قضية اختطاف عابرة للحدود تكشف ثغرات في الحماية القانونية للأطفال والأمهات..
رولا القط.. من كاتبة تدافع عن المظلومين إلى أم تبحث عن أبنائها في المنافي
الطفلان إلياس وياسمينا ليسا طرفين في النزاع، بل ضحيتين لانهيار العدالة. محرومان من التعليم المناسب، ومن الدعم النفسي، ومن التواصل المنتظم مع والدتهما، يعيش الأطفال حالة اغتراب قسري يمكن أن تترك آثارًا دائمة في مستقبلهم.

لم أعد أكتب عن المظلومين... أصبحت واحدة منهم - اليوم الثامن

في واحدة من أكثر القضايا الإنسانية تعقيدًا، تتحول الكاتبة والصحفية رولا القط، المعروفة بكتاباتها في قضايا حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، من راصدة للظلم إلى ضحية مباشرة له، بعد أن تعرضت لعملية خداع منظم واختطاف عائلي لأطفالها الأميركيين، نُفذت على مراحل وبغطاء قانوني هش، بين الولايات المتحدة ولبنان.
القصة ليست عائلية بالمعنى السطحي للكلمة. إنها قضية حقوقية بامتياز، تمسّ حقوق طفلين، وتكشف عن هشاشة قوانين الحماية في حال كانت الضحية "أمًّا"، حتى لو كانت إعلامية مرموقة وناشطة في الدفاع عن القيم الإنسانية.
تبدأ تفاصيل القضية حين وافقت الصحفية رولا القط، المقيمة في ولاية ميشيغان الأميركية، على سفر طفلَيها إلياس وياسمينا مؤقتًا إلى لبنان، بدعوى زيارة عائلية قصيرة بإشراف أقارب الزوج. لكن الخطة التي اتضح لاحقًا أنها كانت مُحكمة التنفيذ، كانت تهدف إلى ما هو أبعد من زيارة.
تقول رولا لـ(اليوم الثامن): فور وصول الطفلين إلى بيروت، لحق بهما الأب، ومن هناك بدأ مسلسل الانفصال القسري.. مضيفة "كنت أُرسِل لهما الملابس والهدايا والقصص، وأنتظر عودتهما بعد أسبوعين. لكن الوقت طال، والأسئلة بدأت تنكشف. ثم قيل لي بكل بساطة: لن يعودا".
الطفلان الآن محتجزان في لبنان، رغماً عن إرادة والدتهما، ولا يعيشان في بيئة توفر لهما الحماية النفسية أو القانونية. يتم التعامل مع وضعهما وكأنهما مقيمان دائمًا، بينما أوراقهما الرسمية تؤكد أنهما مواطنان أميركيان، يحق لهما العيش في بلدهما الأصلي تحت رعاية والدتهما.
الاعتداء لم يقتصر على خطف الأطفال، بل تطور إلى تهديدات مباشرة ومتكررة. رولا القط اليوم تعيش حالة دائمة من الخوف والترقب، بعدما تلقت رسائل تهديد صريحة من جهات مقربة من الأب تطالبها بالسفر إلى لبنان، وإلا فسيتم "جلبها بالقوة" أو "التخلّص منها"، "قيل لي بوضوح: إن لم تأتِ، سنجعلك تأتين... بالقوة، أو بالرصاص"، تقول رولا، وتتابع:
"لم أعد أخاف على نفسي فقط، بل على ولديَّ اللذين لا يملكان صوتًا أو قدرة على المقاومة".
في سابقة تُذكر بخروقات دول العالم الثالث، رُوّعَت أمٌ أميركية على أرض أميركية، دون أن تتلقى بعد أي حماية حقيقية من المؤسسات القانونية أو الدبلوماسية، في ظل مماطلة بيروقراطية تتعامل مع القضية كـ"خلاف شخصي"، وليس جريمة منظمة.
في تطور صادم، علمت رولا أن منزلها في ولاية ميشيغان قد بيع، بما فيه من ممتلكات شخصية ووثائق وهواتف وأجهزة ومبالغ مالية، وكل ذلك تم دون علمها أو إذنها. تم الأمر بطريقة وصفتها بـ"المدروسة والمخطط لها مسبقًا"، في محاولة لعزلها عن كل ما كانت تملك. "لقد سُلبت من أطفالي، ومن منزلي، ومن مالي، وحتى من أمان نفسي"، تقول رولا "كأنهم يحاولون إعادة كتابتي كأنثى مكسورة، وليس كصحفية مررت من بلاد الحروب والرقابة".
بحسب متخصصين في القانون الدولي الإنساني، فإن هذه الحالة تنطوي على مجموعة من الانتهاكات، يمكن تصنيفها كالآتي: الاختطاف الدولي للأطفال: مخالفة صريحة لاتفاقية لاهاي 1980 بشأن الجوانب المدنية للاختطاف الدولي للأطفال، والتي تُلزم بإعادة الطفل إلى الدولة التي يقيم فيها عادةً، والتهديد والتحريض: تندرج التهديدات التي تلقتها رولا ضمن الجرائم الجنائية الفيدرالية، وقد تندرج تحت بند "التآمر" و"محاولة القتل" في حال وجود أدلة على التنسيق، والاستيلاء على ممتلكات: بيع منزلها دون تفويض قضائي يُعد انتهاكًا للحقوق الدستورية بموجب "التعديل الرابع" و"الحق في الملكية الخاصة" في الدستور الأميركي.
الطفلان إلياس وياسمينا ليسا طرفين في النزاع، بل ضحيتين لانهيار العدالة. محرومان من التعليم المناسب، ومن الدعم النفسي، ومن التواصل المنتظم مع والدتهما، يعيش الأطفال حالة اغتراب قسري يمكن أن تترك آثارًا دائمة في مستقبلهم.
من جهة أخرى، تعيش رولا حالة استنزاف نفسي وجسدي، بين محاكم الأسرة، ومكاتب المحامين، ومراسلات السفارات التي لا تُفضي إلى تحرك عملي.
رولا القط لا تطالب بأكثر من حقها كأمّ، وحق ولديها في أن يعيشا بكرامة، وتحت رعاية من تحبّهم وتحميهم. لا تطالب بانتقام، بل باستعادة ما سُلب منها ببطء وبخداع، قائلة "قضيتي لم تبدأ من المحكمة، بل من البيت. أنا لا أطالب بالمزيد، فقط أن تعود إليّ حياتي".
لذا، توجه هذه الصرخة إلى وزارة الخارجية الأميركية، والقضاء الأميركي الفيدرالي، ومنظمة العفو الدولية، ومنظمة "هيومن رايتس ووتش"، ونقابة الصحفيين الدولية، ومنظمات حماية الطفل.
رولا القط ليست وحدها. هناك آلاف النساء حول العالم ممن يخسرن أطفالهن في صراعات شخصية أو مؤامرات عائلية، في ظل أنظمة قانونية بطيئة وغير عادلة. لكن صوت رولا يعلو اليوم من قلب هذا الظلم ليقول: "لا صمت بعد الآن".