السيادة والأمن الإقليمي في الواجهة..
أحمد الشرع يكشف عن مفاوضات مع روسيا وتركيا بشأن الوجود العسكري الأجنبي
في محاولة لرسم ملامح مستقبل الوجود العسكري الأجنبي على أراضيها، كشف الرئيس السوري عن مباحثات تجريها حكومته مع كل من روسيا وتركيا. هذه المفاوضات، التي تأتي في خضم تحولات إقليمية ودولية متسارعة، تضع على طاولة البحث حساسية السيادة الوطنية والأمن الإقليمي، وتسلط الضوء على التحديات المعقدة التي تواجه سوريا

الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع
كشف الرئيس السوري أحمد الشرع عن إجراء حكومته مفاوضات مع روسيا وتركيا بشأن مستقبل وجودهما العسكري في سوريا، مؤكدًا ضرورة احترام أي اتفاقيات لسيادة البلاد والأمن الإقليمي. جاءت تصريحات الشرع في مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز"، حيث أشار إلى التحديات الدبلوماسية والاستراتيجية التي تواجه سوريا في مرحلة سياسية انتقالية، وسط تنافس دولي وإقليمي على النفوذ في البلاد. يعكس هذا الإعلان محاولة دمشق إعادة تموضعها في المشهد الدولي، مع الحفاظ على التوازن بين القوى الإقليمية والدولية الفاعلة.
مفاوضات مع روسيا وتركيا: إطار قانوني وسيادة
في المقابلة التي أجرتها "نيويورك تايمز" هذا الشهر، دون تحديد تاريخ دقيق، أكد الشرع أن المفاوضات مع روسيا وتركيا تركز على ضمان توافق الوجود العسكري الأجنبي مع "الإطار القانوني السوري".
: "قلنا لجميع الأطراف إن هذا الوجود يجب ألا يسمح للقوات الأجنبية بتهديد الدول المجاورة عبر الأراضي السورية". يعكس هذا الموقف سعي الحكومة السورية الجديدة لفرض شروطها في ظل تعقيدات الوجود العسكري لقوتين رئيسيتين لهما مصالح متباينة في سوريا.
روسيا، الحليف التاريخي لنظام بشار الأسد السابق، تواصل تشغيل قواعدها العسكرية، خاصة في طرطوس واللاذقية على الساحل السوري، والتي تُعد ركيزة استراتيجية لنفوذها في شرق المتوسط. وأقر الشرع باستمرار اعتماد سوريا على الأسلحة الروسية والاتفاقيات الثنائية في مجالات الغذاء والطاقة، مشيرًا إلى غياب عروض بديلة من دول أخرى لاستبدال هذه الأسلحة. في الوقت نفسه، كشف أن روسيا رفضت طلب تسليم بشار الأسد، الذي لجأ إليها في ديسمبر 2024 بعد انهيار نظامه، مما يبرز تعقيد العلاقة بين دمشق وموسكو.
من جانبها، تركز تركيا على شمال سوريا، حيث تسعى لتقويض الحكم الذاتي الكردي، خاصة في مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية"، وتسهيل عودة ملايين اللاجئين السوريين الموجودين على أراضيها. الوجود العسكري التركي في الشمال، إلى جانب دعمها لفصائل المعارضة، يجعل المفاوضات مع أنقرة حساسة، حيث تسعى دمشق للحد من النفوذ التركي مع تجنب التصعيد العسكري.
التنافس الإقليمي والدولي
تدخل سوريا مرحلة سياسية جديدة بعد سقوط نظام الأسد، مما فتح الباب أمام تنافس دولي وإقليمي على النفوذ في البلاد. روسيا تسعى للحفاظ على قواعدها العسكرية والنفوذ السياسي، مستفيدة من عقود من التحالف مع دمشق. تركيا، بدورها، ترى في سوريا فرصة لتعزيز أمنها القومي من خلال الحد من الوجود الكردي وإعادة اللاجئين. في الوقت ذاته، تواصل إسرائيل شن ضربات جوية تستهدف مواقع عسكرية في سوريا، بهدف منع نقل الأسلحة إلى حزب الله أو تعزيز النفوذ الإيراني، مما يضيف تعقيدًا إلى المشهد.
هذا التنافس يضع الشرع أمام تحديات معقدة، حيث يحتاج إلى تحقيق توازن بين هذه القوى مع الحفاظ على السيادة السورية. كما يواجه ضغوطًا داخلية وخارجية لإثبات شرعية حكومته، خاصة في ظل ما يُثار حول انتماءاته السابقة المزعومة لجماعات متطرفة، وهي اتهامات يسعى لدحضها من خلال دبلوماسية نشطة.
تحديات دبلوماسية: اكتساب ثقة الغرب
يُعد اكتساب ثقة الدول الغربية أحد أكبر التحديات التي تواجه الشرع، حيث تُعتبر المساعدات الدولية وإعادة الإعمار في سوريا مرهونة بقدرته على إثبات التزامه بالاستقرار والحوكمة الشاملة. أشار الشرع في المقابلة إلى أهمية إعادة تموضع سوريا دبلوماسيًا، مؤكدًا أن نجاحه في هذا المجال سيحدد مستوى المشاركة والدعم الدولي الذي ستتلقاه البلاد في المستقبل.
العلاقة مع الغرب تظل معقدة بسبب الحذر من أي صلات محتملة بين الشرع والجماعات المتطرفة، فضلاً عن استمرار الوجود الروسي والتركي، اللذين يُنظر إليهما كعقبة أمام تقارب دمشق مع واشنطن وأوروبا. ومع ذلك، فإن تركيز الشرع على احترام السيادة السورية والأمن الإقليمي قد يكون محاولة لتطمين الغرب بأن حكومته تسعى للعب دور بناء في المنطقة.
الاعتماد على روسيا: سلاح ذو حدين
يعكس اعتماد سوريا على الأسلحة الروسية والاتفاقيات الاقتصادية تحديًا استراتيجيًا. في حين يضمن هذا الاعتماد استمرار الدعم العسكري والاقتصادي من موسكو، فإنه يحد من قدرة دمشق على تنويع شراكاتها الدولية. تصريح الشرع بأن "لا عروض بديلة" للأسلحة الروسية يشير إلى أن سوريا قد تظل محاصرة في دائرة النفوذ الروسي لفترة طويلة، ما لم تنجح في جذب دعم دول أخرى، خاصة الغربية أو الخليجية.
خاتمة: طريق دبلوماسي شائك
يمثل إعلان الرئيس أحمد الشرع عن مفاوضات مع روسيا وتركيا خطوة حاسمة نحو إعادة تعريف مكانة سوريا في المشهد الإقليمي والدولي. وسط تنافس القوى الخارجية وتحديات إعادة بناء الثقة مع الغرب، يواجه الشرع مهمة معقدة تتطلب تحقيق توازن بين احترام السيادة السورية وتلبية مصالح الأطراف الفاعلة. نجاح هذه المفاوضات وإعادة التموضع الدبلوماسي لسوريا ستحدد إلى حد كبير قدرتها على جذب المساعدات وإعادة الإعمار، وستشكل مستقبل دورها في منطقة مضطربة. مع استمرار التطورات، تظل الأنظار متجهة نحو دمشق لمعرفة كيف ستتنقل في هذا المشهد الجيوسياسي المعقد.