يكتف الإخوان بهذا التنسيق، بل إعطاء وزير الدفاع السابق محمد علي المقدشي الموالي للإخوان لقوات الجيش الوطني، توجيهات بالانسحاب من فرضة نهم في العام 2020م، وتلاه انسحابات أخرى من حزم الجوف وصولا إلى قانية في البيضاء، ولاحقا تسليم قوات تتبع نائب الرئيس اليمني السابق، علي محسن الأحمر، لثلاث مديريات في شبوة "بيحان وعسيلان وعين"، وقد وجد المجلس الانتقالي الجنوبي، نفسه امام "تحدٍ صعب"، فالأذرع الإيرانية التي تم طردها من الجنوب عادت مرة أخرى من بوابة الإخوان الذين كانوا حينها يسيطرون على محافظة شبوة النفطية، فأطلق المجلس أكبر وأطول عملية عسكرية من خلال الدفع بقوات العمالقة الجنوبية من مناطق الساحل الغربي إلى شبوة، لتقطع أكثر من لتطلق تلك القوات عملية "إعصار الجنوب"، التي نجحت في دفع الحوثيين بعيدا عن شبوة بتأمين مناطق تابعة لمحافظة مأرب (اليمنية الشمالية).

في الـ7 من ابريل 2022م، تعزز تحالف المقاومة الوطنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، من خلال مبادرة امانة مجلس التعاون الخليجي، التي انتهت بنقل الرئيس عبدربه منصور هادي، صلاحياته إلى مجلس القيادة الرئاسي، مكون من وزير الداخلية الأسبق رشاد العليمي وعضوية "عيدروس الزبيدي وفرج البحسني وعبدالرحمن المحرمي، وعبدالله العليمي، وطارق صالح، وعثمان مجلي، وسلطان العرادة"، لكن هذه التشكيلة التي كان هدفها إعادة تصويب الحرب ضد الحوثيين،  ظهرت فيها بوادر انقسام، على اثر تبني إدارة الملف اليمني في المملكة العربية السعودية، دعم رئيس المجلس على حساب باقي الأعضاء، وهو ما أثر على أداء المجلس وعرقل عمله واخرجه عن الأهداف التي جاءت به.

واليوم يشكل التحالف بين المجلس الانتقالي الجنوبي والمقاومة الوطنية خطوة نحو توحيد الصفوف بين قوى الجنوب واليمن، حيث يتجاوز الحدود التقليدية للصراع، هذا التحالف او التعاون على اقل تقدير، يؤكد على خلق استراتيجية في غاية الأهمية، فاليمن واقع تحت سلطة الأذرع الإيرانية، وهناك ما يشبه بالتواطؤ الإقليمي مع هذه الجماعة التي نجحت إلى حد كبير في تطبيق "تجربة ولاية الفقيه في اليمن"، وازاحة هذه الجماعة من صنعاء يتطلب تحالفا استراتيجيا يقر أولا بحق الجنوب في تقرير مصيره، وان تعود صنعاء عاصمة عربية وليست إيرانية، ومن هنا يمكن التأكيد على العمل نحو هدف مشترك.

من خلال التعاون بين قوات المجلس الانتقالي والمقاومة الوطنية، تم تعزيز القدرات العسكرية لكلا الجانبين، من خلال تبادل المعلومات، وتنسيق العمليات العسكرية ضد الحوثيين.

يمثل تأكيد التحالف رسالة قوية للأطراف الإقليمية، خاصة إيران، التي تدعم الحوثيين، لان وجود تحالف قوي بين قوى جنوبية وأخرى يمنية يمكن أن يغير من موازين القوى في الصراع ويقوي من موقف القوى المناهضة لأذرع طهران، ويقطع الطريق أمام مشاريع إقليمية ترى في الانقسام فرصة مواتية لخلق مشروع تقاسم "بين الحوثيين والإخوان".

الظهور في لقاء علني والتأكيد على وجود "تحالف" من أبوظبي التي باتت عاصمة للقرار في الشرق الأوسط، قد يسهم في تعزيز شرعية – اغلبية أعضاء المجلس- في أعين المجتمع الدولي، مما قد يفتح الباب لدعم خارجي في مواجهة التحديات الاقتصادية والأمنية، خاصة في ظل انفراد "رشاد" العليمي بالقرار وتجييره لمصلحة جماعة الإخوان.

فالزٌبيدي والبحسني والمحرمي وصالح، -نصف المجلس- باتوا يشكلوا معسكرا واحدا في مواجهة رئيس المجلس، ويمكن إضافة مدير مكتب الرئيس السابق "عبدالله العليمي"، الذي هو الأخر غير راض عن إدارة رشاد العليمي، وهو ما ألمح إليه من خلال ترحيبه بلقاء الزبيدي وطارق"، هذا التحالف قد يعجل بإعادة النظر في شخصية رئيس المجلس رشاد العليمي الذي أصبح يتحرك وفق اجندة تمنح الحوثيين سلطة مطلقة على كامل التراب اليمني الشمالي.

ويبدو ان رفع العقوبات عن قائد الحرس الجمهوري السابق وسفير اليمن الأسبق في دولة الامارات العربية المتحدة، العميد احمد علي عبدالله صالح، قد أزعج بعض القوى الإقليمية، خاصة بعد ان خرج أنصار حزب المؤتمر الشعبي العام في مدينة تعز باحتفالات كبيرة، دفعت برشاد العليمي إلى زيارة المدينة لأول مرة رفقة حراسة سعودية مشددة، وهو ما أكد على وجود انقسام، تبدو معالجاته تتطلب "إزاحة رشاد العليمي"، ووضع شخصية أخرى توافقية تحظى بقبول سعودي أولاً، فالرياض لا يمكن ان تغامر بمستقبل تحالفاتها المحلية التي تشكلت عقب اهتزاز وانتكاسة القبيلة اليمنية في صنعاء، التي ظلت حليفة للرياض منذ أكثر من نصف قرن.

وعلى الرغم من أهمية هذا التحالف، لا يزال اليمن يواجه العديد من التحديات، وأبرزها حالة الانقسام في مجلس القيادة الرئاسي، بعد ان انفرد رئيس المجلس رشاد العليمي، بالقرار خلافا فالحرب المستمرة تترك آثارًا اقتصادية وإنسانية خطيرة، مما يزيد من تعقيد الأمور، من الممكن أن يؤدي التحالف إلى نتائج إيجابية، إلا أنه يعتمد على قدرة الأطراف المعنية على توحيد رؤاها حول مستقبل اليمن وكيفية معالجة القضايا الداخلية.

يمثل التحالف الاستراتيجي بين المجلس الانتقالي الجنوبي والمقاومة الوطنية اليمنية تحولًا مهمًا في الصراع اليمني، وبينما يسعى الطرفان لتحقيق أهدافهما الوطنية، يبقى السؤال مفتوحًا حول مدى استدامة هذا التعاون وما إذا كان يمكن أن يؤدي إلى إنهاء الصراع من بوابة استعادة صنعاء، ومعالجة اثار الحروب التي شنت على الجنوب، والقبول بوثيقة فك الارتباط المعلنة في الـ21 من مايو 1994م، عقب نحو شهر من حرب تحالف نظام علي عبدالله صالح والإخوان المسلمين على عدن وهي الحرب التي قضت على مشروع الوحدة السلمي تماماً وما بقي اليوم سوى إعادة ترتيب البيت بما يضمن بقاء اليمن بعيدا عن الاطماع الإيرانية.

يحتاج المجلس الانتقالي الجنوبي إلى تعزيز تحالفه مع المقاومة الوطنية من خلال إنشاء تحالفات محلية قوية. يتطلب ذلك توسيع قاعدة التمثيل الإداري، ومنح محافظات مثل أبين وشبوة وحضرموت والمهرة مكانة أكبر في هيئة رئاسة المجلس والهيئات المساعدة، التي تعاني حالياً من نقص التمثيل. يمكن تحقيق ذلك عبر استئناف قرار "الهيكلة" في هيئات المجلس والقوات العسكرية والأمنية، مما يتيح للمجلس تعزيز جبهته الداخلية، خاصة باتجاه الشرق حيث يمكن أن تشكل هذه المحافظات ثقلاً كبيراً.

كما يمكن الاستفادة من حالة السخط الشعبي تجاه بعض التدخلات الإقليمية التي تهدف إلى تفكيك قوات النخبة، والتي تتمتع بخبرة عسكرية وأمنية رائدة. 

يتوجب على المقاومة الوطنية ومجلسها السياسي إعادة التفكير في استراتيجيتها تجاه الجنوب، وتعزيز التعاطي الإيجابي مع القضية الجنوبية على الصعيدين السياسي والإعلامي. ذلك من شأنه تعزيز ثقة المجتمع بهذا التحالف، بخلاف تحالفات سابقة تركت آثاراً سلبية، ومنها فشل مشروع الوحدة السلمي بسبب الحرب وسياسة الإلغاء تجاه الشريك في ذلك المشروع.

علاوة على ذلك، يتطلب الأمر إعادة تطمين قواعد حزب المؤتمر الشعبي العام بإنهاء حالة الانقسام داخل الحزب. في ظل وجود أذرع إيرانية وأخرى تتبع الإخوان في مأرب، يجب أن تكون وحدة الحزب أولوية بالنسبة للمكتب السياسي للمقاومة الوطنية. فبدون وحدة المؤتمر، يتطلب الأمر تعزيز المكتب السياسي ليكون رافعة سياسية تشمل مختلف القوى اليمنية، حتى تلك غير المنتمية لحزب المؤتمر الشعبي العام. 

بذلك، يمكن أن تساهم هذه الخطوات في تحقيق استقرار سياسي وتعزيز الفاعلية الوطنية في مواجهة التحديات الراهنة.