" رئة المدينة المهددة بالتدهور البيئي"..

ورقة بحثية: جهود حكومية لحماية "محمية الحسوة" بحاجة إلى إجراءات صارمة

"كان لاندلاع الحرب في اليمن عام 2015م آثار سلبية كبيرة على محمية الحسوة الطبيعية، حيث أدى ذلك إلى تراجع أعداد الزوار، وتحول أجزاء من أراضي المحمية إلى مكب للنفايات ومخلفات البناء الأسمنتية، مما تسبب في تدهور حالة الأشجار والحدائق والمساحات الخضراء، وانقراض بعض أنواع الطيور والكائنات الحية"

بقرة تقف وسط مياه البحر قبالة محمية الحسوة الطبيعية - اليوم الثامن

حنين فضل
مدير تحرير صحيفة اليوم الثامن
عدن

قالت مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات إن محمية الحسوة الطبيعية في العاصمة عدن تواجه سلسلة من التحديات البيئية أبرزها التدهور البيئي والتلوث المتزايد، حيث أصبحت المحمية موقعًا رئيسيًا لرمي القمامة ومخلفات البناء بشكل شبه يومي، مما يهدد بيئتها الفريدة.

وأوضحت المؤسسة، في ورقة بحثية أعدها الباحث د. طارق شعبان، أستاذ الجغرافيا الطبيعية، أن العديد من الجهات المعنية والمنظمات غير الحكومية تسعى جاهدة لتنفيذ حملات تهدف إلى الحفاظ على المحمية ومكافحة هذه التحديات من خلال توعية المواطنين بأهمية حماية هذا الموقع البيئي الهام. ومع ذلك، شددت الورقة على أن هذه الجهود لن تؤتي ثمارها ما لم يتم اتخاذ إجراءات صارمة من قبل السلطة المحلية والحكومة المركزية في عدن.

تعد محمية الحسوة الطبيعية واحدة من أهم محميات الأراضي الرطبة في عدن ومن أحدث المحميات الطبيعية في جنوب اليمن. وقد أعلنت الحكومة اليمنية رسميًا عن تحويل الحسوة إلى محمية طبيعية في عام 2006، وسُجلت ضمن قائمة تضم 16 أرضًا رطبة في دليل الأراضي الرطبة على مستوى الإقليم.

وفي عام 2014، حصلت المحمية على جائزة خط الاستواء الدولية تقديرًا لجهودها في مجال حماية البيئة. وتعد المحمية اليوم متنفسًا طبيعيًا لسكان عدن، حيث تجمع بين مناخ معتدل أغلب أيام السنة وهواء نقي، مما يجعلها مقصدًا سياحيًا بيئيًا مميزًا.
كانت محمية الحسوة الطبيعية في بداياتها أرضًا سبخة تُستخدم لصناعة ملح الطعام، وفي القرن السادس الهجري، قام الأمير سيف الدين سنقر (الأتابك)، أحد أمراء الغزو الأيوبي والي اليمن آنذاك، بشراء أراضي المحمية المنتجة للملح. وظلت المحمية ملكًا للدولة حتى منتصف القرن التاسع عشر، عندما قام سلطان لحج في عام 1882 بضم المحمية إلى ممتلكاته، ضمن صفقة شملت شراء منطقة الشيخ عثمان.

وسع السلطان حدود المستعمرة، ودفع تعويضًا شهريًا لمصنعي الملح بلغ 500 ريال (عملة ذلك الزمن)، واستمر هذا النظام حتى ما بعد منتصف القرن العشرين. تشير بعض المصادر إلى أنه في عام 1923، بدأت أعمال استخراج الملح في الموقع من قبل الشركة المتحدة، التي أدارها أحد أفراد الجالية الهندية في الجزء الغربي من المحمية. ومع مرور الوقت، تدهور وضع المحمية حيث استُخدمت كموقع لرمي النفايات، واستُغلت أراضيها للزراعة، بما في ذلك زراعة أشجار نخيل الدوم (الطاري)، نظرًا لوقوعها في مصب السيول.

وفي هذا السياق، أوضح الباحث أن مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات عملت على تشخيص المشكلات البيئية التي تعاني منها المحمية، والتي تتمثل في التدهور البيئي والتلوث، فضلًا عن عمليات التدمير العشوائية التي تهدد مكونات المحمية الطبيعية.

وأشار إلى أن المحمية، التي تضم العديد من النباتات والكائنات النادرة، تحولت في الوقت الحالي إلى موقع رئيسي لرمي القمامة ومخلفات البناء من الأخشاب والحجارة. وقد تفاقمت هذه المشكلات بشكل كبير منذ عام 2015، مع اندلاع الحرب في اليمن، مما أدى إلى وضع مزرٍ للمحمية، ما يتطلب تدخلًا سريعًا لإنقاذها وإعادة تأهيلها.

هدفت مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات من خلال هذه الورقة البحثية إلى الحفاظ على توازن العمليات البيئية الطبيعية في ظل التغيرات المناخية، بما يضمن استدامة المحمية بشكل متزن وفعال. كما تسعى المؤسسة إلى توفير بيئات مناسبة للأبحاث العلمية المتعلقة بمجالات الأحياء والنظم البيئية، حيث يمكن للباحثين دراسة أنواع الطيور المهددة بالانقراض وغيرها من الكائنات المتواجدة داخل المحمية.

وتتضمن الأهداف كذلك التشجيع على السياحة البيئية كوسيلة لتعزيز الاقتصاد الوطني، مع الحرص على ألا تؤثر الأنشطة السياحية سلبًا على المكونات الحيوية للمحمية. إضافة إلى ذلك، تولي المؤسسة أهمية كبيرة لتوعية السكان بدورهم في الحفاظ على الطبيعة وصونها، إلى جانب الحفاظ على التراث الوطني عبر استثمار الموارد الطبيعية المتجددة وحماية التراث الطبيعي.

يمتد النطاق المكاني لمحمية الحسوة من منطقة المنصورة شمالاً إلى خليج عدن جنوباً، ومن جولة كالتكس شرقاً إلى المحطة الكهروحرارية غرباً، وتحديداً في نهاية مصب الوادي الكبير. تتبع المحمية إداريًا مديرية البريقة، وتغطي مساحة قدرها 185 هكتارًا (حوالي 1.85 كيلومتر مربع)، من إجمالي مساحة محافظة عدن البالغة 750 كيلومترًا مربعًا.
حددت الورقة البحثية الحدود الزمنية لدراسة محمية الحسوة بالفترة ما بين 2015 و2024، وهي الفترة التي شهدت زيادة كبيرة في التعديات على المحمية وتدهور حالتها البيئية.

تأسست محمية الحسوة في عام 2007، وتقع في الفيض النهائي للسيول الموسمية عند مصب الوادي الكبير. تمتد المحمية على مساحة 185 هكتارًا، منها 30 هكتارًا مخصصة كأحواض مائية لمعالجة المياه العادمة.

تتميز المحمية بغطاء نباتي كثيف يعمل على احتجاز مخلفات السيول والمياه العادمة المعالجة بين جذوع الأشجار، مما يقلل من الأضرار التي قد تصيب الأعشاب المرجانية.

تضم المحمية أكثر من 23 نوعًا نباتيًا، بالإضافة إلى 171 نوعًا من الطيور التي تزورها خلال فصل الشتاء.

وتتنوع التربة في محمية الحسوة الطبيعية بين تربة رملية وطينية، ويعود هذا التنوع إلى انبساط السيول الموسمية، حيث تتكون طبقات التربة بفعل مياه الوادي الكبير القادمة من دلتا تبن، وهو الوادي الوحيد الذي يمر عبر محافظة عدن وينتهي في خليج التواهي.
وتحتوي المحمية على نباتات طبيعية وأخرى مستزرعة، ولكنها تتعرض للتدمير بسبب الاستخدام الجائر من قبل البشر. أدى ذلك إلى تناقص عدد كبير من النباتات بسبب الزيادة السكانية، حركة البناء والعمران، وشق الطرق، مما ساهم بشكل مباشر في تدهور النظام البيئي داخل المحمية.

تضم محمية الحسوة الطبيعية مجموعة متنوعة من النباتات الطبيعية والمستزرعة، لكنها تواجه تحديات كبيرة نتيجة الاستخدام الجائر للموارد الطبيعية. فقد أدى ذلك إلى تراجع أعداد كبيرة من النباتات، حيث ساهمت الزيادة السكانية، وحركة البناء والتوسع العمراني، وشق الطرقات، إلى جانب إزالة وقطع الأشجار، في تدهور النظام البيئي للمحمية وترك آثار بيئية خطيرة عليها.

النباتات في المحمية:  
تحتوي المحمية على نباتات المناطق الساحلية مثل نخيل الدوم، المعروف محليًا باسم الطاري أو البهش، بالإضافة إلى نباتات السويداء (العصل)، كما تنتشر في المحمية أنواع من نباتات البيئة الصحراوية.

الحياة البرية في المحمية:  
تعد المحمية موطنًا آمنًا للعديد من الأنواع النادرة والمهددة بالانقراض من الحيوانات، حيث توفر بيئة طبيعية وآمنة لتكاثرها وعيشها.  
وتوجد في المحمية حوالي 30 نوعًا من الطيور المقيمة والمتكاثرة التي يمكن مشاهدتها على مدار العام. ومن أبرز الطيور المقيمة:  
- النورس أبيض العينين  
- أبو منجل  
- بلشون أسود الرأس  
- النحام (الفلامنجو)  

كما تستقبل المحمية الطيور المهاجرة مثل طائر شاهين.  

الحيوانات الأخرى:  
إلى جانب الطيور، تنتشر في المحمية الأرانب والثعالب والزواحف، بالإضافة إلى العقارب والخفافيش والحشرات، مما يعكس التنوع البيولوجي الفريد الذي تتمتع به المحمية، والذي يواجه تهديدات متزايدة بسبب النشاط البشري غير المستدام.

  كان لاندلاع الحرب في اليمن عام 2015م آثار سلبية كبيرة على محمية الحسوة الطبيعية، حيث أدت الحرب إلى تراجع أعداد الزوار بشكل ملحوظ، كما تحولت أجزاء من أراضي المحمية إلى مكب للنفايات وأكوام من مخلفات البناء الأسمنتية. تسبب هذا الوضع في تدهور حالة الأشجار والحدائق والمساحات الخضراء، بالإضافة إلى انقراض بعض الأنواع من الطيور والكائنات الحية.

كما شهدت المحمية استيلاء على أراضٍ مخصصة لمشروع معالجة مياه الصرف الصحي، مما أدى إلى تلوث الماء والتربة نتيجة مخلفات الصرف الصحي والنفايات، الأمر الذي زاد من تفاقم الوضع البيئي للمحمية.

التوصيات:  
لمنع فقدان المحمية بالكامل، دعت الورقة البحثية إلى ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة من قبل الحكومة والدولة والمنظمات الدولية للحفاظ على المحمية وإعادتها إلى وضعها السابق.

أبرز التوصيات:
1. إيقاف الأنشطة السكانية التوسعية، بما في ذلك التوسع العمراني وشق الطرق، التي تؤدي إلى التعدي على الأراضي الجغرافية للمحمية.  
2. سن تشريعات خاصة بحماية محمية الحسوة، تهدف إلى منع الاستغلال الجائر للموارد الطبيعية والحد من استنزافها، مع التركيز على رفع الوعي البيئي بين السكان.  
3. تعزيز دور الرقابة الحكومية والمحلية من خلال تفعيل الإجراءات التي تضمن حماية أراضي المحمية.  
4. تركيب كاميرات مراقبة تعمل على مدار الساعة، تقوم بنقل بياناتها مباشرة إلى الجهات المختصة لضمان الحد من المخالفات.  

يأتي ذلك ضمن جهود الرؤية البيئية الشاملة للحفاظ على محمية الحسوة كأحد المعالم الطبيعية المهمة في اليمن، وحماية تنوعها البيولوجي الفريد من الزوال.