عادل الجبير في مهمة دبلوماسية مكثفة..

السعودية تقود وساطة عاجلة بين الهند وباكستان لوقف التصعيد النووي

تتصاعد التوترات بين الهند وباكستان على خلفية الاشتباكات الحدودية في كشمير، لتدفع المملكة العربية السعودية إلى إطلاق جولة دبلوماسية بقيادة وزير الدولة للشؤون الخارجية عادل الجبير إلى نيودلهي وإسلام آباد يومي 8 و9 مايو 2025. مستندة إلى علاقاتها الوثيقة مع البلدين ومكانتها كوسيط نزيه، تسعى الرياض لنزع فتيل التصعيد العسكري وتعزيز الحوار، في خطوة تعكس دورها المتنامي كفاعل دبلوماسي مؤثر في تسوية النزاعات الإقليمية والدولية.

الرياض تتدخل لتهدئة التوتر بين الهند وباكستان بعد تصاعد خطير في كشمير

الرياض

في ظل التصعيد العسكري الحاد بين الهند وباكستان، برزت المملكة العربية السعودية كوسيط دبلوماسي رئيسي، حيث قاد وزير الدولة للشؤون الخارجية عادل الجبير جولة دبلوماسية مكثفة شملت نيودلهي وإسلام آباد يومي 8 و9 مايو 2025. تهدف هذه الجهود إلى خفض التوترات المتفاقمة بين القوتين النوويتين، مستندة إلى العلاقات الوثيقة التي تربط الرياض بكلا البلدين ومكانتها كوسيط نزيه. تأتي هذه الخطوة في سياق دور سعودي أوسع في تسوية النزاعات الإقليمية والدولية، مما يعزز مكانة المملكة كفاعل دبلوماسي مؤثر في القضايا الحساسة.

سياق التصعيد: أزمة كشمير تُشعل المواجهة

تصاعدت التوترات بين الهند وباكستان بشكل غير مسبوق عقب هجوم في 22 أبريل 2025 استهدف مدنيين في الجزء الخاضع لسيطرة الهند من كشمير، أسفر عن مقتل 26 شخصاً. حمّلت الهند باكستان مسؤولية الهجوم، متهمة إياها بدعم "جماعات إرهابية"، بينما نفت إسلام آباد هذه الاتهامات. ردت الهند بشن ضربات جوية على مواقع عسكرية باكستانية يوم الأربعاء 7 مايو 2025، في عملية أطلقت عليها "عملية سيندور"، مما دفع باكستان للرد بقصف مدفعي وهجمات بالمسيرات. أسفرت الاشتباكات المستمرة على مدى ثلاثة أيام عن مقتل حوالي 50 مدنياً من الطرفين، إلى جانب خسائر عسكرية كبيرة.

تشمل الإجراءات المتبادلة إغلاق المعابر الحدودية، تعليق معاهدة تقاسم مياه السند، طرد دبلوماسيين، وحظر الأجواء أمام طائرات الطرف الآخر، مما رفع منسوب التوتر إلى مستويات غير مسبوقة منذ عقدين.

الجهود السعودية: وساطة متجذرة في العلاقات المتوازنة

أعلنت وكالة الأنباء السعودية (واس) أن زيارة عادل الجبير إلى الهند وباكستان جاءت "في إطار مساعي المملكة للتهدئة ووقف التصعيد وإنهاء المواجهات العسكرية، والعمل على حل كافة الخلافات من خلال الحوار والقنوات الدبلوماسية". تكتسب هذه الوساطة أهميتها من العلاقات السياسية والاقتصادية الوثيقة التي تربط السعودية بالبلدين، حيث تستضيف المملكة حوالي 2.6 مليون عامل هندي وعدداً مماثلاً من العمال الباكستانيين، مما يشكل أكثر من ربع قوتها العاملة الأجنبية.

عزز وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان هذه الجهود من خلال إجراء اتصالات هاتفية مع نظيريه الهندي والباكستاني، مؤكداً التزام المملكة بـ"تعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي". كما أعربت الرياض عن قلقها إزاء التصعيد في بيان رسمي، داعيةً البلدين إلى "خفض التوتر وتجنب التصعيد وحل الخلافات بالطرق الدبلوماسية".

دور السعودية في الوساطة الدولية

لا تقتصر جهود السعودية على الأزمة الهندية-الباكستانية، بل تمتد لتشمل دوراً بارزاً في تسوية نزاعات دولية أخرى. فقد استضافت الرياض في فبراير 2025 أول اجتماع أمريكي-روسي على مستوى كبار المسؤولين منذ بدء الحرب الأوكرانية عام 2022، كما عقدت محادثات بين مسؤولين أمريكيين وأوكرانيين في جدة لمناقشة وقف الحرب. وفي السودان، لعبت السعودية دوراً محورياً باستضافة مفاوضات بين الجيش وقوات الدعم السريع في جدة، في محاولة لنزع فتيل الصراع. هذه السوابق تؤكد قدرة المملكة على توفير منصة حيادية للحوار، مما يعزز مصداقيتها كوسيط في الأزمة الحالية.

تحديات الوساطة: عقبات سياسية وإقليمية

تعقيد الصراع: قضية كشمير، التي تعد السبب الجذري للتوتر، ظلت عالقة منذ تقسيم شبه القارة الهندية عام 1947، مع فشل محادثات سابقة بوساطة دولية في التوصل إلى حل دائم.

التصعيد العسكري: استمرار الضربات المتبادلة، بما في ذلك هجمات بالمسيرات وقصف مدفعي، يزيد من صعوبة تحقيق تهدئة فورية.

التدخلات الإقليمية الأخرى: إيران، التي أبدت استعدادها للوساطة من خلال زيارة وزير خارجيتها عباس عراقجي إلى إسلام آباد ونيودلهي، قد تضيف تعقيدات إضافية، خاصة في ظل التوترات بين طهران والرياض.

على الرغم من هذه التحديات، فإن العلاقات المتوازنة للسعودية مع الهند وباكستان، إلى جانب نفوذها الاقتصادي والدبلوماسي، تمنحها ميزة فريدة. يشير محللون إلى أن نجاح الوساطة يعتمد على قدرة الرياض على الضغط على الطرفين لوقف الأعمال العسكرية وفتح قنوات حوار مباشرة.

التداعيات الإقليمية والدولية

يحمل التصعيد بين الهند وباكستان، القوتين النوويتين، مخاطر كبيرة على الاستقرار الإقليمي والعالمي. أي انزلاق نحو مواجهة شاملة قد يؤثر على التجارة العالمية، خاصة مع وجود 57 طائرة تجارية، بما في ذلك طائرات سعودية، كانت في الأجواء الباكستانية أثناء الضربات الهندية. كما أن استمرار التوتر قد يعطل إمدادات الطاقة والعمالة إلى دول الخليج، التي تعتمد بشكل كبير على العمالة الهندية والباكستانية.

دول أخرى، مثل الولايات المتحدة والإمارات وقطر، انضمت إلى الجهود الدبلوماسية، داعية إلى ضبط النفس والحوار. لكن السعودية تبرز كاللاعب الأكثر فعالية بفضل علاقاتها الاقتصادية والسياسية المتينة مع البلدين.

السعودية على خط المواجهة الدبلوماسية

تؤكد الجولة الدبلوماسية السعودية بقيادة عادل الجبير التزام المملكة بلعب دور فعال في نزع فتيل الأزمات الإقليمية. مستندة إلى علاقاتها المتوازنة مع الهند وباكستان وخبرتها في الوساطة الدولية، تسعى الرياض لمنع الانزلاق إلى مواجهة كارثية بين القوتين النوويتين. لكن نجاح هذه الجهود يتطلب تجاوز التحديات العسكرية والسياسية، والضغط على الطرفين للعودة إلى طاولة الحوار. في ظل هذا الواقع، تظل السعودية أمام فرصة تاريخية لتعزيز مكانتها كقوة دبلوماسية رائدة، ليس فقط في المنطقة، بل على الساحة العالمية.