بعد فيلم البحث عن أم كلثوم..

هوس العالم بـ كوكب الشرق

أم كلثوم

وكالات
رغم رحيلها عن الحياة منذ أكثر من 42 عاما لا تزال سيدة الغناء العربى أم كلثوم تلهم المبدعين فى كل مكان حول العالم ويتوهج حضورها فى فعاليات ثقافية كبرى فى الغرب ومهرجانات سينمائية دولية كما حدث فى مهرجان لندن السينمائى الذى ينظمه معهد السينما البريطانى واتجهت فيه الأنظار لفيلم حول "رحلة كوكب الشرق".
فأم كلثوم التى رحلت يوم الثالث من فبراير عام 1975 بدأ حضورها المستمر متوهجا فى قلب مهرجان لندن السينمائى الذى شارف نهايته، حيث الفيلم الذى دار حول رحلة البحث عن هذه الأيقونة الثقافية والفنية الخالدة وأثار اهتماما لافتا لوسائل إعلام دولية وغربية شهيرة مثل هيئة الإذاعة البريطانية "بى بى سى".
وفيلم "البحث عن أم كلثوم" أبدعته المخرجة الإيرانية شيرين نشاط، التى تجاوز عمرها الـ 60 عاما وتقيم بالولايات المتحدة، وحصلت على جائزة "الأسد الفضى" من مهرجان فينسيا السينمائى عام 2009، فيما ذكرت هيئة الإذاعة البريطانية أنها "بدت مدركة للانتقادات والاعتراضات التى يمكن أن تجلبها لها مغامرتها فى مقاربة شخصية تعد أيقونة فنية كبرى فى العالم العربى".
ومع أن المخرجة شيرين نشاط تجهل لغة العالم العربى وتفتقد إلى تصور دقيق لتاريخه وملامح واقعه وتقاليده وأزيائه فإنها تجد فيه تشابها كبيرا مع بلادها إيران التى تغربت عنها لتعيش فى المنفى كما لاحظت هيئة الإذاعة البريطانية وحرصت على أن تضمن هذه الانتقادات فى قلب فيلمها الجديد "البحث عن أم كلثوم" وهو الفيلم التى قامت فيه الممثلة المصرية ياسمين رئيس بتجسيد شخصية كوكب الشرق أم كلثوم.
وكانت أول بطولة سينمائية لياسمين رئيس فى فيلم "فتاة المصنع" الذى عرض عام 2014 وأخرجه الراحل محمد خان فيما عمدت المخرجة شيرين نشاط - وهى أيضا مصورة وفنانة تشكيلية- لاستخدام مناهج ورؤى ثقافية مثل "المنهج التفكيكى وما بعد الحداثوية" فى فيلمها "البحث عن أم كلثوم" ليقترن هذا الفيلم الجديد بتعبيرات ومصطلحات ثقافية غربية فى المقام الأول مثل "ما بعد الحداثة وتمظهرات الهوية والنوع الاجتماعى".
ولفت هذا الفيلم الأنظار كتجربة إبداعية جديدة فى مهرجان لندن السينمائى الذى استمر 11 يوما وعرض فيه ما بلغ مجموعه 242 فيلما روائيا من 67 دولة بينما تميزت دورة العام الحالى وهى الدورة الـ 61 بحضور نسائى قوى سواء على مستوى مواضيع الأفلام أو عدد المخرجات اللاتى أخرجن 60 فيلما وكان من بينهن المخرجة شيرين نشاط صاحبة فيلم "البحث عن أم كلثوم".
وأوضحت "بى بى سى" أن مخرجة فيلم "البحث عن أم كلثوم" استخدمت "لغة سردية شارحة" كما تجنبت الأسلوب التقليدى للسيرة ولجأت لتكنيك "فيلم داخل فيلم" لتتفادى "المباشرة" وتطرح رؤيتها التى تضمنت أحلامها الشخصية وحتى واقعها المأزوم كامرأة من إيران حول "سيرة الانتصار" لامرأة مصرية جاءت من قلب الريف وتحولت إلى أيقونة فنية كبرى وحظيت بشهرة مدوية فى كل مكان.
وفيما وصفت الدورة 61 لمهرجان لندن السينمائى بأنها جاءت فى مناخ من التحولات السياسية فى العالم، كما أنها أول دورة بعد التصويت لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى أو ما عرف "بالبريكسيت" فإن هذه الدورة التى عرض فيها فيلم "البحث عن أم كلثوم" عبرت عن طموح بريطانى فى تأكيد مكانة العاصمة لندن كواحدة من أهم الحواضر الثقافية فى العالم ومدينة تفخر بتعدديتها الثقافية وتنوعها وقدرتها على جذب التجارب الإبداعية الجديدة مثل هذا الفيلم عن أم كلثوم التى تعد أيقونة لثقافة عصر.
وإذ يحلو لأبناء لندن وصف مهرجانهم السينمائى السنوى بأنه "مهرجان المهرجانات" باعتبار أنه يحمل لهم أبرز الأفلام الفائزة فى مهرجانات سينمائية دولية شهيرة مثل "كان" و"فينسيا" فإن أبناء القاهرة وكل مدائن وبلدات وقرى مصر والعرب يشدهم حنين يسكن بين الضلوع لكوكب الشرق.
ولئن كانت مصر والأمة العربية مشدودة بالحنين لأم كلثوم التى ولدت يوم 31 ديسمبر عام 1898 فإن فنها لا يزال حاضرا يتربع فى قلوب الملايين وأغانيها وتتحول إلى"أيقونة للحنين" بينما بدت المخرجة الإيرانية شيرين نشاط تبحث عن ذاتها وحل إشكالياتها كامرأة قادمة من الشرق فى فيلمها الجديد عن رحلة كوكب الشرق.
والفيلم الذى وضع التونسى أمين بو حافة موسيقاه التصويرية تميز بغنى بصرى يعكس خبرات واهتمامات المخرجة الإيرانية الأصل شيرين نشاط يخاطب أساسا الجمهور فى الغرب فيما سعت المخرجة للرد على نقاد أخذوا عليها "نزعة استشراقية" ولاحظوا أنها لم تلتزم "بالدقة التاريخية" والتجسيد الدقيق للأماكن والأزياء فى هذا الفيلم بالقول بأنها "تبحث عن أم كلثوم الخاصة بها".
وقد يعيد هذا "التأويل الثقافى والفنى" من جانب مخرجة إيرانية الأصل للأذهان ما فعله الكاتب اللبنانى حازم صاغية فى كتابه :"أم كلثوم سيرة ونصا...الهوى دون أهله" وهو كتاب حمل بدوره رؤى هذا الكاتب الصحفى والمثقف اللبنانى وتأويلاته لسيرة ومسيرة وشخصية كوكب الشرق.
فالكاتب اللبنانى حازم صاغية، يرى فى كتابه أن أم كلثوم القادمة من ريف مصر كانت على علاقة تضاد مع المدينة تصل لحد الكراهية وإدانة القاهرة باختلاطها يوم كانت العاصمة المصرية فى مطالع القرن الماضى تفتح ذراعيها لفنانين وفنانات أجانب يتركون بصماتهم على الذوق المحلى المصرى.
وهكذا نمت أم كلثوم- حسب قول حازم صاغية فى كتابه- بالضد من المدينة وفى سياق من الصراع معها وفى بدايات غربتها الطويلة بالقاهرة تعرضت لما يتعرض له الريفيون البسطاء المهاجرون إلى المدن على أيدى التجار والسماسرة والوسطاء فكان وكلاء الحفلات الغنائية يسخرون منها ومن أبيها ويبخسونهما حقهما.
وحين اشترت قطعة أرضها الأولى لم تستطع أن تتملكها لأن العقد كان مغشوشا فدفعت المال ولم تحصل على ملكية فى مقابله لكنها امتلكت قلوب المصريين والعرب ككل بعد ذلك وباتت رمزا من رموز العلاقة الوثيقة بين الفن والسلطة .
ونوه حازم صاغية بأنها "كمصرية حتى النخاع" أسهمت أم كلثوم فى المجهود الحربى بعد حرب 1967 "فترأس تجمعا لهذا الغرض وتقدم بين ماتقدمه أسورة كبيرة مرصعة بالماس وعقدا هو عبارة عن سلسلة ذهبية مجدولة طولها متران وساعة ذهبية وعقدا آخر مرصعا بالماس".
لكنها-كما يقول حازم صاغية- قبل جمع المساعدات وتقديمها هبت واقفة وراء المجهود الحربى وقررت أن تجوب البلاد كإيزيس فى محاولة للبعث وإعادة الروح ويدفعها البعث إلى فرنسا فلا تنسى أن ترسل إلى الرئيس شارل ديجول برقية تؤكد إحساسها برسالتها وشكرها له على تأييده "العدالة والسلام".
أما الفيلم الجديد عن كوكب الشرق للمخرجة شيرين نشاط المهمومة بمشاكل المرأة فى إيران والتى اضطرت للحياة فى المنفى فيظهر إلهامات أم كلثوم لهذه الفنانة الإيرانية الباحثة عن حلول لواقعها الذى لا يرضيها وبحثها عن واقع أفضل لها وللنساء فى بلدها.