جر الولايات المتحدة إلى حرب جديدة..

إصرار إسرائيل على توجيه ضربة عسكرية يضع إيران أمام خيار التفاوض النووي

تلوح إسرائيل بضربة عسكرية وشيكة لمنشآتها النووية، بينما تسعى الولايات المتحدة إلى احتواء التهديد النووي الإيراني عبر الدبلوماسية، مع الاحتفاظ بالخيار العسكري على الطاولة. وتأتي هذه التطورات في وقت تعاني فيه طهران من ضغوط داخلية وخارجية متزايدة، ما بين عقوبات اقتصادية خانقة وتراجع نفوذها الإقليمي.

صورة بالقمر الصناعي لمجمع بارشين البحثي في إيران (أرشيف)

طهران

يرى محللون أن الإصرار الإسرائيلي على توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية يضع طهران أمام خيار الذهاب إلى طاولة المفاوضات بشأن إحياء الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة، التي لا تزال متمسكة بالدبلوماسية لكنها لا تستبعد الخيار العسكري. ومنذ وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، كثفت إسرائيل جهودها لإقناع إدارته بتوجيه ضربة عسكرية إلى إيران، مستغلة الانتكاسات التي تعرضت لها طهران مؤخرًا، بما في ذلك تفكك شبكة حلفائها وضعف قدرتها الصاروخية الدفاعية.

رغم ذلك، لا تزال الولايات المتحدة تفضل الدبلوماسية في التعامل مع التهديد النووي الإيراني، بينما تشير تقارير استخباراتية وغربية إلى أن إسرائيل تستعد لتوجيه ضربة عسكرية لإيران خلال الأشهر المقبلة. ويشير مراقبون إلى أن إسرائيل لا تستطيع تنفيذ مثل هذه الضربة دون مساعدة الولايات المتحدة وموافقتها المسبقة، وهو ما تسعى تل أبيب لتحقيقه.

وأكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال مؤتمر صحافي مع وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو أن إسرائيل ستُنهي المهمة ضد التهديد الإيراني بدعم من الولايات المتحدة. وقال نتنياهو: "على مدى الأشهر الـ16 الماضية، وجهت إسرائيل ضربة قوية لمحور الإرهاب الإيراني بقيادة الرئيس ترامب وبدعمكم الثابت. ليس لدي شك في أننا قادرون وسنُنهي المهمة."

خلال فترة ولاية ترامب الأولى (2017-2021)، واصلت إدارته سياسة "الضغط الأقصى" على إيران، والتي شملت فرض عقوبات اقتصادية قاسية. ويرى محللون أن خيارات إيران للتعامل مع الأزمة محدودة: إما رفض تقديم تنازلات تستجيب للمخاوف الأمريكية والإقليمية، أو المغامرة بدخول حرب لا تقوى عليها.

وأعرب المرشد الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي عن حذر طهران من "العداء والضغائن" المخفية وراء "الابتسامات الدبلوماسية"، لكنه أشار إلى إمكانية إبرام صفقة إذا تم فهم الطرف الآخر. ويُنظر إلى هذا التصريح على نطاق واسع على أنه إشارة إلى استعداد طهران للتفاوض مع إدارة ترامب، رغم معارضة بعض الأطراف داخل إيران التي ترى أن ذلك قد يكون "سذاجة".

ويشير خبراء إلى أن خامنئي يتقن المراوغة، حيث يتحدث بعبارات غامضة تتيح تفسيرات متعددة، مما يحميه من تحمل المسؤولية في حال فشل المفاوضات. ويرى علي أفشاري، المحلل السياسي والأستاذ المساعد في جامعة جورج واشنطن، أن خطة خامنئي الرئيسية هي كسب الوقت وإدارة الوضع للتعامل مع رئاسة ترامب الثانية بأقل قدر من المخاطر، استنادًا إلى الاعتراف بضعف موقف النظام داخليًا ودوليًا.

وتواجه إيران تحديات اقتصادية وسياسية كبيرة، بما في ذلك العقوبات الأمريكية التي أثرت سلبًا على اقتصادها وعملتها. كما تعاني من تراجع شبكة وكلائها الإقليميين سياسيًا وعسكريًا، مما يحد من أوراق المساومة المتاحة لطهران، والتي تقتصر حاليًا على برامجها النووية والصاروخية.

ويؤكد أفشاري أن إيران لا تملك خيارات جيدة: فالتنازل عن برامجها النووية أو الصاروخية قد يزعزع استقرار النظام، بينما عدم تقديم تنازلات قد يؤدي إلى زيادة الضغوط الدولية وتفاقم الأزمة الاقتصادية. ويشير المحللون إلى أن طهران بحاجة إلى إجراء تغييرات سياسية كبرى واتخاذ قرارات صعبة للتعامل مع إدارة ترامب.

ومن بين الخيارات المتاحة لإيران، وفقًا لخبراء، السعي لإجراء لقاء مباشر مع ترامب، أو التطبيع مع الولايات المتحدة عبر المحادثات النووية، أو تقديم ضمانات مقابل تخفيف العقوبات. كما يمكن أن تقدم طهران حزمة من الالتزامات المستقبلية، مثل التعاون مع بعثات التفتيش التابعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية، مقابل فك الحجز عن جزء من أموالها المجمدة في الغرب.

ويبقى السؤال الرئيسي هو ما الذي ترغب طهران في التفاوض بشأنه، خاصة في ظل تدهور أوضاعها الداخلية والخارجية. ويشير حميد رضا عزيزي، زميل في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، إلى أن التوصل إلى اتفاق قد يكون المسار الأكثر براغماتية لإيران، لكنه قد لا يكون كافيًا لإنقاذ النظام في ظل السخط الشعبي المتزايد.

في النهاية، يرى المحللون أن إيران تقف عند مفترق طرق، حيث يتعين عليها اتخاذ قرارات صعبة لتجنب مزيد من التدهور، سواء عبر التفاوض أو المواجهة.