"عشر سنوات انقلاب"..

السعودية تمول مشاريع تنموية في حجة.. مؤشر مصالحة مع أذرع إيران بصنعاء

"بعد عشر سنوات من سيطرة الحوثيين على صنعاء، يعيش اليمنيون تحت ظروف مأساوية تشمل المجاعة، وسوء التغذية، والأمراض، وانهيار النظام الصحي وانتشار الأمراض مثل الكوليرا وسوء التغذية الحاد"

مصالحة سعودية إيرانية انعكست وقف جهود الحرب ضد الحوثيين في اليمن - أرشيف

المكلا

لم يكن الـ21 من سبتمبر أيلول العام 2014م، يوماً عاديا على صنعاء، فالعاصمة اليمنية التي كانت حتى قبل هذا التاريخ تخضع لسلطة يمنية إخوانية برئيس من الجنوب هو عبدربه منصور هادي، غير ان دخول الحوثيين إلى العاصمة لم يكن في هذا التاريخ، فالانتفاضة التي تزعمها الإخوان ضد النظام اليمني بزعامة علي عبدالله صالح، قد جلبت الحوثيين من كهوف صنعاء إلى ساحة الجامعة، على اعتبار انهم "ثوار يمنيون"، يدعمون مشروع الاخوان لتغيير نظام الحكم.

الـ11 من فبراير/ شباط، العام 2011م، مثل نقطة تحول في المشروع الإيراني في اليمن، فالجماعة المتمردة، ظلت بعيدة كانت تتلقى ضربات موجعة في جبال صعدة منذ بداية الحرب الأولى في العام 2004م، مرورا بستة حروب حتى العام 2009م، حين كانت الأذرع الإيرانية على وشك الاستسلام.

تدخلت السعودية أكثر من مرة في دعم النظام ضد التمرد الحوثي، غير ان رئيس النظام السابق، أراد استغلال هذه الجماعة للحصول على التمويل الإقليمي، فسارعت الدوحة إلى تقديم منحة مالية كبيرة استحوذ الحوثيون على الجزء الكبير منها، تحت شعار "صندوق إعادة اعمار صعدة".

وتسببت الحرب التي افتعلها الحوثيون بمقتل وجرح وتشريد الملايين من اليمنيين، ولا تزال المعاناة مستمرة، والسبب يكمن – وفق يمنيين- إلى سوء إدارة الحرب من قبل السعودية التي فشلت أذرعها في مدينة مأرب اليمنية، احداث أي اختراق صوب صنعاء العاصمة اليمنية.

وفي الوقت الذي خرج فيه يمنيون يتسألون عن مصير بلدهم بعد ان دخلت في العام الـ11 من الانقلاب غير المنتهي، بدأت السعودية التي تقود تحالفا عسكريا ضد الأذرع الإيرانية في اليمن بتميول مشاريع تنموية في مدينة خاضعة لسيطرة الحوثيين، في مؤشر على وجود رغبة سعودية للمصالحة مع الجماعة اليمنية المسلحة بعد نحو عام ونصف على المصالحة مع إيران (الراعية الأم) للانقلابيين في اليمن.

وتلقت صحيفة "اليوم الثامن " نسخة من بيان صحفي يؤكد ان الرياض مولت مشاريع تنموية في اطار التعليم لمحافظة حجة الخاضعة لسيطرة الحوثيين، وهذه ليست المرة الأولى التي تمول فيه الرياض مشاريع تنموية عن طريق السلطات التي تصفها بالانقلابية، لكن تقارير صحفية يمنية تؤكد ان الجماعة الانقلابية في اليمن تستخدم الدعم الإقليمي والدولي المقدم على شكل مساعدات، في الحشد القتالي وتمويل الجبهات بالأسلحة.

وقال البيان إن مركز الملك سلمان للإغاثة والإعمال الإنسانية مول عن السلطة المحلية في حجة ( معينة من قبل زعيم الحوثيين ) وتنفيذ " جمعية ائتلاف الخير الإخوانية " مشروع الفصول البديلة وتوزيع الحقيبة والزي المدرسي للطلاب بمحافظة حجة " .

ومولت الرياض مشاريع تقول إنها خدمية وإنسانية في مختلف المناطق اليمنية، ناهيك عن تقديم ودائم مالية تفوق الـ2 مليار دولار ذهب جزء كبير منها لسلطة الحوثيين التي تسيطر على أكثر من 90 في المائة من المحافظات اليمنية الشمالية.

وتقود السعودية تحالفا عسكريا منذ عشر سنوات، بغية محاربة التمدد الإيراني في المنطقة، غير انها بعد سبع سنوات من القتال، ابرمت اتفاقية مع طهران بوساطة صينية، وقد حمل السعوديون مسؤولية تعثر الحرب ضد الحوثيين، إلى عدم جدية الحلفاء (جماعة الإخوان في مأرب ) .

ويعاني اليمنيون من أوضاع مأساوية على مختلف الأصعدة. بلغ عدد سكان اليمن حوالي 40 مليون نسمة، يعيش معظمهم تحت خطر الفقر المدقع، في ظل انهيار الاقتصاد، وارتفاع مستويات الحرمان. ويعتمد أكثر من نصف السكان على القطاع الزراعي، الذي بات مهدداً بكارثة بيئية وشيكة.

وتسجل التقارير الإنسانية أرقامًا قاتمة تعكس عمق المعاناة التي يعيشها اليمنيون. يعاني الأطفال من سوء التغذية الحاد، حيث توقعات الأمم المتحدة تشير إلى أن أكثر من 600 ألف طفل سيعانون من سوء التغذية بحلول نهاية عام 2024. أكثر من ذلك، يتوقع أن يصل عدد الأطفال المصابين بسوء التغذية الحاد الوخيم إلى 118 ألف طفل، بزيادة بلغت 34% عن العام الماضي.

وبحسب تقارير الأمم المتحدة، لا يمتلك 62% من الأسر اليمنية ما يكفي من الغذاء. وتعتبر ثلاث مديريات في كل من تعز والحديدة الأكثر تضرراً، حيث وصلت إلى مرحلة المجاعة (المرحلة 5 من التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي).

على الرغم من الحاجة الملحة للدعم الإنساني، فإن تمويل خطة الأمم المتحدة للاستجابة الإنسانية لعام 2024 لم يتجاوز 28% فقط من الاحتياجات. الأمن الغذائي هو الأكثر تضرراً، حيث تمت تغطية 18% فقط من المتطلبات اللازمة لتقديم المساعدات الغذائية والنقدية الطارئة.

الأزمة الاقتصادية أدت إلى انخفاض كبير في دخل الأسر. ففي المناطق الخاضعة للحوثيين، شهدت 79% من الأسر انخفاضاً حاداً في دخلها مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، فيما أبلغت 51% من الأسر في المناطق الخاضعة للحكومة المعترف بها دوليًا عن انخفاض في دخلها.

وتسببت الحرب المستمرة منذ سنوات في تدمير البنية التحتية الصحية. أقل من نصف المؤسسات الصحية تعمل اليوم، وذلك بفضل الدعم المالي المحدود من المنظمات الإنسانية الدولية. ومع استمرار تراجع التمويل، اضطر العديد من المرافق إلى إلغاء برامج طبية ضرورية أو تقليص خدماتها.

الكوليرا وأمراض أخرى مثل حمى الضنك والملاريا لا تزال منتشرة على نطاق واسع، مما يعمق من معاناة السكان ويزيد من عدد الوفيات، لا سيما بين الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية.

الاحترار العالمي أضاف بُعدًا جديدًا للأزمة الإنسانية في اليمن. الفيضانات الشديدة التي كانت نادرة الحدوث أصبحت ظاهرة سنوية، حيث تسببت في تشريد مئات الآلاف وفقدانهم لمنازلهم وأصولهم الإنتاجية.

ومع استمرار الصراع، يبقى الحل السياسي بعيد المنال. تصاعد الهجمات الحوثية على البحر الأحمر وإسرائيل يثير المخاوف من ردود فعل عسكرية عنيفة من المجتمع الدولي، وهو ما قد يزيد من معاناة الشعب اليمني الذي يواجه شبح المجاعة والحرمان دون وجود أي مؤشر على نهاية قريبة للحرب.