بعد داعش..

تساؤلات حول الخطوة التالية لواشنطن في الشرق الأوسط

المهمة انتهت، ماذا بعد؟

وكالات

بالتوازي مع اقتراب الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية إلى نهايتها يظهر ضعف الإستراتيجية الأميركية في منطقة الشرق الأوسط، حتى أن واشنطن لم تعد قادرة على التأثير في أهم الصراعات، وتجد نفسها مضطرة للتعاون مع روسيا وتركيا، وحتى إيران.

وأضحى هذا الضعف محل انتقادات أميركية واسعة، حيث أشار مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية إلى ثغرات سياسات الإدارة الأميركية في الشرق الأوسط. وحث المعهد الإدارة الأميركية على “إعادة ترتيب أولوياتها في الشرق الأوسط” والخروج من دائرة التخبط وعدم الحسم.

وذهب معهد المشروع الأميركي إلى أبعد من ذلك بتحذيره الإدارة الأميركية من “حالة الشلل” التي تعيق بلورة سياسة أمن قومي. وقدم معهد الدراسات الحربية مثالا على السياسة الأميركية المتراجعة في المنطقة بحديثه عن سوريا مشيرا إلى أن دوائر صنع القرار “تخاطر بالمصالح الإستراتيجية الحيوية للولايات المتحدة، ولا يمكن تجاوز الخطر إلا في حال أقدمت على تعديل سياساتها في سوريا والعراق. ومواجهة القيود التي تفرضها روسيا على حرية العمل الأميركية والخيارات المأمولة”.

وأضاف المركز أن “إدارة ترامب اتخذت خطوات أولية لتعزيز الهيبة الأميركية في المنطقة بطمأنتها حلفائنا التقليديين وإبراز قدرتها على التعامل بصرامة مع الأعداء والخصوم”، لكن “وتيرة تحرك الإدارة تسير ببطء أكثر من نظيرتها لدى خصوم واشنطن”. وهؤلاء الخصوم هم “روسيا وإيران وتركيا والتنظيمات الإرهابية وأيضا بعض العناصر الكردية، التي قال المعهد إنها تستغل الأوضاع الراهنة لتحقيق مكاسب إستراتيجية”.

طرحت هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في الرقة معقله السابق في سوريا تساؤلات شائكة أمام القوات الأميركية التي تدرب وتسلح المقاتلين المنتصرين تتعلق بالخطوة التالية التي يجب اتخاذها. ومنذ أن بدأت الولايات المتحدة أواخر عام 2014 بشن غاراتها ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا، وأيضا دعم قوات ذات غالبية كردية على الأرض هناك، تجنبت إدارتان متتاليتان في واشنطن التطرق إلى أي إستراتيجية طويلة الأمد مع تكرار أن التدخل يتركز فقط على محاربة الجهاديين.

ويقول مراقبون إن الولايات المتحدة تخسر فاعليتها في هذه الأزمة المعقدة إضافة إلى فشلها في التعامل معها بطريقة مناسبة، واختارت بدلا من ذلك الخطاب المبسط والنظر إلى العنف في سوريا فقط من زاوية عملية مكافحة الإرهاب. وفي الوقت الذي أصبح فيه تنظيم الدولة الإسلامية على شفير الانهيار، تسعى واشنطن إلى منع ظهور حلف محتمل. لكن ذلك يتطلب إستراتيجية قوية وشاملة وقبل ذلك قدرة أميركية على تنفيذها.

ويشير الدبلوماسيان المخضرمان جيمس جيفري ودينيس روس إلى أنه عادة ما يكون دعم الولايات المتحدة للنظام الإقليمي بديهياً، خاصة بالنظر إلى مصلحة أميركا في الشرق الأوسط. ولا تزال المنطقة تسهم إسهاما كبيرا في الطاقة العالمية، وعندما لا تُدار، تبقى منطقة مولّدة للإرهاب ومصدراً خطيرا لانتشار أسلحة الدمار الشامل.

ومع ذلك، فإن الجمع بين صراعين بقيادة الولايات المتحدة اللَذيْن سارت فيهما الأمور بشكل سيء، إلى جانب الاستياء الشديد من العنف المستمر في المنطقة، قد قوّضا الرغبة الأميركية للعب دور الموازن الإقليمي. وفي حين تعتبر إدارة ترامب أن إيران تشكل تهديدا إقليميا، واتخذت خطوات تكتيكية ضدها، إلّا أنّ سياساتها لا تزال قيد المراجعة، ولم تضع بعد إستراتيجية شاملة. وللأسف، لدى إيران إستراتيجية كهذه وتتصرف بموجبها.

ويواجه الرئيس دونالد ترامب الذي تحدث قليلا عن سوريا ولم يذكر أبدا أي استراتيجية طويلة الأمد وضعا مختلفا عن سلفه باراك أوباما الذي أعطى الأمر لبدء العمليات العسكرية في سوريا. وبدأ الوقت ينفد بالنسبة للولايات المتحدة التي فشلت في لملمة الفوضى التي تركها ترامب، بل بالعكس يرى تقرير نشره المعهد الملكي البريطاني للشؤون الخارجية تاشام هاوس أن المنطقة ازدادت فوضى منذ وصول ترامب.

ومع ظهور الانقسامات داخل الإدارة الأميركية، واصلت بموجب السياسة الخارجية الأميركية التعامل مع قطر، على أساس أنها مقر قاعدة الولايات المتحدة الجوية الرئيسية في الشرق الأوسط. وحتى في الوقت الذي أشاد فيه الرئيس الأميركي بالموقف السعودي الإماراتي تجاه قطر، أنجزت الولايات المتحدة صفقة أسلحة كبيرة ووقعت اتفاقا بشأن التعاون في مكافحة الإرهاب.

تيلرسون يعود مجددا إلى الرياض والدوحة

واشنطن - أعلنت وزارة الخارجية الأميركية الخميس أن وزير الخارجية ريكس تيلرسون سيتوجه خلال عطلة نهاية الأسبوع إلى العربية السعودية وقطر في إطار مساعيه لتسوية الأزمة القائمة بين البلدين منذ يونيو الماضي.

وأضاف المصدر أن تيلرسون سيتوجه بعد الرياض والدوحة إلى إسلام آباد ونيودلهي قبل أن يتوقف في جنيف في طريق عودته إلى بلاده من هذه الجولة التي تستمر حتى الجمعة في السابع والعشرين من أكتوبر.

وكان تيلرسون زار الرياض والدوحة في يوليو الماضي محاولا حل أزمة الخليج بين قطر وجيرانها العرب.

ومن المقرر أن يشارك تيلرسون خلال وجوده في الرياض في أول اجتماع للجنة التنسيق السعودية العراقية، ما يدل على تقارب بين الرياض وبغداد، وهو الأمر الذي تعمل عليه السعودية للتخفيف من التأثير الإيراني.

وجاء في بيان وزارة الخارجية الأميركية أن تيلرسون سيتطرق في إسلام آباد مع قادة هذا البلد إلى “الدور الأساسي لباكستان لإنجاح إستراتيجيتنا”.

وكانت إدارة دونالد ترامب مارست ضغوطا على السلطات الباكستانية المتهمة بغض النظر عن نشاط طالبان وحتى دعمها.

وفي نيودلهي من المتوقع أن يبحث تيلرسون في سبل تعزيز “الشراكة الإستراتيجية” بين الهند والولايات المتحدة، حسب البيان نفسه.

كما كشفت دراسة استقصائية أُجريت عن الشباب العربي في شهر مايو الماضي أن ثلثي عددهم كانت لديهم مخاوف واعتراضات بشأن إدارة ترامب، بينما كشفت النتائج عن أن 19 بالمئة من المشاركين في الاستطلاع قالوا إنهم متحمسون ومتفائلون بإدارته. ولكن نتائج استطلاع مركز “بيو” للأبحاث، الذي أجراه فقط في الأردن ولبنان وتونس، وجدت أنه في حين أن ترامب كان يتمتع بقدر أقل من أوباما من ثقة الشعوب هناك، إلا أن الرئيسين لم يحظيا بثقة الغالبية العظمى في هذه الدول.

ولكن في النهاية يتقاسم مؤيدو ومعارضو ترامب في الشرق الأوسط مشاعر موحدة وهي عدم الثقة والتشاؤم، والغضب تجاه المؤسسة السياسية الأميركية، وهو أمر يشاركهم فيه أيضا أميركيون غاضبون من تراجع الدور الاميركي، حيث قال السيناتور جون ماكين “ما نحتاجه هو استراتيجية شاملة تأخذ كل العوامل الإقليمية بعين الاعتبار”. وأضاف “نريد صياغة واضحة لمصالحنا والطرق والوسائل التي ننوي استخدامها لحماية هذه المصالح. هناك شعور قوي بغياب استراتيجية”.

تنظيف الفوضى

من الناحية العسكرية، فإن القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا لم ينته بعد، حيث لا يزال الجهاديون ينتشرون في بلدات وقرى وادي نهر الفرات. وقد خسروا تقريبا معظم المناطق التي كانوا يسيطرون عليها في العراق وسوريا، لكنهم أيضا مازالوا يعملون على إيجاد موطئ قدم لهم في بلدان أخرى مثل اليمن وأفغانستان.

والبلدات التي أخلاها مقاتلو تنظيم الدولية الإسلامية مليئة بالفخاخ المتفجرة والألغام. وقالت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية هيذر نويرت “سندعم جهود الاستقرار في الرقة والمناطق المحررة الأخرى، ويشمل ذلك تنظيف المناطق التي خرج منها تنظيم الدولة الإسلامية من الألغام واستعادة الخدمات الأساسية ومساعدة هيئات الحكم المحلي”.

وأواخر عام 2015 انخرطت روسيا مباشرة في الأزمة إلى جانب الرئيس بشار الأسد، فيما تنامى تأثير الميليشيات المدعومة من إيران بشكل سريع.

وقال جون هانا مستشار مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات ومستشار الأمن القومي السابق لنائب الرئيس الأميركي ديك تشيني، إن استعادة الرقة من غير المرجح أن تؤشر إلى نهاية التدخل الأميركي في سوريا. وأضاف أن تشدد ترامب مع إيران ورفضه الإقرار بالتزام طهران بالاتفاق النووي يجب أن يترجم إلى أفعال لاستئصال نفوذ طهران في سوريا.

وأكد “إذا كان هناك من معنى لإستراتيجية الرئيس ترامب لمواجهة إيران، فإنها يجب أن تتضمن جهودا قوية لاحتواء وتحجيم دور الحرس الثوري الإيراني في سوريا”. وتابع هانا “هذا يعني منع إيران وحزب الله وميليشياتهما الشيعية التي تحارب بالوكالة من بسط سيطرة من دون منازع على شرق سوريا والحدود العراقية السورية الحيوية لهدف إيران الاستراتيجي لتأسيس ممر أرضي من طهران إلى البحر المتوسط فالحدود الإسرائيلية”.

غياب الدعم الشعبي

قال جون الترمان مدير برنامج الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية والدولية إن الولايات المتحدة يجب أن تقرر مدى اهتمامها بنتائج مختلفة في سوريا، ويشمل ذلك حجم الوجود الإيراني. وأكد في تصريحات صحافية “المفاوضات ستقرر مستقبل سوريا، والولايات المتحدة لم تفعل الكثير لتعزيز نفوذها في هذه المفاوضات”.

وأشار إلى أن الولايات المتحدة تستطيع الانخراط في جبهات متعددة، لكن “ليس هناك الكثير من الدعم الشعبي لذلك، وإدارة ترامب قد تقرر أن هذا ليس جديرا بالاهتمام”.

ويرى جون هانا أن وجود قوات مدعومة أميركيا تسيطر على أجزاء واسعة من سوريا يشكل مصدر ثقل دبلوماسي محتمل لواشنطن في تشكيل مستقبل سوريا ما بعد الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية، لكن نويرت أشارت إلى أن الولايات المتحدة قد تلعب دورا محدودا فقط.

وقالت في هذا السياق “مهمتنا هناك في سوريا هي إلحاق الهزيمة بتنظيم الدولة الإسلامية. ولهذا السبب بالضبط تحارب الحكومة الأميركية في سوريا”.