مزاينة الإبل بشروط ومعايير دقيقة..

مهرجان الظفرة في أبوظبي لوحات من تراث الصحراء العربية

يسرد مهرجان الظفرة تاريخ الإمارات والجزيرة العربية، ويبرز مدى تلاحم الماضي العريق مع الحاضر المجيد

العرب (لندن)

تحركت منذ أسابيع قوافل مربي الإبل من الشيوخ وأبناء القبائل منطلقة من سائر أنحاء الجزيرة العربية، لتصل إلى مهرجان الظفرة الذي يعدّ الحدث الأكبر للهجن بالعالم، إبل بمختلف الألوان قادمة من المدن السعودية والعمانية والقطرية والإماراتية، لتلتقي في أبوظبي، حيث أرض المهرجان، الذي انطلقت فعالياته الخميس وتمتد إلى 28 ديسمبر الجاري في مدينة زايد بمنطقة الظفرة بإمارة أبوظبي، ويكتمل المشهد مع المئات من المربين والمقتنين للإبل وعشاق التراث والآلاف من رؤوس الإبل من السلالات الأصيلة فقط؛ الأصايل والمجاهيم.

ومن يزر المهرجان الذي يختزل روح الثقافة البدوية العربية في المنطقة، يكتشف أنه في عالم كبير لحياة البدو، حيث تتحوّل منطقة الظفرة عند أبواب صحراء الربع الخالي إلى مدينة كبرى تتجمع فيها الدواب التي كان يعتني بها البدوي القديم.

ويشهد هذا الحدث حضورا جماهيريا كبيرا كل سنة ويتوافد السياح والزوار على مدينة زايد أثناء فترة المهرجان، لزيارة سوق الظفرة وفعاليات المهرجان، للتعرّف على حياة الصحراء والتمتع بأصالة العادات والتقاليد العربية.

قال عبدالله بطي القبيسي مدير إدارة الفعاليات والاتصال في لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية “لقد شهدنا في اليوم الأول إقبالا متميزا يبشر بدورة ناجحة جديدة ستشهد استقطابنا للمزيد من الزوار، وإيصال رسالتنا بالحفاظ على التراث الإماراتي.

ونحن في اللجنة نؤمن أنّه علينا الاستفادة من هذا الزخم الذي تشهده الدولة حاليا في مجال حفظ التراث، وتعلم كيفية تحويله إلى قوة دافعة من أجل استدامة واستمرار الجهود المبذولة لحفظ التراث غير المادي في الإمارات، كما أنَّ الهدف الأساسي من إقامة الأنشطة والفعاليات والمسابقات المختلفة في المهرجان هو زيادة وعي المواطنين بتراثهم وحثهم على ضرورة الحفاظ عليه أي الترويج للتراث الإماراتي، وإبرازه كقيمة ثقافية سياحية هامة”.

يقوم ملاك الإبل برش الزعفران على الجمل الفائز، ويحيط به الأهل والأصدقاء مرددين الأهازيج

وتابع القبيسي مبيّنا “نسعى في كل فعالية إلى تعريف الجمهور الزائر بعاداتنا وتقاليدنا التراثية الأصيلة في مُساهمة منّا لنقلها إلى الجيل القادم ومنعها من الاندثار، حتى باتت فعالياتنا منجزا تراثيا بأسلوب الحاضر، فتراث كل أمة هو رصيدها الدائم وحق لكل الأجيال ولقد أسفرت حضارتنا القديمة وكذلك نهضتنا الحديثة عن إرث تراثي هائل متعدد ومتنوع طبيعي بنيوي وحضاري تاريخي وعلمي وفني”.

وشهد اليوم الأول من المهرجان انطلاق تصفيات مسابقة الرماية، التي تمت إضافتها ضمن فعاليات المهرجان للمرة الأولى، وذلك تزامنا مع افتتاح نادي الظفرة للرماية، والتي ستقام على ثلاثة أشواط، منها شوطان للكبار، إلى جانب شوط آخر للأطفال.

وتقام طيلة أيام المهرجان مسابقات مزاينة الإبل، وهي بمثابة مسابقات للجمال التي لعبت دورا كبيرا في مساعدة شعوب المنطقة على استدامة الحياة في ظل ظروف بيئية شديدة الصعوبة.

ويشهد المهرجان في دورته الحادية عشرة مشاركات واسعة من أشهر ملاك الإبل في منطقة الخليج العربي، بأكثر من 24 ألف ناقة من مختلف دول مجلس التعاون الخليجي، تتنافس كلها على أكثر من 750 جائزة في أشواط المزاينة و40 جائزة في الحلاب بخلاف 400 جائزة في مختلف الفعاليات والمسابقات التراثية المقامة ضمن المهرجان.

ضوابط المزاينة

قال محمد بن عاضد المهيري مدير مزاينة الإبل بالمهرجان، “إن إدارة مهرجان الظفرة تعمل باستمرار على وضع الضوابط والمعايير الدقيقة للمزاينة، والتي تعتبر القاعدة الأساسية في نجاح العمل، حيث سعت اللجنة المنظمة خلال هذه الدورة والدورات السابقة إلى اختيار لجان تحكيم لديها خبرات طويلة في مجال التحكيم بمزاينات الإبل”.

وأضاف، أن اللجنة المنظمة أضافت هذا العام شوط التحدي، الذي يتيح للمشاركين الفائزين بالمراكز الثلاثة الأولى (الأول والثاني والثالث)، أن يتقدموا بإبلهم للمشاركة في شوط التحدي، حيث تم تخصيص جوائز قيّمة للفائزين الثلاثة الأول في كل شوط.

الفوز يرفع من فخر المالك

وأكد أن المهرجان هذا العام سيشهد استحداث لجنة طبية من الرقابة الغذائية إلى جانب أعضاء من لجنة التحكيم تكون مهامها توقيع الكشف الطبي على الإبل المشاركة وذلك لمنع التجاوز الذي قد يكون مخالفا للمعايير الصحية والطبية والسلوكيات الأخلاقية والنزاهة في الاشتراك بمسابقات الهجن خاصة ضمن فعاليات المهرجان.

وتابع المهيري، “في ظل الإقبال الكبير على المشاركة في مسابقات المهرجان ومزاينة الإبل وغيرها، نحرص كلّ الحرص على ضمان سلامة ودقة النتائج، وذلك من خلال عمل التحاليل الطبية المختلفة للإبل المشكوك في وجود عبث بها، وفي حالة التأكد من وجود التجاوز سيتم استبعاد تلك الإبل وتوقيع غرامات على المشارك الذي قام بتلك الأعمال، وسيكون ذلك مدعوما بتقرير طبي معتمد من أطباء الرقابة الغذائية يوضح ماهية العبث ونوعه وموضعه في الناقة”.

وأوضح المهيري، “إنّ العبث يقصد به إدخال أي إضافات أو تغييرات في طبيعة الناقة خلال فترة التحكيم بما يجعلها تظهر بمظهر مخالف للمظهر الطبيعي للناقة وأضاف إن الحلاق العادي لا بأس به على عكس الحلاق الذي يؤدي إلى تغيير في شكل الناقة ولجنة التحكيم قادرة على اكتشاف كل تلك الأعمال حتى يتم التعامل معها بحزم وللحد من عمليات العبث التي بدأ بعض ملاك الإبل القيام بها بهدف الفوز دون التزام بمعايير المصداقية والشفافية”.

أهازيج وزعفران

شهدت مزاينة الظفرة، وهي المسابقة الرئيسية والأكبر في المهرجان، إقبالا كبيرا في منافسات شوط الجمل تلاد 15 عاما، والتي انطلقت في اليوم الأول ضمن مزاينة الظفرة، التي تضم 82 شوطا، منها 78 شوطا في مزاينة الإبل، التي تعد الفعالية الرئيسية للمهرجان، وأربعة أشواط في مسابقة المحالب.

من المشاهد اللافتة في هذا الحدث التراثي، مشاهد السباقات التي تتنافس فيها مختلف أنواع الجمال، وعقب كل سباق تنطلق مسيرات الفرح التي يقودها مالك الناقة أو الجمل حينما يفوز بإحدى الجوائز، وتكون الفرحة أكبر حينما يظفر بالجائزة الأولى أو ما يعرف بـ”الناموس″.

وعقب الفوز يقوم ملاك الإبل برش الزعفران على الجمل الفائز، وتخرج المسيرات الحاشدة لتزف الإبل الفائزة، ويحيط بها مالكها والأهل والأصدقاء ليسيروا معها من المنصة الرئيسية للمهرجان إلى مخيم أو عزبة مالك الإبل، وهم يرددون على طول الطريق الأهازيج والقصائد النبطية المعبرة عن الفرحة بهذا الفوز الكبير.

وترتفع الأعلام على بوابة صحراء الربع الخالي وتعلو الأصوات التي يتردد صداها على امتداد واسع في مهرجان الظفرة، ويحتفل الجميع بروح رياضية، حيث يتعانق ملاك الإبل مهنئين بعضهم البعض بهذا الفوز، ويتسابقون لمصافحة الفائز في عزبته وتقديم المباركة له، ومشاركته فرحة الفوز ليأخذوا “الفال الطيب” أو بحسب تعبيرهم، “الفائز يجلب الحظ للآخرين وفرحة الفوز تعم الحاضرين”.

ومن أبرز فعاليات المهرجان، مسابقة المحالب، وهي مخصصة لأكثر النوق إدرارا للحليب، وتهدف إلى تحفيز ملاك الإبل على اقتناء النوق غزيرة الإدرار للحليب، والتعرف على أفضل أنواع حليب الإبل.

ويقول مربي الإبل خالد المزروعي إن مهرجانات الإبل، خصوصا مهرجان الظفرة، يحفزه على شراء الجمال والنوق وتربيتها، ولا يبخل بالإنفاق عليها، لكونها تشارك في السباقات وتدرّ عائدا كبيرا.

الصحراء العربية ترفع علم الإمارات

وتابع حديثه “مع وجود مسابقة (الحلاب) المخصصة للنوق الأكثر إدرارا للحليب، أصبح المربون يتنافسون على تقديم أفضل رعاية للإبل، حتى تكون مدرة للحليب الجيد، ما يسهم في توفير احتياجات المجتمع من حليب الإبل”.

أما المربي سعيد بطي، فيؤكد أن المهرجانات التراثية بما تتضمنه من مسابقات ساهمت في حفظ التراث، خصوصا في مجال تربية الإبل والماعز والخيول والكلاب السلوقية.

وأضاف منوّها بالمهرجان، “ساهم مهرجان الظفرة أيضا في تحفيز مزارعي النخيل على رعاية أشجارهم، وتقديم أفضل إنتاج من التمور الإماراتية”.

مسابقة الخيول

وإلى جانب الإبل، ينظم مهرجان الظفرة من جديد سباق الخيول العربية الأصيلة، إحدى أهم الرياضات التراثية في دولة الإمارات، والسباق مخصص لملاك الخيول العربية الأصيلة، “واهو” توليد محلي، وللمسابقة ثلاثة أشواط، الشوط الأول مخصص للخيول المبتدئة من 3 سنوات إلى 4 سنوات وبمسافة 1200 متر، والشوط الثاني للخيول التي يزيد سنها على 4 سنوات وبمسافة 1200 متر، بينما خُصّص الشوط الثالث للخيول العربية الأصيلة، السن مفتوح وبمسافة 1500 متر، ولكل شوط أربعة مراكز للفائزين.

وتتوجب قوانين السباق تسجيل اسم المتسابق واسم الخيل قبل السباق بأسبوع، وفي حال زيادة أعداد الخيول المشاركة تكون هناك قرعة على 12 خيلا حسب عدد البوابات.

ويتوجب على المشاركين ارتداء الملابس المخصصة؛ واقي الصدر، الخوذة، النظارة، والحذاء الخاص، وكذلك تجهيز الخيل بالشكل المناسب قبل الدخول إلى البوابات. وتقام السباقات للخيول المتأهلة من مضمار مدينة زايد.

يشمل المهرجان العديد من الفعاليات المصاحبة مثل السوق الشعبي، ومزاينة الصقور، ومسابقة الصيد بالصقور خلال الفترة من 20 إلى 23 ديسمبر، ومزاينة السلوقي العربي التراثي، وبطولة سباق السلوقي العربي التراثي، ومزاينة غنم النعيم، ومزاينة وتغليف التمور، ومسابقة اللبن الحامض، ومسابقة الطبخ الشعبي، ومسابقة الأزياء الشعبية، ومسابقة الشعر والشلة ولايسمح بالمشاركة إلا لمن تتجاوز أعمارهم الـ16 عاما، ومسابقة السيارات الكلاسيكية، وقرية الطفل، وأنشطة تراثية أخرى.