معضلة دمشق في مرحلة ما بعد الصراع..

المرحلة الانتقالية في سوريا تحديات أكبر من النموذج الليبي.. هل يتحقق الاستقرار أم يتكرر السيناريو؟

يبدو مستقبل سوريا مرتبطا ارتباطًا وثيقًا بالديناميكيات الداخلية وبالمشهد الإقليمي، حيث تمارس دول مختلفة نفوذها وتسعى إلى تحقيق مصالح سياسية واقتصادية وأمنية مميزة. ويقدم المسار الليبي بعد ثورة 2011 عيوبا يمكن تلافيها في سوريا.

أكثر من 250 نائبًا بريطانيًا يدعون لإنهاء الإعدامات في إيران ومحاسبة النظام

دمشق

تشهد سوريا مرحلة انتقالية تحمل تحديات أعظم من تلك التي واجهتها ليبيا في عام 2011، وفقًا لما يراه محللون سياسيون. وبينما يحتفل السوريون بسقوط نظام بشار الأسد، تُثار تساؤلات حول مستقبل البلاد وسط انقسامات عميقة وتحديات بنيوية وأمنية معقدة.

مع الكشف المستمر عن فظائع نظام الأسد، أعرب الساسة في المنطقة وخارجها عن آمالهم في بروز "سوريا جديدة"، محذرين في الوقت ذاته من تعقيد الوضع الحالي. وفي هذا السياق، أشار وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي إلى ضرورة تفادي تكرار السيناريو الليبي، مؤكدًا: "نحن لا نريد أن تصبح سوريا مثل ليبيا… مقسمة وعرضة لمجموعات إرهابية مختلفة."

وتبدو الانقسامات الاجتماعية والطائفية في سوريا عام 2024 أكثر عمقًا مقارنة بليبيا عام 2011، كما يوضح تيم إيتون، الباحث في معهد تشاتام هاوس. فالاقتصاد السوري يعاني من تأثير عقوبات ثقيلة وتحوله إلى اقتصاد قائم على تجارة المخدرات، مع تدمير واسع للبنية التحتية، مما يعقد جهود إعادة الإعمار.

وفي حين أن البنية التحتية للنفط والغاز في ليبيا ساهمت في تحقيق بعض الترابط بين الفصائل المتنافسة، فإن سوريا لا تمتلك مثل هذا العامل الموحد. البنية التحتية للنفط تتركز في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد، وهو ما يزيد من حدة الانقسامات.

ويبرز التشابه الأبرز بين سوريا وليبيا في المشهد الأمني. ففي سوريا، تسيطر جماعات مسلحة متعددة، مثل هيئة تحرير الشام وقوات سوريا الديمقراطية، على أجزاء من البلاد، مما يخلق تحديات كبيرة أمام توحيد هذه الفصائل تحت مظلة وزارة الدفاع.

على غرار ليبيا، التي فشلت جهودها في دمج الجماعات المسلحة داخل مؤسسات الدولة، تواجه سوريا خطر استمرار هذه الفصائل في ممارسة نفوذها على حساب مؤسسات الدولة.

ومن الدروس المستفادة من ليبيا أن التدخلات الأجنبية قد تؤدي إلى تقويض الاتفاقات المحلية. فقد دعمت دول مثل مصر وروسيا الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر، بينما أقامت الفصائل الليبية الأخرى شراكات مع تركيا. هذا السيناريو قد يتكرر في سوريا إذا لم يتم التوصل إلى توافق بين اللاعبين الخارجيين.

أحد التحديات الكبرى التي تواجهها سوريا يتمثل في العلاقة بين القيادة السياسية والجماعات المسلحة. الانفصال بين الطرفين، كما حدث في ليبيا، قد يؤدي إلى تفاقم الصراعات الداخلية. إعلان قائد هيئة تحرير الشام، أحمد الشرع، عن حل الفصائل المسلحة ووضعها تحت إشراف وزارة الدفاع قد يكون خطوة إيجابية، لكنه يواجه تحديات كبيرة بسبب افتقار الفصائل للإجماع.

ومن الواضح أن المسار الليبي يقدم دروسًا بالغة الأهمية للقادة السوريين الجدد. بدون توافق داخلي ودولي، قد تجد سوريا نفسها عالقة في دوامة من الصراعات التي تعيق إعادة الإعمار وتأسيس حكم مستقر. تبقى التساؤلات قائمة حول قدرة سوريا على تحقيق الاستقرار وسط هذه التحديات العميقة.