البرنامج النووي الإيراني..

تحديات عسكرية ودبلوماسية.. الخيار العسكري ضد إيران ممكن لكنه محفوف بالمخاطر

"ضرب المنشآت النووية الإيرانية (مثل فوردو، نطنز، وأصفهان) يتطلب حملة جوية معقدة ومستمرة تشمل استهداف أنظمة الدفاع الجوي، الرادارات، ومراكز القيادة، والمواقع النووية المحصنة تحت الأرض قد تكون مقاومة حتى للقنابل المدمرة للملاجئ مثل GBU-57"

وزير الخارجية الإيراني عباس أراغتشي، مع المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) رافائيل ماريانو غروسي خلال اجتماعهما في طهران، (Iranian Foreign Ministry via AP)

سكوت سترغاسيتش
باحث مشارك في مركز "ديفينس بريوريتيز" (Defense Priorities)، يمتلك خبرة كبيرة في الكتابة التحليلية والبحث النوعي وجمع البيانات، يكتب في "ذا هيل" (The Hill)، "ناشونال إنترست" (The National Interest)، و"ريل كلير وورلد" (RealClearWorld).

يحذر سكوت سترغاسيتش، الباحث المشارك في مركز "ديفينس بريوريتيز"، من التداعيات الخطيرة للاعتماد على الخيار العسكري لمواجهة البرنامج النووي الإيراني. ويؤكد أن الحرب مع إيران غير مجدية بسبب التحديات اللوجستية والاستراتيجية المعقدة، بما في ذلك صعوبة تدمير المنشآت النووية المحصنة تحت الأرض، ومخاطر التصعيد إلى نزاع بري مكلف بشريًا وماديًا.

في مقالته المنشور بصحيفة "ذا هيل"، والمترجم لمؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات، ينتقد سترغاسيتش التناقضات في موقف إدارة الرئيس ترامب بشأن المفاوضات النووية مع إيران.

ويرفض بشدة افتراضات "الصقور" في واشنطن التي ترى في القصف حلاً فعالاً ومنخفض التكلفة، داعيًا إلى السعي لعقد صفقة دبلوماسية كخيار أمثل. ويشدد على أن الوضع الراهن، رغم عدم استقراره، يظل أقل ضررًا من إشعال حرب كارثية جديدة في الخليج.

تضارب في مواقف إدارة ترامب 

مع استئناف الرئيس ترامب للمحادثات مع إيران حول برنامجها النووي، يسود ارتباك حول طبيعة الصفقة التي تسعى إليها الإدارة. فقد أدلى المبعوث الخاص للرئيس إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، بتصريحات متضاربة حول موقف الولايات المتحدة. ففي مقابلة أجراها يوم 14 أبريل مع شون هانيتي على قناة فوكس نيوز، أشار ويتكوف إلى أن تقييد تخصيب اليورانيوم الإيراني عند مستوى 3.67% قد يكون خيارًا مقبولاً (بينما يتطلب صنع سلاح نووي تخصيبًا بنسبة 90%). لكنه في اليوم التالي، أعلن عبر منصة إكس أن على إيران "إيقاف برنامجها لتخصيب اليورانيوم وتسليحه النووي بالكامل". هذا التضارب قد يحدد ما إذا كانت المحادثات ستنجح أم ستفشل.

تفاؤل الصقور بالقصف: افتراضات مضللة

 يرى "الصقور" في واشنطن أن فشل المحادثات لن يشكل مشكلة، إذ يعتقدون أن القصف يمثل بديلاً سهلاً ومنخفض التكلفة لإحباط طموحات إيران النووية. ففي يناير، رفض السيناتور ليندسي غراهام من كارولاينا الجنوبية الدبلوماسية، واصفًا فرص نجاحها بـ"واحدة من تريليون"، وقال إن العمل العسكري يملك فرصة نجاح بنسبة 90%. كما قلل السيناتور توم كوتون من أركنساس من مخاطر الصراع، واصفًا التحذيرات منه بـ"الهستيريا". حتى السيناتور الديمقراطي جون فيترمان من بنسلفانيا أعرب عن تأييده لحملة قصف ضد إيران.

تتشارك هذه التصريحات في افتراض خاطئ: أن ضرب إيران لوقف برنامجها النووي خيار عملي. لكنه ليس كذلك.

التحديات العسكرية: واقع معقد

 قد يبدو من المنطقي أن الولايات المتحدة، بقوتها العسكرية الهائلة، قادرة على سحق دولة متوسطة مثل إيران بسهولة. فجيش إيران يعتمد على معدات عتيقة، لا سيما سلاحها الجوي الذي يضم طائرات أمريكية قديمة من عصر الحرب الباردة، ويفتقر إلى قطع غيار من مصادرها الأصلية. لكن النصر الذي تسعى إليه إدارة ترامب ليس مجرد هزيمة عسكرية، بل تفكيك البرنامج النووي الإيراني بشكل دائم، وهو هدف استراتيجي قد لا يتحقق بالقصف الجوي وحده.

تعقيدات استهداف المنشآت النووية

 يعتمد البرنامج النووي الإيراني على منشآت موزعة عبر بلد تبلغ مساحته 640,000 ميل مربع. ستتطلب حملة جوية أمريكية أو أمريكية-إسرائيلية طلعات مكثفة ومستمرة لاستهداف المنشآت النووية، وأنظمة الدفاع الجوي، والرادارات، والمطارات، ومراكز القيادة والسيطرة. ورغم أن إسرائيل نجحت في أكتوبر في استهداف بعض أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية من طراز إس-300، فإن مدى الضرر غير مؤكد، ولا يزال من غير الواضح كيف أعادت إيران ترتيب دفاعاتها.

الأصعب من ذلك هو استهداف المنشآت النووية المحصنة تحت الأرض، مثل منشآت التخصيب في فوردو ونطنز، ومفاعل أصفهان، التي تقع ضمن شبكة دفاع جوي متكاملة. هذه المواقع قد تكون مقاومة حتى للقنبلة المدمرة للملاجئ GBU-57، مما يتطلب طلعات جوية متكررة لتعطيل موقع واحد فقط.

مخاطر التصعيد والحلول غير المستدامة 

حتى لو نجحت حملة جوية في تحييد هذه المنشآت، فإن إيران قد تتسارع لإعادة بناء برنامجها النووي وتسليحه كرد فعل. وهذا قد يستلزم حملات قصف دورية لمنع إعادة البناء، وهو حل غير مستدام. أما فكرة التدخل البري الأمريكي لضمان التفكيك الدائم للبرنامج النووي، فهي مكلفة للغاية. ففي بلد يبلغ عدد سكانه ثلاثة أضعاف سكان العراق عام 2003، تشير التقديرات إلى الحاجة إلى 1.6 مليون جندي أمريكي لاحتلال إيران، وهو رقم يفوق بثلاثة أضعاف ذروة القوات الأمريكية في حرب فيتنام.

الدبلوماسية: الخيار الأقل ضررًا

 قد تتحول محاولة شن حرب محدودة ضد إيران إلى مستنقع يتجاوز كارثية حرب العراق. لذا، فإن شكوك ترامب حول الخيار العسكري تُعد مؤشرًا إيجابيًا. يجب على الإدارة الأمريكية إدراك أن الصفقة الدبلوماسية هي البديل الأفضل، وحتى استمرار الوضع الراهن، رغم عدم استقراره، يبقى أقل ضررًا من إشعال حرب جديدة في الخليج. ففي مواجهة إيران، العلاج العسكري سيكون أسوأ بكثير من المشكلة نفسها.