تفاصيل الحملة الأميركية ضد مصادر تمويل الاذرع الايرانية اليمنية..
استهداف رأس عيسى والعقوبات على بنك اليمن الدولي: واشنطن تكثف الحرب الاقتصادية ضد الحوثيين
في ظل تصاعد التوترات الإقليمية، تتخذ الحملة الأميركية ضد جماعة الحوثيين في اليمن منعطفًا حاسمًا، مدعومة باستراتيجية ذات شقين: عمليات عسكرية مكثفة وضغوط اقتصادية متزايدة. هذه الحملة، التي تتسم بحدة أكبر في عهد الرئيس دونالد ترمب مقارنة بإدارة سلفه جو بايدن، تركز بشكل أساسي على إنهاء التهديدات التي يشكلها الحوثيون لحركة الملاحة الدولية في البحر الأحمر.

ناقلة وقود تحترق بعد غارات جوية أميركية في ميناء رأس عيسى النفطي الذي يسيطر عليه الحوثيون (أ.ب - عن إعلام حوثي)
تتصاعد الحملة الأميركية ضد الجماعة الحوثية في اليمن، مدعومة باستراتيجية مزدوجة تجمع بين العمليات العسكرية والضغوط الاقتصادية. في ظل إدارة الرئيس دونالد ترمب، تتخذ هذه الحملة طابعًا أكثر حزماً مقارنة بإدارة سلفه جو بايدن، مع التركيز على إنهاء التهديدات الحوثية للملاحة البحرية في البحر الأحمر.
يتزامن استهداف المنشآت الاقتصادية الحوثية، مثل ميناء رأس عيسى، مع فرض عقوبات مالية على مؤسسات داعمة للجماعة، مثل بنك اليمن الدولي. يهدف هذا التقرير إلى تحليل هذه الاستراتيجية، وتقييم فعاليتها، واستعراض آراء الخبراء حول تأثيرها العسكري والاقتصادي.
الحملة العسكرية: استهداف البنية التحتية الاقتصادية
بدأت الولايات المتحدة حملة عسكرية مكثفة ضد الحوثيين في مارس 2025، تحت اسم "عملية راف رايدر"، وهي الأكبر في الشرق الأوسط خلال الولاية الثانية لترمب. استهدفت الغارات مواقع عسكرية، بما في ذلك رادارات وأنظمة دفاع جوي ومواقع إطلاق صواريخ وطائرات مسيرة. وفي أبريل 2025، تصاعدت الحملة بضرب ميناء رأس عيسى، وهو مركز حيوي لاستيراد الوقود الذي يُعتبر مصدر تمويل رئيسي للجماعة. وفقًا لـ"مركز اليمن والخليج" للأبحاث، يُقدر حجم النفط الإيراني الوارد عبر الميناء بـ35 مليون دولار شهريًا، بينما تحقق الجماعة أرباحًا تتراوح بين 80 و130 مليون دولار شهريًا من تجارة الوقود.
تسببت الغارات في تدمير خزانات نفط ومعدات بالميناء، مما أدى إلى توقف مؤقت لعملياته، وربما طويل الأمد، نظرًا لنقص البنية التحتية البديلة. ومع ذلك، أثارت هذه الضربات جدلاً بسبب الخسائر البشرية، حيث أفادت وزارة الصحة التي يديرها الحوثيون بمقتل 74 شخصًا وإصابة 171 آخرين، بينهم موظفو شركات نفطية. في المقابل، أكدت القيادة المركزية الأميركية (CENTCOM) أن الهدف كان "تقليص الموارد الاقتصادية للحوثيين" دون الإضرار بالشعب اليمني.
الضغوط الاقتصادية: العقوبات المالية
بالتوازي مع العمليات العسكرية، فرضت الولايات المتحدة عقوبات مالية صارمة. في أبريل 2025، استهدفت وزارة الخزانة الأميركية بنك اليمن الدولي لدوره في تمويل الأنشطة الحوثية، متهمة إياه بتسهيل شراء النفط عبر الوصول إلى شبكة SWIFT. كما أعادت واشنطن تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية في مارس 2025، وفرضت عقوبات على أفراد وكيانات مالية مرتبطة بالجماعة.
وفقًا للباحث الاقتصادي عبد الحميد المساجدي، تعتمد فعالية هذه العقوبات على التزام الأطراف الدولية بتطبيقها. يمكن أن تؤدي إلى تعقيد التمويل الحوثي عبر تقييد الشركات والبنوك المتعاملة معهم، وتعطيل التجارة عبر مراقبة السفن المحملة بالوقود. ومع ذلك، يحذر المساجدي من قدرة الحوثيين على التحايل عبر الاقتصاد الموازي، فرض الإتاوات غير الرسمية، والاعتماد على السوق السوداء وشبكات التهريب.
تحليل آراء الخبراء
يوسف شمسان، باحث في اقتصاد الحرب: يرى أن الإجراءات الأميركية هي عقوبات تنفيذية رئاسية، تهدف إلى الضغط والتفاوض أكثر من إنهاء الجماعة. يتوقع أن تدفع العقوبات الحوثيين نحو اقتصاد ميليشياوي ذاتي الاكتفاء، مما يقلل من مواردهم دون تجفيفها بالكامل. ويقدر أن تأثير العقوبات لن يتجاوز 36% من مواردهم، مع تأثير أكبر على السكان من خلال زيادة الفقر وتجنيد المقاتلين.
عبد الحميد المساجدي، باحث اقتصادي: يشير إلى قدرة الحوثيين على التكيف عبر بدائل مثل السوق السوداء واستغلال المساعدات الإنسانية. ويحذر من أن الضغوط الاقتصادية قد تزيد من معاناة المدنيين دون إضعاف الجماعة بشكل حاسم.
هاشم محمد، مركز اليمن والخليج: يؤكد أن تدمير ميناء رأس عيسى قد يشل تمويل الحرب الحوثية مؤقتًا، لكنه يحذر من احتمال فرض إتاوات إضافية على المواطنين، مما قد يثير غضبًا شعبيًا في ظل الأوضاع المعيشية المتردية.
التحديات والتداعيات
وتسببت الضربات على ميناء رأس عيسى في خسائر بشرية ودمار مادي، مما أثار انتقادات من الحوثيين الذين وصفوها بـ"جريمة حرب". كما قد تؤدي العقوبات إلى تفاقم الأزمة الإنسانية، حيث يعتمد اليمنيون على الوقود المستورد عبر الميناء.
ويمتلك الحوثيون شبكات تهريب وتحالفات مالية سرية، مما يتيح لهم التحايل على العقوبات. كما أن اعتمادهم على إيران ودول أخرى في المنطقة يعزز من قدرتهم على الصمود.
وتثير كثافة الغارات تساؤلات حول دقة المعلومات الاستخباراتية الأميركية. بعض المراقبين يرون أنها قد تعكس نقصًا في الدقة، بينما يرى آخرون أنها تُظهر تصميمًا على إضعاف الجماعة.
ويُنظر إلى الحملة كجزء من استراتيجية أوسع للضغط على إيران، خاصة في ظل المفاوضات النووية. ومع ذلك، يرى خبراء أن الحوثيين يتصرفون بشكل مستقل إلى حد كبير، مما قد يحد من تأثير الضغط على طهران.
الخاتمة
تُظهر الحملة الأميركية ضد الحوثيين نهجًا متكاملاً يجمع بين القوة العسكرية والعقوبات الاقتصادية، لكن فعاليتها تواجه تحديات كبيرة. بينما نجحت الغارات في تعطيل البنية التحتية الاقتصادية الحوثية، مثل ميناء رأس عيسى، فإن قدرة الجماعة على التكيف من خلال الاقتصاد الموازي وشبكات التهريب تُضعف من تأثير العقوبات. علاوة على ذلك، تثير الخسائر البشرية والتداعيات الإنسانية مخاوف من تصعيد الأزمة في اليمن. لتحقيق أهدافها، تحتاج الولايات المتحدة إلى تعزيز التعاون الإقليمي، تحسين دقة المعلومات الاستخباراتية، ووضع استراتيجية شاملة تأخذ في الاعتبار التوازن بين الضغط على الحوثيين وتخفيف معاناة الشعب اليمني.