"أحلام أعدّتها الملاعب وأجهضتها المكاتب"..

اكتشف أسرار إعداد المنتخب العراقي لواحدة من أنجح سنواته.. كل ما لم يُروَ عن كواليس 1984

"بعد هذا الاعداد الكبير نجح منتخبنا في الفوز بكاس الخليج وتحقيق نتائج كبيرة مبهرة ومنها الفوز على السعودية 4- صفر, ثم تلاها بالفوز ببطاقة التأهل لاولمبياد لوس انجلس وسط تنافس اسيوي شديد, الاعداد الجيد اثمر على تحقيق بطاقة التأهل"

خطة الـ 8 مباريات التي صنعت أسود الرافدين في 1984 - المصدر

أسعد الدلفي
‏كاتب واعلامي عراقي

في واحدة من أكثر السنوات الكروية ثراءً في تاريخ الكرة العراقية، بدا عام 1984 وكأنه عام الذهب، إلا أن نهاية المشهد لم تكن على قدر حجم البداية. كيف خسر منتخب العراق بطولة كأس الخليج العربي في وقت كان يُسحق فيه كبار المنطقة بنتائج كبيرة؟ سؤال قد يبدو عبثياً للوهلة الأولى، لكنه يحمل في طياته تفاصيل دقيقة عن واقع رياضي كان يحتضر تحت قشرة من الإنجاز المؤقت.

منذ أغسطس/آب 1981، قرر الاتحاد العراقي لكرة القدم الإبقاء على المدرب القدير عموبابا على رأس الجهاز الفني للمنتخب الوطني، وهو قرار فريد في تلك الحقبة التي كانت تشهد تغييرات متكررة في الطواقم التدريبية. وجاء هذا الاستقرار في وقت حساس استعداداً لبطولتين مهمتين: بطولة كأس الخليج العربي في مارس/آذار 1984، تليها مباشرة تصفيات آسيا المؤهلة لأولمبياد لوس أنجلوس في أبريل/نيسان من العام ذاته.

الإعداد كان مكثفًا وذكيًا، تخلله ثماني مباريات دولية ودية ضد فرق ومنتخبات من أوروبا وشمال إفريقيا. واجه المنتخب كلًا من: نادي فاشاش الهنغاري، منتخب ألمانيا الشرقية، نادي شومن البلغاري، وأخيرًا المنتخب المصري. واللافت أن أغلب هذه اللقاءات جرت في بغداد، ما ساهم في خلق انسجام غير مسبوق بين اللاعبين والمدرب، في مشهد لم يألفه الشارع الرياضي العراقي سابقًا.

 

التحضيرات انطلقت بمباراتين ضد فاشاش الهنغاري، وانتهتا بتعادلين (1-1)، ثم تبعها تعادلان آخران بنفس النتيجة أمام منتخب ألمانيا الشرقية، وسجّل في هذه المباريات حسين سعيد وأحمد راضي، مؤكّدين حضورهما اللافت. أما لقاءات شومن البلغاري، فقد كانت بداية النهوض، حيث فاز المنتخب العراقي ذهابًا وإيابًا (2-1 و1-0)، وسط أداء جماعي مقنع وشهد تألقًا لافتًا لأسماء جديدة.

ولعل الزيارة التاريخية إلى القاهرة شكّلت علامة فارقة، حيث خاض المنتخب مواجهتين أمام مصر، انتهت الأولى بالتعادل السلبي، والثانية بفوز عراقي نادر وتاريخي 2-1، سجلهما حسين سعيد وعدنان حمد، في أول انتصار عراقي على الأراضي المصرية منذ العام 1969.

 

دخل منتخب العراق بطولة كأس الخليج 1984 وهو في قمة الجاهزية الفنية والبدنية، وانعكس ذلك مباشرة على النتائج. فوز تاريخي على السعودية برباعية نظيفة، ثم انتصار مهم على الكويت بنتيجة 3-1، بل وتفوق على اليابان وكوريا الجنوبية في ذات الفترة.

لكن الغريب أن العراق لم يفز بلقب البطولة، رغم هذه النتائج الساحقة. وقد تباينت الروايات حول سبب الخسارة، منها ما يتعلق بسوء إدارة المباريات الحاسمة، وأخرى تُشير إلى تدخلات إدارية أفسدت التركيز الفني، إضافة إلى سيناريوهات تعادل غير متوقعة أفقدت المنتخب النقاط الحاسمة، لينتهي المطاف بتتويج منتخب آخر باللقب في وقت كانت الترشيحات كلها تصب في صالح العراق.

 

لم تذهب الجهود المبذولة سدى. فبعد كأس الخليج، استمر الزخم ونجح العراق في انتزاع بطاقة التأهل لأولمبياد لوس أنجلوس، وسط منافسة قارية شرسة، ما اعتبر إنجازًا كبيرًا يثبت نجاح خطة الإعداد السابقة.

لكن تلك النجاحات لم تكن كافية لحماية المدرب عموبابا من الإقالة، التي جاءت بعد الأولمبياد. تولى المهمة أكرم سلمان، ثم جاءت الصدمة: انسحاب العراق من تصفيات كأس آسيا 1984 في قرار لا يزال محل تساؤل حتى اليوم. وبرر الاتحاد القرار بالمشاركة في بطولة ودية في سنغافورة، تُعرف بـ"بطولة مرليون".

 

كانت نتائج العراق تشير بوضوح إلى أنه مرشح قوي للقب الآسيوي، خصوصًا أنه سحق السعودية 4-0، والكويت 3-1، وهما الفريقان اللذان احتلا المركزين الأول والثالث في كأس آسيا 1984. كما تفوق على كوريا الجنوبية واليابان. بعبارة أخرى: العراق امتلك تشكيلة كانت قادرة على الهيمنة القارية، لولا قرار "كارثي" بالانسحاب.

 

عام 1984 سيظل علامة فارقة في ذاكرة الكرة العراقية. عام جمع بين التحضير النموذجي والأداء المذهل، لكنه انتهى بقرارات إدارية عبثت بالمنطق وأطاحت بفرصة التتويج القاري. تلك المفارقة الأليمة بين النجاح الفني والفشل الإداري تعكس بوضوح كيف يمكن أن تُهدر ثمار العمل الجاد حين تغيب الرؤية ويُستبدل الطموح بالحسابات الضيقة.

 

 برنامج الإعداد وتوزيع الحمل التدريبي

اتّبع الاتحاد خطة فريدة ضمت ثماني مباريات ودية ضد خصوم ذو مستويات متنوعة، بهدف اختبار المنظومة التكتيكية وتعزيز تناسق اللاعبين:

الرقمالخصمالموقعالتاريخالنتيجةهداف العراقملاحظات أساسية
1فاشاش الهنغاريبغداد (الشعب)30 يناير 19841–1كريم محمد علاوياكتشاف قوة دفاعية، التنظيم جيد
2فاشاش الهنغاريبغداد (الشعب)1 فبراير 19841–1حسين سعيد (ركلة جزاء)تثبيت ركلات الجزاء، الضغط النفسي واضح
3ألمانيا الشرقيةبغداد (الشعب)4 فبراير 19841–1حسين سعيدالأداء متوازن، ولكن اللمسة الأخيرة غائبة
4ألمانيا الشرقيةبغداد (الشعب)6 فبراير 19841–1أحمد راضياستمرارية الأداء رغم خبرة المنافس
5شومن البلغاريبغداد (الشعب)16 فبراير 19842–1أحمد راضي، صباح عبدالحسنأول فوز يعزز الثقة الجماعية
6شومن البلغاريبغداد (الشعب)18 فبراير 19841–0عماد جاسمضبط اللعب الهجومي وزرع الروح القتالية
7مصرالقاهرة25 فبراير 19840–0أول اختبار خارجي، تحفظ تكتيكي
8مصرالقاهرة27 فبراير 19842–1حسين سعيد، عدنان حمدتحقيق انتصار تاريخي، قلبان وجوه بسيطة

 تحليل فني وتكتيكي

المنهجية الدفاعية:

اعتمد “عموبابا” على 4-4-2 توازني، مع انسيابية في عمق الملعب تغطي أطرافه جيداً.

زيادة الضغط على حامل الكرة عند منطقة الـ 18، ما أدى لصناعة فرصٍ مرتدة.

الفاعلية الهجومية:

«مهاجم رقم 9» (حسين سعيد) برز كـ KPI هداف الفريق، معتمدين على سرعته العاليّة في اختراق الخطوط.

التنوّع الهجومي ظهر بوضوح في الهدفين ضد شومن، عندما استفاد أحمد راضي وصباح عبدالحسن من التسلم المزدوج للكرة.

الانسجام القيمي:

ثبات الكادر التدريبي على مدار ثلاث سنوات رفع مستوى الـ Team Cohesion (تلاحم الفريق)، ما ترجمه أداءٌ مستقر ونفسيات عالية في المباريات المصيرية.

4. لحظات مفصلية وبناء الزخم النفسي

الرباعية التاريخية في خليجي 1984:
تألق العراق في البطولة بخماسية أهداف نظيفة أمام الكويت (3–0) ثم السعودية (4–0)، احتجاجاً للذين يشككون في قوته الهجومية.

التأهل الأولمبي وسط الضغط القاري:
بطاقةٌ نُسجت بخبرة «أوروبيوية» متعاقبة من التجارب الودية، بقيادة نجم الوسط عدنان حمد الذي شكّل جسر الاتصال بين الدفاع والهجوم.

5. قرارات مصيرية وإخفاقات مؤسسية

رغم أن الـ ROI التكتيكي كان واضحاً بتحقيق اللقب الخليجي والتأهل الأولمبي، قرر الاتحاد بعد عودة الفريق من أولمبياد لوس أنجليس:

إقالة عموبابا واستقدام المدرب الوطني أكرم سلمان.

الانسحاب من تصفيات أمم آسيا 1984 بحجة التركيز على بطولات ودية مثل مرليون في سنغافورة.

التأثير السلبي:

هذه القرارات اتسمت بـ “الفجوة الاستراتيجية” (Strategic Gap)، فلم تحسب حساب الـ Opportunity Cost (تكلفة الفرصة البديلة) بعدم مشاركة منتخبٍ شهد ذروة جاهزيته.

6. الخلاصة والدروس المستفادة

الثبات القيادي مهم:
تغيير المدرب بعد نجاحات ملموسة أرسى انطباعاً سلبياً عن الرؤية طويلة المدى.

أهمية مشاركة البطولات القارية:
الانسحاب من آسيا 1984 خفّض من قيمة الانتصارات الإقليمية وأهدر فرصة استثمار المكاسب الفنية.

التحليل المستمر:
بناء فريق قادر على المنافسة يحتاج إلى Feedback Loop دوري من اختبارات ودية وأداء تنافسي يُقاس بدقة.

 تجربة “إعداد 1984” أثبتت أن التخطيط الاستراتيجي المبني على مؤشرات أداء واضحة، والاستثمار في الكادر البشري، يصنع منتخبات قادرة على إحداث زخم حقيقي. لكن، كما يقول المثل التقليدي: “من لا يَعرف ماضيه، لا يُدرك حاضرَه، ولا يبني مستقبلَه.” لا تزال تلك الرحلة مصدر إلهام لكل من يسعى لبناء نجاحٍ رياضي مستدام، يجمع بين روح الماضي وعقلية المستقبل.

 أبرز اللاعبين في عام 1984:

الاسمالمركزأبرز إنجاز
حسين سعيدمهاجمهداف المنتخب، سجل في معظم المباريات الودية والرسمية
أحمد راضيجناح هجوميتألق لافت، سجّل في مباريات حاسمة وأبهر الجماهير
عدنان حمدمهاجم شابسجل هدف الفوز التاريخي على مصر
صباح عبد الحسندفاعسجّل وظهر بأداء دفاعي هجومي مميز
عماد جاسموسط مهاجمأظهر مهارات عالية وسجّل في شومن البلغاري