بيركلورات الصوديوم والحرس الثوري..

تداعيات انفجار بندر عباس: خسائر اقتصادية وبيئية وغضب شعبي متصاعد

في قلب ميناء الشهيد رجائي الحيوي، حيث تدور عجلة التجارة البحرية الإيرانية بأكثر من 80% من حجمها، انفجرت مواد كيميائية خطرة، من بينها بيركلورات الصوديوم ذات الصلة ببرنامج الصواريخ الباليستية، لتكشف عن إهمال قاتل تحت إشراف الحرس الثوري.

كارثة بندر عباس: انفجار يزلزل إيران ويكشف المستور.

محمود حكميان
عضو لجنة الشؤون الخارجية في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، وكاتب رئيسي لدى مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات

انفجار ميناء بندر عباس في 26 أبريل 2025 شكل واحدة من أكبر الكوارث الصناعية في تاريخ إيران الحديث، حيث أدى إلى مقتل عشرات الأشخاص وإصابة المئات، بالإضافة إلى أضرار مادية وبيئية جسيمة. وقع الانفجار في ميناء الشهيد رجائي، وهو أكبر ميناء تجاري في إيران، حيث تم تخزين مواد كيميائية خطرة، من بينها بيركلورات الصوديوم المستخدمة في وقود الصواريخ الباليستية، بشكل غير آمن تحت إشراف الحرس الثوري.

أدى الانفجار إلى توقف شبه كامل لحركة الميناء، مما تسبب في خسائر اقتصادية ضخمة، حيث يمر عبر هذا الميناء أكثر من 80% من حركة التجارة البحرية الإيرانية. كما تسبب تسرب المواد الكيميائية في تلوث مياه الخليج الفارسي، مع نفوق أعداد كبيرة من الأسماك وتدهور البيئة البحرية، ما أثر بشكل مباشر على مصادر رزق الصيادين وصحة السكان.

رغم إعلان السلطات الرسمية عن مقتل 70 شخصاً وإصابة أكثر من 1200، تشير مصادر مستقلة إلى أن الأعداد الحقيقية قد تكون أعلى بكثير، مع وجود عشرات المفقودين تحت الأنقاض. كما كشفت المعارضة الإيرانية، بقيادة مريم رجوي، أن الحرس الثوري وأجهزة الأمن لم تتحرك لإطفاء الحرائق أو إنقاذ الجرحى، بل سعوا لتغطية شحنة وقود الصواريخ وطمس حجم الكارثة، متهمين النظام بالكذب والتلاعب بالأرقام.

السلطات حاولت التخفيف من حجم الكارثة عبر روايات متضاربة، متهمة جهات خارجية بالتخريب، وفرضت رقابة صارمة على الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي. في المقابل، خرجت احتجاجات شعبية في بندر عباس ومدن أخرى، رافعة شعارات تندد بالحرس الثوري وتطالب بالعدالة والشفافية، بينما انتشرت صور وفيديوهات توثق حجم الدمار والدماء، مما زاد من الضغط على النظام.

الانفجار كشف هشاشة البنية التحتية في إيران، حيث تعاني الموانئ والمرافق الحيوية من الإهمال المزمن، ما يهدد الأمن الاقتصادي للبلاد. كما أن التلوث البيئي الناجم عن الحادث يهدد صحة السكان ويؤثر على مصادر رزقهم، في ظل غياب خطط طوارئ فعالة.

في ظل هذه الظروف، يواجه النظام تحديات كبيرة في احتواء الغضب الشعبي، خاصة مع استمرار الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعصف بالبلاد. ويبدو أن انفجار بندر عباس قد يكون نقطة تحول في العلاقة بين الشعب والسلطة، مع تصاعد المطالب بالشفافية والمحاسبة.

تدعو المعارضة الإيرانية المجتمع الدولي إلى اتخاذ موقف حازم، وفتح تحقيق دولي مستقل، لضمان عدم تكرار مثل هذه الكوارث، وحماية حياة المواطنين. كما أن الحادث أثار تساؤلات حول مدى تأثير نفوذ الحرس الثوري في القطاعات الحيوية، ومدى قدرة النظام على إدارة مؤسسات الدولة بشكل فعّال، في ظل تزايد العقوبات الدولية والضغوط الاقتصادية.

في الوقت نفسه، تستمر عمليات إعادة بناء الميناء، لكن التحديات التقنية والمالية كبيرة، وسط مخاوف من استمرار تعطيل حركة التجارة وتأثير ذلك على الاقتصاد الوطني. الشارع الإيراني يراقب عن كثب تطورات التحقيقات، ويطالب بمحاسبة المسؤولين الحقيقيين، معتبرين أن هذه الكارثة ليست مجرد حادث عرضي، بل نتيجة تراكم الإهمال والفساد.

تؤكد هذه الكارثة على الحاجة الملحة لإصلاحات جذرية في إدارة الموانئ والبنية التحتية، وتعزيز الشفافية والمساءلة، لضمان سلامة المواطنين وحماية الاقتصاد الوطني من المزيد من الأزمات. كما أن دعم المجتمع المدني وفتح المجال للتحقيقات المستقلة يمكن أن يسهم في بناء ثقة مفقودة بين الشعب والسلطة.