مفاوضات سرية بوساطة عمانية..

الحوثيون يلتزمون بوقف الهجمات على أمريكا ويستثنون إسرائيل: مستقبل غامض في البحر الأحمر

أعلن الرئيس الأمريكي عن اتفاق تهدئة أنهى حملة عسكرية أمريكية مكثفة استمرت لـ 52 يومًا ضد جماعة الحوثي في اليمن، تحت اسم "عملية راف رايدر". جاء هذا الإعلان الصادم بعد أسابيع من الغارات الجوية والضربات الصاروخية التي استهدفت معاقل الحوثيين.

قصف ميناء رأس عيسى مثل نقطة تحول للحوثيين الذين فقدوا جزءا هاما من مقومات صمودهم.

واشنطن

في السادس من مايو 2025، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشكل مفاجئ عن اتفاق تهدئة بين الولايات المتحدة وجماعة الحوثي في اليمن، أنهى بموجبه الحملة العسكرية الأمريكية المكثفة التي استمرت 52 يومًا تحت اسم "عملية راف رايدر". جاء هذا الإعلان بعد أسابيع من الضربات التي استهدفت مواقع الحوثيين، وسط تصاعد التوترات الإقليمية المرتبطة بالحرب في غزة وهجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر. المعلومات المسربة كشفت عن دوافع هذا القرار والظروف التي أحاطت به، مشيرة إلى تقاطع عوامل رئيسية دفعت الأطراف للتوصل إلى هذا الاتفاق.

العوامل المؤدية للاتفاق
كشفت معلومات استخباراتية أمريكية عن رغبة الحوثيين في إيجاد مخرج من المواجهة غير المتكافئة مع القوة العسكرية الأمريكية. بعد سبعة أسابيع من القصف المكثف الذي بدأ في 15 مارس 2025، رصدت المخابرات الأمريكية مؤشرات على تراجع قدرة الحوثيين على التحمل، حيث بدأ قادتهم في التواصل مع حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط خلال عطلة نهاية الأسبوع الأولى من مايو. أحد المصادر أكد أن الحوثيين "لم يعودوا قادرين على التحمل أكثر من ذلك". نقطة التحول كانت في 17 أبريل، عندما استهدفت الولايات المتحدة ميناء رأس عيسى، موقعًا تحت سيطرة الحوثيين، ما أسفر عن مقتل 74 شخصًا وفقًا لوزارة الصحة التابعة للجماعة، مما أضر بقدرتهم الاقتصادية والعملياتية.

في الوقت نفسه، لعبت إيران دورًا حاسمًا في تشجيع الحوثيين على التفاوض، بهدف تخفيف الضغوط العسكرية عليهم، بما يتماشى مع مصالح طهران في محادثاتها النووية مع واشنطن. إيران، التي تسعى لإنهاء العقوبات الأمريكية، رأت في التهدئة فرصة لبناء زخم دبلوماسي. أما الولايات المتحدة، فكانت مدفوعة بمصلحة عاجلة في تهدئة المنطقة، خاصة مع اقتراب زيارة ترامب للشرق الأوسط، إلى جانب التكلفة الباهظة للحملة التي تجاوزت مليار دولار، وشملت فقدان طائرتين وسبع طائرات مسيرة من طراز MQ-9.

مسار التفاوض
بدأت المفاوضات غير المباشرة بعد أن عقد وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغسيث سلسلة اجتماعات في البيت الأبيض يوم الإثنين 5 مايو، مستنتجًا وجود فرصة للتوصل إلى اتفاق. المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف، الذي كان يقود محادثات البرنامج النووي الإيراني، تولى قيادة المفاوضات عبر وسطاء عمانيين. تواصل ويتكوف مع كبير مفاوضي الحوثيين محمد عبدالسلام، الذي كان على اتصال مباشر مع زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي. بحلول مساء الإثنين، تم التوصل إلى اتفاق إطاري، وفي اليوم التالي أعلن ترامب التهدئة، مدعيًا أن الحوثيين "استسلموا" وتعهدوا بوقف هجماتهم على السفن الأمريكية.

ردود الأفعال والتداعيات
على الرغم من إعلان ترامب، أكد عبدالسلام أن موقف الحوثيين كان دفاعيًا، مشددًا على أن الجماعة وافقت على التهدئة بعد توقف العدوان الأمريكي. الاتفاق، الذي رحبت به إيران وسلطنة عمان والسعودية وعدد من الدول، تضمن التزام الحوثيين بوقف استهداف السفن الأمريكية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، لكنه لم يشمل إسرائيل. هذا الاستثناء أثار قلق إسرائيل، التي لم تُبلغ مسبقًا بالاتفاق، خاصة بعد تصاعد هجماتها المتبادلة مع الحوثيين، بما في ذلك استهداف مطار صنعاء وميناء الحديدة.

الحملة الأمريكية، التي شملت أكثر من 1100 ضربة، أضعفت قدرات الحوثيين العسكرية، لكنها لم تكسر صمودهم، كما أنها كلفت واشنطن خسائر مادية وبشرية كبيرة. بعض المحللين شككوا في جدوى الإستراتيجية الأمريكية، مشيرين إلى قدرة الحوثيين على الصمود أمام تحالفات عسكرية أقوى على مدى عقد. من جانبها، اعتبرت نائبة المتحدث باسم البيت الأبيض آنا كيلي الاتفاق "صفقة جيدة" لأمن أمريكا، بينما أشار البنتاغون إلى أن الحملة مهدت الطريق لهذا الاتفاق.

الوضع الإقليمي والتحديات المستقبلية
رغم التهدئة، تبقى التوترات الإقليمية قائمة. الحوثيون أكدوا استمرار هجماتهم على إسرائيل طالما استمرت الحرب في غزة، بينما يواجه اليمن أزمة إنسانية متفاقمة، حيث يحتاج 18.2 مليون شخص إلى مساعدات، ويعاني الملايين من انعدام الأمن الغذائي. الاتفاق قد يوفر فرصة لإعادة إحياء عملية السلام في اليمن، لكنه يثير تساؤلات حول استدامته، خاصة مع استمرار التصعيد بين الحوثيين وإسرائيل، واحتمالية أن يربط الحوثيون بين الولايات المتحدة وإسرائيل كعدو مشترك بدعم من إيران.