إيران تنقل خبرة تجارة المخدرات من دمشق إلى صنعاء..

وزارة الداخلية اليمنية تكشف خيوط تصنيع وتهريب الكبتاغون بإشراف خبراء سوريين ولبنانيين

إعلان وزارة الداخلية اليمنية مؤخرًا عن إحباط شبكات يقودها خبراء سوريون ولبنانيون، وتعمل بإشراف مباشر من جماعة الحوثي وبدعم إيراني، يضع الملف في سياق إقليمي يتجاوز حدود اليمن الداخلية، ليمس أمن الخليج والقرن الأفريقي وأوروبا على حد سواء.

اليمن يتحول إلى منصة إقليمية لتهريب المخدرات

خلود محمد
محررة أخبار في مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات

أعلنت السلطات الأمنية اليمنية التابعة للحكومة المعترف بها دوليًا عن إحباط شبكة منظمة متورطة في تصنيع وتهريب المخدرات داخل البلاد. وقد كشفت وزارة الداخلية أن الأجهزة الأمنية في محافظة المهرة تمكّنت بعد عملية استخبارية دقيقة من ضبط مختبر متكامل لإنتاج حبوب الكبتاغون وبلورات الشبو (الميثامفيتامين) مجهّز بأحدث المعدات. وضُبط في العملية ستةُ متهمين بينهم عناصر يمنية مرتبطة بجماعة الحوثي وأشخاص من جنسيات عربية (سورية ولبنانية)، مما يؤكد الطبيعة العابرة للحدود لهذه الشبكة. وشكّلت هذه العملية أول محاولة يتم إحباطها لإنشاء مصنع متكامل لإنتاج المخدرات داخل الأراضي اليمنية، وكان معدًا لإنتاج كميات كبيرة تُهدد الأمن الوطني والإقليمي. جاء كشف المصنع بعد أن قامت الأجهزة الأمنية بتعقّب بعض المعدات وسمحت بمرورها بغرض كشف الشبكة المتورطة، ليتم ضبطها داخل مدينة شحن بمحافظة المهرة عقب تجاوزها المنفذ الحدودي. وبالتزامن مع ذلك، نجحت قوات الأمن في عدن (جنوب اليمن) قبل أشهر في إلقاء القبض على ثلاثة خبراء من سوريا ولبنان، كانوا في طريقهم إلى مناطق سيطرة الحوثيين للإشراف على إنشاء مصنع جديد لإنتاج الحبوب المخدرة، بعد أن تعذّر إدخال معدات المصنع إلى صنعاء. هذه التطورات تظهر مدى تنامي نشاط شبكات المخدرات في اليمن وارتباطها بأطراف خارجية.

تورط إيران ونقل خبرات تصنيع “الكبتاغون” من سوريا إلى اليمن

اتهمت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا إيران بالوقوف المباشر وراء تمويل وإدارة هذه العمليات. وأكد وزير الداخلية اليمني اللواء إبراهيم حيدان أن النظام الإيراني يحاول تحويل اليمن إلى منصة إقليمية لتصدير المخدرات إلى دول الجوار. فبحسب تصريحات حيدان، قامت طهران بنقل جزء من أنشطتها المشبوهة إلى اليمن بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا. ويشير ذلك إلى اعتماد الحوثيين على خبرات وتقنيات تم تطويرها في مناطق النفوذ الإيراني بالمنطقة. بالفعل، أثبتت التحقيقات مع الموقوفين – بمن فيهم الخبراء الأجانب الذين ضُبطوا في عدن وعناصر يمنية على صلة بشبكات الحوثيين – أن المصدر الرئيسي واحد هو النظام الإيراني. هذه المعطيات تكشف أن شبكات التهريب والتصنيع النشطة في اليمن ليست محلية بالكامل، بل تعتمد على خبرات أجنبية وخاصةً من سوريا ولبنان، مما يربطها مباشرة بمناطق تسيطر عليها أو تؤثر فيها إيران. وقد أصبحت جماعة الحوثي تتلقى دعمًا إيرانيًا لوجستيًا وتقنيًا وماليًا في هذا المجال، وفق ما تشير إليه التقارير الأمنية اليمنية.

ويمكن تلمّس نموذج التمويل الحربي عبر المخدرات من خلال المقارنة بالتجربة السورية خلال العقد الماضي. ففي ظل انهيار الاقتصاد السوري تحت وطأة العقوبات الغربية، لجأ نظام دمشق – بحسب تقارير غربية وعربية – إلى إنتاج وتهريب المخدرات وعلى رأسها حبوب “الكبتاغون” كمصدر تمويل أساسي لبقائه. وقد تحولت سوريا خلال سنوات الحرب إلى أحد أكبر مراكز تصنيع وتصدير المخدرات في العالم، وأصبحت تجارة الكبتاغون تدرّ مليارات الدولارات سنويًا وتعتبر شريان الحياة المالي للنظام السوري السابق. وتشير الدراسات إلى أن حكومة بشار الأسد وحلفاءها (ومن ضمنهم عناصر في "حزب الله" اللبناني المدعوم إيرانيًا) أداروا شبكات تصدير الكبتاغون إلى المنطقة، بما فيها دول الخليج وأوروبا. هذا النهج الاقتصادي/العسكري الذي جمع بين الحرب وتجارة المخدرات يبدو أنه يُعاد تطبيقه اليوم في مناطق سيطرة الحوثيين في اليمن بغطاء إيراني واضح يوفّر الدعم اللوجستي والتقني وربما المواد الخام أيضًا. وبذلك، باتت جماعة الحوثي تسير على خُطى نظام الأسد في توظيف تجارة المخدرات كوسيلة لتمويل المجهود الحربي في ظل العزلة الدولية والعقوبات.

اليمن كحلقة مركزية جديدة في تجارة المخدرات الإقليمية

تُظهر المؤشرات الراهنة أن الأراضي اليمنية أصبحت حلقة مركزية متصاعدة الأهمية في خارطة تجارة المخدرات الإقليمية. فمع ازدياد الضغوط على شبكات الكبتاغون في سوريا وتضييق الخناق هناك، يسعى المهربون لنقل عملياتهم نحو مناطق بديلة أقل خضوعًا للرقابة. وقد كشفت عملية ضبط حديثة لأكثر من 1.5 مليون حبة كبتاغون مخبأة في شاحنة مبردة قادمة من صنعاء (مناطق الحوثيين) باتجاه السعودية، عن تحول استراتيجي في مسار التهريب من سوريا إلى اليمن. وصرّح مسؤولون يمنيون أن هذه الشحنة الكبرى جزء من شبكة إقليمية مدعومة من إيران تستغل حالة عدم الاستقرار في اليمن لإعادة توجيه تدفقات المخدرات نحو أسواق الخليج.

وأوضح العميد عبد الله لحمدي، مدير مكافحة المخدرات في اليمن، أن هذه الضبطية غير المسبوقة تؤكد حجم عمليات التهريب المرتبطة بالحوثيين، الذين يُتهمون باستخدام عائدات تجارة المخدرات لتمويل عملياتهم العسكرية. كما حذّر مسؤولون يمنيون – منهم وزير الإعلام معمر الإرياني – من أن انتقال جزء من نشاط تهريب الكبتاغون من سوريا إلى اليمن يعمّق التهديدات الأمنية الإقليمية ويعكس "تكتيكات خبيثة" تتبعها الميليشيات. جدير بالذكر أن تقريرًا لفريق خبراء الأمم المتحدة لعام 2024 كان قد أشار إلى تورط الحوثيين في تهريب المخدرات والأسلحة وغيرها لتحقيق عوائد غير مشروعة، مع التخوف من تحول اليمن إلى مركز جديد لإنتاج الكبتاغون يحل محل سوريا كممر رئيسي لتهريب المخدرات إلى السعودية والإمارات.

ولا تقتصر خطورة هذه الشبكات على تهريب الأقراص المخدرة فحسب، بل تشمل أيضًا مواد أخرى كالحشيش والهيروين والميثامفيتامين، وفقًا لإحصاءات رسمية يمنية. وقد أصبحت تجارة وتهريب المخدرات أحد الأعمدة المالية الرئيسية لجماعة الحوثي؛ حيث قدّرت مصادر حقوقية يمنية أن العائدات السنوية لهذه التجارة بلغت عشرات ملايين الدولارات في السنوات الأخيرة. وتؤكد بيانات أجهزة الأمن أن أكثر من 70% من شحنات المخدرات المضبوطة في اليمن خلال السنوات الأخيرة كان مصدرها مناطق سيطرة الحوثيين، مما يعكس مدى تغلغل نشاط التهريب في مناطق نفوذ الجماعة. ومع هذه الأرقام الصادمة، يتعزز القلق من أن اليمن بات ساحة بديلة لازدهار اقتصاد المخدرات بعد أن ضاق الخناق على النظام السوري وشبكاته إلى حد ما.

تهديد عابر للحدود لأمن المنطقة

لا شك أن تنامي دور جماعة الحوثي كلاعب منتج ومصدر للمخدرات يشكّل تهديدًا شاملًا يتجاوز حدود اليمن. فآثار هذه الأنشطة الإجرامية تطال دول الجوار الخليجية (وفي مقدمتها السعودية) كما تمتد إلى بلدان القرن الأفريقي وحتى إلى أوروبا عبر شبكات التهريب الدولية. إن تحويل اليمن إلى دولة عبور ومصدر للمخدرات يرفع مستوى التحدي الأمني والصحي والاجتماعي في المنطقة برمتها. فإغراق الأسواق بالمخدرات يعني تفاقم مشاكل الإدمان وتآكل النسيج الاجتماعي للشعوب المستهدفة، إلى جانب تمويل المزيد من العنف والصراعات المسلحة. ويحذر محللون أمنيون من أن اليمن، الذي يعاني أصلاً من ويلات الحرب، يصدّر الآن الخطر بدلاً من أن يكون مجرد ساحة له – بحيث بات مصدرًا لتهديد أمني وصحي واجتماعي واسع النطاق. ويشير هؤلاء إلى أن تحول الحوثيين إلى “مافيا مخدرات” كاملة الأركان يضع عبئًا إقليميًا غير مسبوق، إذ تدير الجماعة الإنتاج والنقل والتوزيع عبر شبكات منظمة تمتد عبر الحدود. هذا الواقع يستدعي تنسيقًا أمنيًا إقليميًا عاجلًا، لأن استمرار هذه الأنشطة سيؤدي إلى زعزعة إضافية لاستقرار المنطقة وتمويل المزيد من الحروب بالوكالة.

وفي ظل هذا التصعيد الخطير، ترتفع أصوات رسمية وشعبية في اليمن ودول الخليج مطالبةً بتحرك مشترك على المستوى الإقليمي والدولي. ويرى مراقبون أن مكافحة شبكات المخدرات المرتبطة بالحوثيين وإيران ينبغي أن تكون جزءًا من الجهود الدولية لمحاربة الجريمة المنظمة العابرة للحدود. فهذه ليست مجرد قضايا جنائية محلية، بل حلقات في سلسلة تمويل للإرهاب وزعزعة للاستقرار الإقليمي. وقد دعت جهات يمنية وخليجية إلى إدراج جماعة الحوثي ضمن قوائم المنظمات المتورطة في إنتاج وتهريب المخدرات دوليًا، تمهيدًا لاتخاذ إجراءات قانونية صارمة بحقها. مثل هذه الخطوة من شأنها أن تفتح الباب أمام تجميد الأصول وتتبع الحسابات المالية التابعة للحوثيين في الخارج، بالإضافة إلى ملاحقة المسؤولين عن هذه العمليات قضائيًا على المستوى الدولي. ويرى مطالبون بهذا الإجراء أن وصم الحوثيين كـ“منظمة مخدرات” سيعزلها أكثر ويضيّق الخناق على مصادر تمويلها غير المشروعة.

ما كشفته وزارة الداخلية اليمنية في بيانها الأخير يتجاوز كونه عملية أمنية ناجحة إلى كونه جرس إنذار للمنطقة بأكملها. فهي رسالة واضحة بأن جماعة الحوثي ماضية في تمويل نفسها بكل الوسائل الممكنة، بما في ذلك الاتجار بالمخدرات إذا اقتضى الأمر. هذا المسار سبق أن انتهجته أنظمة وميليشيات أخرى مدعومة من إيران في المنطقة، وكانت عواقبه وخيمة على مجتمعاتها وجيرانها. وبينما تواصل شبكات التهريب نسج خيوطها عبر الحدود، يبقى أمن المنطقة برمته مهدّدًا ما لم تتحرك الدول المعنية بحزم لقطع هذا الشريان المالي الخطير الذي يغذي الحروب ويدمر المجتمعات في آن واحد.