خبراء فرنسيون يستقصون تاريخها في كتاب جديد..

إيران... إمبراطورية هشة

ارشيفية

وكالات (لندن)

يبدو أن إيران لا تزال مُصرة على المضي قُدما في سياساتها التي أصبحت تسبب إزعاجا ليس فقط في محيطها الإقليمي ولكن أيضا للأسرة الدولية، ما جعلها تتبوأ عن جدارة، وبحسب مراقبين تصنيف «دولة مارقة».

عن إيران وطموحاتها وأحلامها وأسباب تعب العالم منها صدر مؤخرا بالمكتبات الفرنسية كتاب يحمل اسم «إلى أين إيران ذاهبة؟» عن دار النشر الفرنسية (Autrement).

يكتسب الكتاب أهمية خاصة لأنه خارج الإطار التقليدي، فهو يمثل جهدا جماعيا وفي إطار رؤية مختصة، تشبه ورشة عمل لمجموعة من الخبراء الأوروبيين والإيرانيين في مجالات المعرفة الإنسانية كافة، ما بين علم اجتماع وسياسة واقتصاد وقد عملت هذه المجموعة تحت إدارة فرنسوا كولومبت، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط بباريس.

يقع الكتاب في 314 صفحة من القطع المتوسط، وهو عن ملف حقوق الإنسان في إيران، وهو الملف الذي يمثل انشغالا كبيرا للغرب، لا سيما في ضوء ما تشهده إيران من انتهاك صارخ للمبادئ الأساسية لحقوق الإنسان خاصة في ظل الصورة التشريحية التي ساقها الكتاب للوضع الاجتماعي والديموغرافي للشعب الإيراني وما به من أقليات كثيرة.

يفتح الكتاب صفحة تاريخ إيران، من أجل ربط الحاضر بالماضي، ذاكراً أنها تمثل حقلاً واسع النطاق لثقافات وعقائد ولغات يتجاوز عددها عتبة السبعين لغة ولهجة، هذا بالإضافة إلى اللغة العربية التي يتحدثها معظم طائفة خوزيستان.

وانطلاقاً من هذا المشهد متعدد الثقافات والأجناس، نتجت حالة من التنقل والترحال المستمرة بين السكان، وهو وضع ينتج عنه ستة شعوب أساسية تعيش بشكل منفصل نسبياً على الأراضي الإيرانية ليمثلوا ثقافات وعقائد متنوعة، ويمكن رصدهم على النحو التالي:

الفرس: ويتقلدون المناصب السياسية والاقتصادية الرفيعة في البلد باسم النزعة الوطنية والقومية الإيرانية أحيانا، أو باسم الإسلام الشيعي في أحيان أخرى، ويمثلون 35 في المائة من إجمالي السكان.

الأزيريون: ويقطنون بأغلبية كبيرة في أذربيجان وبعض المدن الكبرى الإيرانية ومنها بالطبع طهران. ويقدر عددهم بـ22 مليون نسمة ويتحدثون اللغة الأزيرية ويعتنقون المذهب الشيعي، ومن ثم يتمتعون بقرب شديد من دائرة صنع القرار وهو ما ينعكس إيجابا على وضعهم المميز سياسيا واقتصاديا.

كردستان إيران: ويمثلون أصل الأكراد ويقدر عددهم بـ8 ملايين نسمة يقطنون منطقة كردستان الإيرانية. ويضاف إليهم 3 ملايين كردي آخرين مهاجرين يعيشون في المدن الإيرانية الكبرى. وبالتالي يقدر عدد الأكراد الإيرانيين بـ11 مليونا، إلا أنهم يمثلون أقلية مقارنة بأكراد تركيا البالغ عددهم 18 مليون نسمة وهو عدد أكثر من أكراد العراق البالغ تعدادهم 6 ملايين، وأكراد سوريا البالغ عددهم 1.5 مليون إلا أن هناك تميزا، لأكراد إيران يكمن في أن 75 في المائة منهم يعتنقون المذهب السني، في حين تعتنق النسبة المتبقية والتي تقدر بـ25 في المائة المذهب الشيعي.

البالوتشيون: ويعيشون في مدينة بالوتش على الحدود الإيرانية الباكستانية. ويقدر عددهم بـ4 ملايين نسمة يتحدثون اللغة البالوتشيه وهي إحدى اللغات التي تنتمي إلى مجموعة اللغات الهندو أوروبية ويعتنق 90 في المائة منهم المذهب السني.

التركمان: ويقطنون الشمال الإيراني ويقدر عددهم بـ2.2 مليون نسمة في إيران فقط، إلا أنهم أكثر انتشاراً في تركمنستان (إحدى جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق) ويعتنقون في مجملهم المذهب السني.

وأخيرا، العرب ويمثلون أغلبية في مدينة غوسيستان الغنية بالنفط والواقعة على الخليج العربي الفارسي ويُطلق عليهم «أربيستان» ويقدر عددهم بـ5 ملايين نسمة، ومن ثم فيمثلون أغلبية شيعية.

بالإضافة إلى ذلك، فإن المجتمع الإيراني يضم أيضا أقليات صغيرة مسيحية مثل الأرمن والأسيروشالدين واليهود والبهائيين، أي أن الشعوب الإيرانية غير الفارسية تمثل 45 مليون نسمة، ومن ثم فنحن أمام إمبراطورية هشة بالمعنى الحقيقي للكلمة، خاصة أنهم يمثلون ضحايا لسلسلة غير منتهية من التمييزات العنصرية والقومية أو الطائفية في بعض الأحيان، تجتمع جميعها تحت راية ديكتاتورية إيرانية ولذلك، فهم يطالبون بـ«إيران ديمقراطية علمانية فيدرالية» حتى يكسروا مذلة العيش تحت مظلة هذه الإمبراطورية.

وحول الاتفاق النووي الإيراني، يستعرض الكتاب موقف الرئيس الأميركي دونالد ترمب باعتباره معارضا شرسا للتقارب الأميركي الإيراني، وهو ما يعرض من شأنه الاتفاق النووي الإيراني للخطر، مشيرا إلى أن هذه المعارضة ستظل قائمة، حتى ولو سكنت، فرغبته حقيقية في فك ارتباط بلاده بما سماه «الاتفاق الكارثي» وهو الاتفاق المبرم مع طهران في يوليو (تموز) 2015 بل وصل الأمر لما هو أبعد من ذلك، فقد سبق وأن أعلنها ترمب المرشح صراحة «حال فوزي، سأمزق الاتفاق».

ويرى الكتاب أنه من وجهة النظر القانونية، فبمقدور الرئيس الأميركي الانسحاب من هذا الاتفاق بتصريح بسيط أو بالتصويت على عقوبات أميركية جديدة في الكونغرس ذات الأغلبية الجمهورية. لكن الكتاب يستبعد أن يسعى ترمب نحو عدم ضرب عشرة أعوام من التفاوض مع إيران عرض الحائط والقضاء تماما على الاتفاق النووي الإيراني بمضمونه الكلي الراهن، ولكنه سيسعى نحو إعادة فتح ملف التفاوض مع إيران حول بعض شروط الاتفاق النووي وخاصة أنه سبق وأن أعلن في أكثر من مناسبة عن أنه مفاوض أكثر براعة من سلفه أوباما.

ويلفت الكتاب هنا إلى مواقف بعض القوى العظمى التي تثمن كثيرا الاتفاق النووي الإيراني لأسباب وتوجهات كثيرة منها على سبيل المثال فرنسا وروسيا، وهما قوتان مؤثرتان على الساحة العالمية وبالتالي فليس من مصلحة ترمب خسارتهما، خاصة أنه ينفذ وبدقة تعهداته الانتخابية طمعاً في الحصول على فترة رئاسية ثانية على غرار أسلافه، خاصة أوباما الذي انتقده ترمب في مواقف كثيرة وبالتالي فهو ليس بأقل منه في السعي للفوز بفترة رئاسة ثانية.

وتخلص مجموعة الخبراء التي عكفت على هذا العمل الجاد إلى أن ترمب لن ينسف الاتفاق النووي الإيراني كلية، حفاظا على علاقته بفرنسا وروسيا، ولكنه سيتجه نحو إعادة فتح باب التفاوض مجددا مع إيران حول بعض شروط الاتفاق، خاصة فيما يتعلق بكميات اليورانيوم المخصب وبالتالي، فترمب يكون بذلك قد حقق المعادلة الصعبة بالنسبة له والتي تكمن فيما يلي: عدم الموافقة على «الاتفاق الكارثي» بشكله وحالته الراهنة من جانب وعدم إحداث أي توتر مع القوى العظمى من جانب آخر، بالإضافة إلى ذلك فإن إيران تتمتع بعلاقات خاصة قديمة مع الصين (منذ ثمانينات القرن الماضي خاصة في ظل حربها مع صدام حسين) التي يحتاجها ترمب في ملفات أخرى كثيرة.

على ضوء هذا، وباستقراء الخريطة السياسية الإقليمية والدولية ورهاناتها المختلفة، فيمكن التأكيد على أن ترمب سيسعى جاهدا نحو عدم إقرار الاتفاق النووي الإيراني في مضمونه الراهن، وسيلجأ إلى تعديلات في شروط جوهرية بالاتفاق تتعلق بمعدلات وكميات تخصيب اليورانيوم.