تصريحات أورتاغوس تثير الجدل..
واشنطن ترفض مشاركة حزب الله في الحكومة اللبنانية.. هل تنجح الضغوط الأمريكية؟
يواجه حزب الله ضغوطاً داخلية وخارجية، وسط مخاوف من تكرار أعمال العنف ويبقى مستقبل لبنان السياسي معلقاً على التوافقات الداخلية والتطورات الإقليمية.
![](/photos/022025/67a79897026c2.jpeg)
حزب الله في مواجهة ضغوط داخلية وخارجية
يجد حزب الله نفسه أمام أزمة سياسية حادة عقب إعلان الولايات المتحدة رفضها القاطع لمشاركته في الحكومة اللبنانية الجديدة التي يعكف رئيس الوزراء المكلف نواف سلام على تأليفها. ويبقى السؤال المطروح: هل سيختار الحزب المدعوم من إيران التصعيد الداخلي أم سيرضخ للأمر الواقع؟
ويخشى اللبنانيون تكرار سيناريو 7 مايو 2008، عندما لجأ حزب الله إلى استعراض قوته العسكرية لترهيب خصومه السياسيين، مما أدى إلى سقوط عشرات القتلى. ويثير الوضع الحالي مخاوف من إعادة إنتاج ذلك المشهد في ظل التوتر السياسي الراهن.
وفي أول زيارة لها إلى بيروت بعد توليها منصبها، أعلنت مورغان أورتاغوس، نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، بشكل صريح عن رفض الولايات المتحدة مشاركة حزب الله في الحكومة اللبنانية، مشيرة إلى أنه "هُزم" عسكريًا على يد إسرائيل.
وتأتي هذه الزيارة بعد شهر من انتخاب قائد الجيش اللبناني، جوزيف عون، رئيسًا للجمهورية، في خطوة تمت تحت ضغوط دولية، خصوصًا من الولايات المتحدة والسعودية، في أعقاب الحرب المدمرة بين إسرائيل وحزب الله، التي أضعفت الأخير وأثرت على نفوذه السياسي والعسكري.
في تصريح صحفي عقب لقائها بالرئيس اللبناني، شددت أورتاغوس على أن الولايات المتحدة وضعت "خطوطًا حمراء واضحة" تمنع حزب الله من "ترهيب الشعب اللبناني"، بما في ذلك عبر مشاركته في الحكومة المقبلة.
وأضافت أن "عهد حزب الله في الترهيب بدأ بالانتهاء،" مؤكدة أن إسرائيل "هزمت" الحزب في الحرب الأخيرة، كما شددت على استمرار الضغوط الأميركية على إيران لوقف تمويل وكلائها الإقليميين، بمن فيهم حزب الله.
وأثارت تصريحات أورتاغوس ردود فعل واسعة. حيث أصدرت الرئاسة اللبنانية بيانًا مقتضبًا أكدت فيه أن بعض ما صدر عنها "يعبّر عن وجهة نظرها" فقط، دون تحديد التصريحات المقصودة.
أما حزب الله، فقد ندد بتصريحات المسؤولة الأميركية، واعتبر رئيس كتلته النيابية، محمد رعد، أن موقفها يمثل "تدخلًا سافرًا في السيادة اللبنانية وخروجًا عن الأعراف الدبلوماسية،" مضيفًا أن تصريحاتها "تفتقر إلى المسؤولية وتعكس حقدًا واضحًا على مكون وطني أساسي."
وتزامنًا مع ذلك، تجمع عدد من أنصار الحزب عند مدخل مطار رفيق الحريري في بيروت، حيث رفع بعضهم رايات حزب الله، بينما قام آخرون بإشعال إطارات على الطريق المؤدي إلى المطار.
وعلى مدار الأشهر الماضية، تكبّد حزب الله عدة خسائر في المواجهة مع إسرائيل، أبرزها اغتيال أمينه العام السابق حسن نصرالله، إضافة إلى سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، الحليف الرئيسي للحزب، والذي كان يوفر له الدعم اللوجستي والعسكري.
ومنذ تكليفه بتشكيل الحكومة، يسعى نواف سلام إلى تأليف حكومة تكنوقراط مستقلة لا تضم حزبيين أو مرشحين للانتخابات البرلمانية، لضمان استقلالية عملها. وأكد أن أولويات حكومته تتمثل في "وضع لبنان على طريق الإصلاح وإعادة بناء الدولة"، وتطبيق القرار الدولي 1701، الذي ينصّ على انسحاب حزب الله من المناطق الحدودية مع إسرائيل ونزع سلاح جميع المجموعات المسلحة.
لكن عملية تشكيل الحكومة تصطدم حتى اللحظة بإصرار حزب الله وحليفته حركة أمل على المشاركة في اختيار الوزراء الشيعة، ما يهدد بعرقلة جهود سلام.
إلى جانب التحديات الداخلية، تواجه الحكومة اللبنانية الجديدة مهام جسيمة، أبرزها إعادة إعمار المناطق المتضررة من الحرب، وتطبيق اتفاق وقف إطلاق النار الذي أنهى الحرب الأخيرة بين إسرائيل وحزب الله.
وينص الاتفاق، الذي تشرف عليه لجنة دولية برئاسة الولايات المتحدة وفرنسا، على انسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان بحلول 26 يناير. إلا أن إسرائيل أعلنت أنها ستبقي قواتها لفترة إضافية، متهمة لبنان بعدم تنفيذ الاتفاق "بشكل كامل."
واتهم لبنان إسرائيل بالمماطلة في تنفيذ الاتفاق، وأعلنت الحكومة اللبنانية في 27 يناير أنها وافقت على تمديد العمل به حتى 18 فبراير بعد وساطة أميركية. وفي هذا السياق، أكدت أورتاغوس التزام الولايات المتحدة بهذا الجدول الزمني.
كما شدد الرئيس اللبناني جوزيف عون، خلال لقائه بأورتاغوس، على ضرورة "إنجاز الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي التي احتلتها خلال الحرب الأخيرة،" واعتبر أن "إطلاق سراح الأسرى اللبنانيين جزء لا يتجزأ من الاتفاق."
ودعا عون إلى وقف الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، مشيرًا إلى أن "الجيش اللبناني جاهز للانتشار في المناطق التي ستنسحب منها القوات الإسرائيلية ضمن المهلة المحددة."
رغم الانتقادات المتبادلة، شكرت الرئاسة اللبنانية الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة للبنان في مختلف المجالات، مشيرة إلى أن واشنطن كانت داعمًا رئيسيًا لوصول عون إلى سدة الرئاسة، فضلًا عن كونها المموّل الأكبر للجيش اللبناني.
ومع استمرار التعقيدات السياسية والميدانية، يبقى مستقبل الحكومة اللبنانية الجديدة رهين التفاهمات الداخلية والتوازنات الإقليمية. فهل سيتمكن نواف سلام من تجاوز العقبات وتشكيل حكومة إصلاحية مستقلة، أم أن إصرار حزب الله على فرض شروطه سيؤدي إلى مأزق سياسي جديد؟