مقتل الرهوي يفتح جبهة جديدة..
تصاعد المواجهة بين الحوثيين وإسرائيل: ثلاثة صواريخ من اليمن خلال 24 ساعة
دخلت مرحلة جديدة خلال الساعات الأخيرة بإطلاق ثلاثة صواريخ من الأراضي اليمنية باتجاه العمق الإسرائيلي في أقل من أربعٍ وعشرين ساعة. هذا التصعيد غير المسبوق جاء بعد أيام فقط من الضربة الجوية الإسرائيلية التي أودت بحياة رئيس حكومة الحوثيين غير المعترف بها.

الحوثيون يصعّدون وإسرائيل ترد بضربات مركزة

شهدت الساعات الأخيرة تصعيدًا غير مسبوق في المواجهة المباشرة بين إسرائيل وجماعة الحوثيين في اليمن، مع إطلاق ثلاثة صواريخ باتجاه إسرائيل في أقل من 24 ساعة. صباح الخميس، أعلن الجيش الإسرائيلي رصد صاروخ أُطلق من اليمن باتجاه إسرائيل وسقوطه في منطقة مفتوحة دون تفعيل صافرات الإنذار. ويأتي هذا التطور بعد يوم حافل شهد اعتراض صاروخين آخرين من المصدر نفسه، ما يشير إلى تصاعد خطير في وتيرة الهجمات الحوثية عقب أحداث مفصلية مؤخرًا في مسار الصراع.
اعتراضات صاروخية متتالية من اليمن
أكد الجيش الإسرائيلي أنه اعترض يوم الأربعاء صاروخين باليستيين أُطلقا من اليمن نحو إسرائيل في هجومين متتاليين بفارق نحو عشر ساعات. وأوضح بيان الجيش أن صفارات الإنذار دوّت داخل إسرائيل مرتين خلال تلك الهجمات، وهي المرة الأولى التي يتسبب فيها صاروخ قادم من اليمن بتفعيل الإنذارات الجوية داخل الأراضي الإسرائيلية منذ الضربة التي استهدفت صنعاء الأسبوع الماضي. وقد أُطلقت صفارات الإنذار في مناطق مختلفة (بينها منطقة النقب) خلال اعتراض الصاروخ الأول، ما يدل على وصول تهديد الصواريخ اليمنية إلى العمق الإسرائيلي للمرة الأولى منذ التصعيد الأخير. جاء هذا التطور على خلفية توعّد الحوثيين بتكثيف عملياتهم ردًا على اغتيال رئيس حكومتهم وعدد من وزرائه في ضربة إسرائيلية سابقة.
الصاروخ الأول (الأربعاء): في بيان صدر ظهر الأربعاء، أفاد الجيش الإسرائيلي باعتراض صاروخ باليستي أُطلق من اليمن، مُشيرًا إلى أن هذا الاعتراض ترافق مع إطلاق صافرات الإنذار داخل إسرائيل. ويُذكر أن تفعيل الإنذارات جاء للمرة الأولى نتيجة صاروخ من اليمن منذ الهجوم الإسرائيلي على العاصمة صنعاء الخميس الماضي والذي أدى إلى مقتل رئيس حكومة الحوثيين أحمد غالب الرهوي و11 مسؤولًا رفيعي المستوى.
الصاروخ الثاني (مساء الأربعاء): بعد نحو عشر ساعات من الهجوم الأول، أعلن الجيش الإسرائيلي في بيان ثانٍ اعتراض صاروخ باليستي آخر أُطلق من اليمن، وتفعيل صافرات الإنذار مرة ثانية في بعض المناطق. وبذلك، ارتفع عدد الصواريخ الحوثية التي حاولت استهداف إسرائيل خلال يوم واحد إلى صاروخين متتاليين تم اعتراضهما بنجاح. هذا التصعيد المزدوج جاء بعد فترة هدوء نسبي على هذا الصعيد، وهو ما اعتبرته وسائل إعلام إسرائيلية مؤشرًا على تصاعد التهديد اليمني بعيد اغتيال قيادات حوثية بارزة.
تصعيد الحوثيين وتفاصيل الهجمات الصاروخية
في أعقاب تلك الهجمات، تبنّت جماعة الحوثي (المعروفة رسميًا باسم "أنصار الله") المسؤولية عن إطلاق الصواريخ، وأعلنت أنها تأتي ضمن عمليات عسكرية انتقامية ضد إسرائيل. وفي بيانين متتاليين يوم الأربعاء، كشف يحيى سريع المتحدث العسكري باسم الحوثيين عن تفاصيل عمليتين هجوميتين ضد أهداف إسرائيلية، مؤكدًا أن الهجمات ستستمر "بوتيرة متصاعدة" خلال المرحلة المقبلة.
العملية الأولى: إطلاق صاروخين باليستيَّين باتجاه منطقة يافا المحتلة (تل أبيب)، أحدهما من نوع «فلسطين-2» الانشطاري ذو الرؤوس المتعددة والآخر من نوع «ذو الفقار». وقد استهدفا أهدافًا إسرائيلية حساسة في تلك المنطقة الساحلية. وصرّح سريع بأن هذه هي المرة الثانية التي يُستخدم فيها صاروخ «فلسطين-2» المتشظّي في الصراع، مضيفًا أن جماعته عازمة على زيادة وتيرة عملياتها نوعيًا وكمّيًا ردًا على الاعتداءات الأخيرة.
العملية الثانية: في بيان لاحق يوم الأربعاء، أعلن سريع عن هجومين جديدين تمثّلا في إطلاق صاروخ باليستي فرط صوتي من نوع «فلسطين-2» استهدف هدفًا مهمًا وحساسًا غرب مدينة القدس المحتلة، بالتزامن مع إطلاق طائرة مسيّرة باتجاه مدينة حيفا في شمال إسرائيل. وبحسب المتحدث، أصابت المسيّرة هدفًا حيويًا في منطقة حيفا. ولم يحدد الحوثيون طبيعة الأهداف بدقة في كلا العمليتين، كما لم تعلّق المصادر الإسرائيلية رسميًا على نتائج هذه الضربات، واكتفت بالحديث عن عمليات الاعتراض الناجحة.
سريع شدّد في تصريحاته على أن العمليات العسكرية الحوثية مستمرة وتتسم بوتيرة تصاعدية، معتبرًا أن "ما بعد هذه العمليات ليس كما قبلها" في إشارة إلى دخول الصراع مرحلة جديدة أكثر حدة. هذه الرسالة تأتي في ظل استنفار الحوثيين للرد على الضربات الإسرائيلية الأخيرة، وعلى رأسها الغارة التي استهدفت قيادتهم في صنعاء.
اغتيال الرهوي.. نقطة تحوّل مفصلية
شكّل مقتل أحمد غالب الرهوي، رئيس حكومة الحوثيين في صنعاء، منعطفًا خطيرًا في مسار المواجهة اليمنية-الإسرائيلية. فقد قُتل الرهوي مع 11 من وزرائه وكبار مسؤوليه في ضربة جوية إسرائيلية استهدفت اجتماعًا قياديًا بصنعاء يوم الخميس الماضي (28 أغسطس 2025). ويُعد الرهوي أعلى مسؤول سياسي حوثي يلقى حتفه منذ اندلاع المواجهة المباشرة بين الطرفين على خلفية حرب غزة. أثار اغتياله صدمة في صفوف الحوثيين وتصاعدًا في نبرة التحدي لديهم؛ إذ توعّد زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي بالاستمرار في مهاجمة إسرائيل ضمن مسار "ثابت وتصاعدي" انتقامًا لمقتل رئيس الحكومة وأعضاء مجلسه. هذا التصريح العلني من زعيم الحوثيين يؤشر إلى أن اغتيال الرهوي مثّل نقطة تحول دفعت الحوثيين إلى تكثيف عملياتهم ضد إسرائيل بشكل غير مسبوق.
على الجانب الإسرائيلي، يُنظر إلى تصفية قيادات حوثية رفيعة -وعلى رأسهم رئيس الحكومة الانقلابية- على أنها نجاح استخباراتي وعسكري يوجّه رسالة ردع للحوثيين. لكن الرد الحوثي السريع والمكثف عبر إطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة باتجاه الأراضي الإسرائيلية أكد أن الجماعة ما زالت تمتلك قدرات هجومية بعيدة المدى، وأنها مستعدة لتصعيد المواجهة رغم الكلفة العالية. وهكذا، أصبح المشهد مفتوحًا على احتمالات خطيرة للتصعيد الإقليمي، خاصة إذا تواصلت الهجمات العابرة للحدود بين اليمن وإسرائيل واتسع نطاق الاستهداف المتبادل.
خلفية وسياق: الحوثيون وإسرائيل منذ حرب غزة
اندلعت شرارة هذا الصراع ضمن إطار إقليمي أوسع عقب بدء حرب غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. منذ ذلك الحين، دأبت القوات الحوثية المدعومة إيرانيًا على إطلاق صواريخ باليستية وطائرات مسيّرة باتجاه إسرائيل بشكل منتظم تضامنًا مع الفلسطينيين في غزة، حيث تعتبر نفسها طرفًا في ما تسميه "محور المقاومة". معظم هذه الصواريخ والمسيّرات جرى اعتراضها من قبل منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية قبل بلوغ أهدافها، مما حدّ من الخسائر المباشرة.
بالإضافة إلى ذلك، وسّع الحوثيون نطاق المواجهة إلى البحر الأحمر من خلال استهداف سفن تجارية يقولون إنها مرتبطة بإسرائيل أو في طريقها إليها. وقد تعرضت عشرات السفن لهجمات بالصواريخ والطائرات المسيّرة خلال العامين الماضيين، ويزعم الحوثيون أن هذه العمليات البحرية تأتي "ردًا على ما يصفونه بالإبادة الإسرائيلية" المستمرة بحق سكان غزة. أسفرت بعض تلك الهجمات عن أضرار مادية وتعطيل الملاحة مؤقتًا في الممرات البحرية الإستراتيجية، ما استدعى استنفارًا دوليًا لحماية حركة التجارة في المنطقة.
في المقابل، لم تقف إسرائيل وحلفاؤها مكتوفي الأيدي. فمنذ أشهر، تنفّذ إسرائيل ضربات جوية مركزة استهدفت مواقع للحوثيين في صنعاء ومحيطها وغيرها من المناطق الواقعة تحت سيطرة الجماعة. وشملت هذه الضربات معسكرات تدريب ومخازن أسلحة وبنى تحتية عسكرية تابعة للحوثيين، بالإضافة إلى استهداف قياديين بارزين في الجماعة كلما سنحت الفرصة. ووفق تقارير غربية، قدّمت الولايات المتحدة دعمًا استخباراتيًا ولوجستيًا في بعض تلك العمليات الإسرائيلية ضد أهداف حوثية، في إطار جهود أوسع لضبط أمن الملاحة البحرية ومواجهة نفوذ إيران الإقليمي.
تداعيات التصعيد وآفاق المرحلة المقبلة
يشير محللون إلى أن إطلاق ثلاثة صواريخ من اليمن نحو إسرائيل خلال يوم واحد يمثل تصعيدًا نوعيًا يرفع منسوب التوتر الإقليمي إلى مستويات خطرة. فهذا التطور يوسّع جبهة الحرب التي تخوضها إسرائيل -والمرتبطة أصلًا بحرب غزة- لتشمل ساحة جديدة بعيدة جغرافيًا، ويختبر جاهزية منظومات الدفاع الإسرائيلية في مواجهة تهديدات بعيدة المدى وغير تقليدية. كما أنه يُنذر باحتمال جرّ أطراف إقليمية أخرى إلى ساحة المواجهة، سواء بشكل مباشر أو عبر حروب بالوكالة، خاصة إذا ما واصل الحوثيون ضرب أهداف إسرائيلية حساسة وردّت إسرائيل بضربات أعمق في العمق اليمني.
في الوقت الراهن، تبدو احتمالات احتواء التصعيد مرهونة بحسابات معقدة: فإسرائيل تربط أي تهدئة بوقف الهجمات القادمة من اليمن، بينما يشترط الحوثيون إنهاء الحرب على غزة ورفع الحصار عنها لوقف عملياتهم. وبين هذين الموقفين المتباعدين، يستمر القلق الدولي من تمدد رقعة النزاع. وقد دعت عدة دول وجهات دولية جميع الأطراف إلى ضبط النفس والحيلولة دون اندلاع جبهة حرب جديدة قد تهدد أمن الملاحة الدولية وإمدادات الطاقة. وفي ظل تعهّد عبد الملك الحوثي بالمضي في “مسار ثابت وتصاعدي” للمواجهة، واستمرار إسرائيل في توجيه رسائل حزم عسكري عبر استهداف قيادات حوثية، تبقى المنطقة على صفيح ساخن، مفتوحةً على كل السيناريوهات في الفترة المقبلة.