حرب أمريكية بمليار دولار ونتائج محدودة..

من الضربات الجوية إلى المواجهة البرية: مستقبل الصراع مع الحوثيين في اليمن

تصاعدت الأزمة في اليمن مع غارات أمريكية مكثفة ضد الحوثيين، مستهدفة مواقعهم لوقف هجماتهم على الملاحة في البحر الأحمر، التي بدأت تضامناً مع غزة في أكتوبر 2023. ورغم تعهد الرئيس ترامب بـ"القوة الساحقة"، يظهر الحوثيون صموداً ملحوظاً، مما يثير تساؤلات حول فعالية الحملة وإمكانية تحولها إلى مواجهة برية، في ظل تاريخ الجماعة الطويل في تحمل الضربات.

الغارات الأمريكية على الحوثيين في اليمن.. تصعيد مستمر وتحديات متزايدة

واشنطن

على مدار أسابيع، واصلت الولايات المتحدة تنفيذ غارات جوية مكثفة ضد أهداف تابعة للحوثيين في اليمن، مستهدفة مصافي النفط والمطارات ومواقع إطلاق الصواريخ. وأكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التزامه باستخدام "القوة الساحقة" حتى تحقق واشنطن هدفها المتمثل في وقف هجمات الحوثيين على الملاحة في البحر الأحمر، وهي الهجمات التي بدأت في أكتوبر 2023 تضامناً مع الفلسطينيين خلال الحرب الإسرائيلية على غزة. ونفذ الحوثيون أكثر من 100 هجوم، أغرقوا خلالها سفينتين، مما دفع نحو 70% من السفن التجارية التي كانت تعبر البحر الأحمر إلى تغيير مسارها عبر جنوب إفريقيا.

تؤكد الولايات المتحدة نجاح حملتها، حيث أعلن مستشار الأمن القومي مايك والتز مقتل العديد من قادة الحوثيين. لكن الضربات، رغم شدتها، تواجه تحديات متزايدة، إذ يواصل الحوثيون الرد بصواريخ باليستية وطائرات مسيرة تستهدف إسرائيل وسفن البحرية الأمريكية. 

ورغم عدم تسبب هذه الهجمات في أضرار كبيرة حتى الآن، فإن التهديد مستمر، مما يعكس قدرة الجماعة على الصمود التي شبّهها مراقبون بـ"غرير العسل"، الثديي الصغير المعروف بشجاعته وقدرته على مواجهة الخصوم الأقوى.

تشير تقديرات المحللين إلى مقتل ما يصل إلى 80 ضابطاً حوثياً، لكن كبار القادة العسكريين والسياسيين ظلوا خارج نطاق الاستهداف، كما بقيت بعض مواقع إطلاق الصواريخ نشطة. فمنذ منتصف مارس الماضي، أطلق الحوثيون عشرات الصواريخ الباليستية على إسرائيل وهاجموا السفن الأمريكية بوابل من الطائرات المسيرة والصواريخ. 

في المقابل، كشفت شبكة CNN أن تكلفة العملية الأمريكية اقتربت من مليار دولار في أقل من ثلاثة أسابيع، مع تأثير محدود على قدرات الحوثيين، مما دفع مسؤولاً أمريكياً للقول: "نحن نستنزف ذخائرنا ووقودنا ووقتنا".

لم تكتفِ الجماعة بالدفاع، بل هددت بتوسيع نطاق أهدافها لتشمل الإمارات، الداعمة للحكومة اليمنية المنافسة، بينما وضعت السعودية دفاعاتها الجوية في حالة تأهب قصوى تحسباً لهجمات محتملة. وأكد متحدث حوثي أن "عشرات الغارات لن تثنيهم عن واجباتهم الدينية والإنسانية"، فيما يرى المحلل مايكل نايتس من معهد واشنطن أن الحملة أضعفت قدرات تصنيع الطائرات المسيرة لدى الحوثيين وقلصت إمداداتهم عبر البحر وعُمان، لكنه يحذر من أن القضاء التام على تهديدهم قد يتطلب هجوماً برياً.

قدرة تحمل استثنائية

يمتلك الحوثيون تاريخاً طويلاً من الصمود، إذ نجوا من هجمات خلال حكم علي عبدالله صالح، ثم من حملة سعودية قبل عقد، وأخيراً من غارات أمريكية وبريطانية وإسرائيلية. ويعزو المحللون هذا الصمود إلى هيكلهم الداخلي الغامض وشبكة تهريب متطورة تدعمهم بقطع غيار الصواريخ والمعدات، التي تتيح لطائراتهم المسيرة حمل حمولات أكبر والطيران لمسافات أطول، مما يفاقم تهديدهم وفق مؤسسة أبحاث التسلح في النزاعات (CAR).

يرى أحمد ناجي من مجموعة الأزمات الدولية أن الغرب يفتقر إلى فهم عميق للحوثيين، مشيراً إلى أن ثغراتهم الاستخباراتية تعيق استهداف قياداتهم الرئيسية. فيما تساءلت الخبيرة إليزابيث كيندال عن الهدف الحقيقي للحملة الأمريكية، معتبرة أن القصف قد يكون "تمثيلية" لإظهار القوة دون تحقيق نتائج حاسمة، خاصة أن الحوثيين تحملوا عشرات آلاف الغارات على مدار عقد وما زالوا صامدين.

هل الحل في الهجوم البري؟

يؤكد خبراء أن الغارات الجوية وحدها لن تجبر الحوثيين على التراجع، وأن الحسم يتطلب عملية برية لاستعادة السيطرة على صنعاء والحديدة وشمال اليمن. ويقول نايتس إن "أفضل طريقة للقضاء عليهم هي إخراجهم من العاصمة وساحل البحر الأحمر"، مشيراً إلى أن الحوثيين لجأوا للتفاوض فقط عندما واجهوا خطر الهزيمة على الأرض، كما حدث في 2017 عندما هددتهم قوات مدعومة إماراتياً.

تجري استعدادات لعملية برية محتملة تنطلق من الجنوب والشرق والساحل، بدعم بحري سعودي وأمريكي، لكن ناجي يحذر من صعوبة تنفيذها نظراً لتجارب العقد الماضي المتباينة. ويضيف أن منطق الحوثيين المشكل بسنوات الحرب يجعلهم يرون الصمود مصدر قوة، مما يصعب ردعهم بالضربات الجوية وحدها.

الدور الإيراني والتصعيد الإقليمي

ربط ترامب الحملة ضد الحوثيين بإيران، مهدداً طهران بعواقب "وخيمة" إذا استمرت في دعم الجماعة. ورغم أن الحوثيين جزء من "محور المقاومة" الإيراني، فإنهم يتمتعون باستقلالية كبيرة، ولم تظهر إيران حتى الآن رغبة في تصعيد عسكري مباشر، مفضلة تقديم دعم معنوي. ومع وصول طائرات أمريكية متطورة إلى دييغو غارسيا، قد تكون واشنطن تستعد لتوسيع حملتها، سواء ضد اليمن أو كرسالة لإيران.

تواجه الحملة الأمريكية معضلة: فبينما أضعفت قدرات الحوثيين جزئياً، فإن صمودهم وقدرتهم على الرد يضعان إدارة ترامب أمام خيارين: الاستمرار في الغارات بتكلفة باهظة ونتائج محدودة، أو المخاطرة بعملية برية قد تغير المعادلة. ومع استمرار التوترات الإقليمية، تبقى الأسابيع القادمة حاسمة لتحديد مسار الصراع في اليمن.