قصة قصيرة..

رملة ناعمة

رملة ناعمة

حنين فضل (عدن)

تلك الأرض الصحراوية برمالها الناعمة التي كانت مستوية إلى وقت قريب قبل ان تجعل منها الرياح تلالا متفاوتة في الارتفاع، ما تسبب بحجب الرؤية عن المنزل الخشبي الواقع في سفح الجبل، فتلك التلال الرميلية الناعمة التي دفعت بها الرياح من سيف البحر صوب الجبل، حجبت عن الفتاة الحسناء رؤية امواج البحر والسفر المارة في الخليج الكبير. منذ سنوات طويلة، كان الصيادون يستريحون على الشاطئ وينظرون صوب الكوخ الخشبي ويشاهدون الفتاة الحسناء بعيونها العسيلة وشعرها الاشقر، لكنهم لا يستطيعون الاقتراب من الكوخ الخبشي. "إنها ليست فتاة، ربما تكون جنية، فإذا كانت فتاة، هل يمكن لكم ان تعيش هنا في هذه الصحراء وخلفاء الجبل الشاهق باشجاره العملاقة والتي لم يخليل لنا قط ان نذهب إلى هناك"، يحدث صياد صديقه، بعد ان رسيا بقاربهما على الشاطئ. شعرت الفتاة ان الرمال الناعمة حجبت عنها رؤية البحر، فهمت بالسير على تلك الرمال صوب البحر، فيما كان الصياد يحكي على صديقه قصص الجند وسكنهم في الجبال وقرب البحر، كانت الرياح تداعب خصلات شعرها فوق تلة رملية، ترتدي فستانا أسود واساور ذهبي وخلخال يزين قدميها الحافيتين، نظرا الصيادان صوب الفتاة، ولسان حالهم يقول "انها جميلة وانت كانت من الجان".

اقتربت رويدا رويدا صوب البحر والصيادان يسرقان النظر الى تفاصيل جسدها، حتى اقتربت منهما، ووقفت الى جوارهما تنظر امواج البحر وتبتسم في سعادة كبيرة وكانها تنتظر فارس احلامها يأتي راكبا تلك الامواج الهائجة. اقترب أحدهم منها "نحن هنا للصيد هل تريد مننا مساعدتك"، قال لها. فردت "لا شكرا يا والد انا هنا انتظر الى البحر الذي اعشقه كثيرا، نعم أنا احب البحر فلولا الرياح والرمال هذه التي خلفي لما اجبرت نفسي بالسير كل هذه المسافة إلى هنا". اتى الصياد الأخر إلى جوارها "اننا هنا منذ عام نشاهدك وانت في الكوخ الخشبي، فهل لنا معرفة من يسكن معك هناك، او نريد نعرف قصتك".

ضحكت "نعم كنت اراقبكما الشهر الماضي حين تدهم كوخكما هذا، كنتا تظنان انني من هدمه، لست انا أنهم صيادون أخرون أتوا واخذوا الاخشاب ساروا بقاربهما شرقا، لا ادري لماذا فعلوا بالكوخ كذا". قال الأول "في الحقيقة كنا نعتقد انك من الجان". تضحك "والآن ما الذي جعلكما تتيقنان انني من الأنس". صمتا في حيرة من امرهما. قبل ان تقطع الشك باليقين "انا فتاة اسمي رملة، كنت اسكن مع أهل أمي خلف الجبل، ووالدي من الجزيرة التي تمران امامها كل يوم، كنت اعيش هناك مع أمي وابي، لكن أمي فرت بي من الجزيرة عن طريق سفينة صغيرة تستخدم في التهريب وانا في العاشرة، حين كان والدي في البحر يجلب لنا الصيد، قضيت خمسة أعوام في كنف جدتي والدة أمي بعد عامين كنت فيهما مع أمي التي تزوجت من شاب يصغرها بعشرة أعوام، توفيت جدتي فانتقلت مجبرة للعيش مع أمي وزوجها، فكانت تعاملني كأنها خالتي لم ترحمني، وتجبرني على طباخة الطعام وغسل الملابس وحين كنت افرض كانت تبرحني ضرباً، كنت لا استطيع الحصول على كسوة العيد ولم ارتد اي احذية منذ نحو عامين، حين انتقلت للعيش مع أمي وزوجها الظالم المتغطرس. تذرف الدموع من عينيها "كانت أمي تضربني لمجرد اني اتأخر في مناولة زوجها كأس الماء، كانت قاسية عليه إلى حد اني فكرت في الانتحار سبع مرات.

تسلقت الجبل هذا امامكم قبل عام واستقريت في الكوخ الخشبي، قرب سيدة تشبه جدتي تماما، ولدها يعمل في التجارة بين البحر والقرى الواقعة خلف الجبال. كان الكوخ يستخدم لاستراحة ابن العجوز الذي ينقل البضائع عبر سفية صغيرة، بينما أمه تسكن في سفح الجبل في كهف حجري كان ملاذا للناس الهاربين من حرارة الشمس، فانتقلت الجدة مع ولدها الى الكف حتى يستطيع ممارسة التجارة. هو شاب تجاوز الثلاثين وامتهن التجارة نكاية بأبنا عمومة الذين رفضوا تزويجه لأن والده توفي وهو صغير ولم يورث عنه اي شيء سوى أم عجوز وجمل، واستطاع الشاب ان يعمل مع تجار الى ان استطاع ان يشتري سفينة صغيرة، وكان هذا الكوخ هو همزة الوصل بين البحر والجبل، بين السفينة والجمل. اسكنتي الجدة التي توفيت قبل ثلاثة اشهر في الكوخ، كي تبعدني من ابنها، فهي تخشي عليه، واجبرته على ان يقوم بإيصال البضائع الى الكهف وان لا يقترب من الكوخ. يقاطع الصياد حديثها ولكن كيف يصلك الطعام "كانت الجدة العجوز تقوم بأعداد الطعام ووضعه على الجمل ثم تتركه يسير باتجاه الكوخ كما تعود الى ان يصل ثم انزل الطعام، ثم يعود الجمل ادراجه، الى قرب الكهف". يسأل الصياد الأخر "وبعد ان توفيت العجوز؟ تجيب "يكرر الأبن ما كانت تفعله أمه ويقوم بإرسال الطعام فوق الجمل، لكنه لم يعد يمارس التجارة، ربما حزنا على أمه، اما الطعام فيأتي لي ولكن وجبة واحدة في اليوم، ربما انه اصبح فقيراً".

يفكر احد الصيادين، ماذا لو اخذنا هذه الفتاة التاجر وجعلناه يتزوجها، ويعود لممارسة التجارة من جديد. تقطع الفتاة تفكير الصياد "ذات مرة اقتربت من الكهف وناديت عليه الى ان خرج، فأخبرته اني على استعداد ان اكون زوجته وان اطبخ له الطعام واجلب الماء من بئر الجبل، ولكنه اخبرني بان والدته أوصته اني يعاملني كأخته وان لا اصلح ان اكون زوجته. طلبت منه ان ينقلني الى الجزيرة ورفض، بدعوى انه لا يمكن ان يفرط فيني، وان والدي قد يقتلني ان عرف اني تركت أمي وان اعيش في كوخ خشية ان يلحقه العار. اقترب منها الصياد "اسمعي يا بنتي لدي الحل". ردت عليه" وما هي مشكلتي التي وجدت لها الحل، هل تريد اعادتي إلى أمي أم إلى أبي ام تعدي لي جدتي العجوز صاحبة الكهف ام جدتي أم امي التي تركتني ورحلت دون عودة". قال لها "أول دعينا نذهب إلى التاجر، أولا، ثم نقرر ما ذا نعمل. سار الثلاثة على الرمال الناعمة صوب الكهف، وحين اقتربوا منه نادوا على التاجر ، إلى ان خرج عليهم، وطلب منهم الدخول الى الكهف الذي شيد بطريقة جميلة.

فعلى الجدار نحت صورة أمه المتوفية التي لا يزال حزينا على رحيلها، جلس امامهم منتظرا حديثهم، حينها أخبرته الفتاة ان هؤلاء الصيادين التقيتهم على البحر وحكيت لهم قصتي وطلبوا مني مقابلتك وارجو ان لا تزعل مني يا شقيقي. كانت المرة الأولى التي تنادي فيها التاجر بشقيقها.. ابتسم ماذا تريدون. قال الصياد "عرفنا ان تاجر شاطر ولديك علاقة واسعة في تجار البر والبحر ونحن نريد منك الانضمام إلينا وان نعمل سويا، نطلب منك ان ترافقنا مع الفتاة الى قريتنا، سوف تمتطي الجمل وتذهب في هذا الاتجاه شمالاً، إلى ان تصادفك صخرة كبيرة، انتظرنا هناك قرب مياه البحر ونحن سوف نأتيك على القوارب إلى هناك ولكن .. يقاطع الصياد التاجر "سوف نساعدك إلى تحمل كل اغراضك وترحل عن الكهف. اصر التاجر ان يحمل شقيقته فوق الجمل وان يسير الى المكان المحدد، فيما ذهب الصيادان صوب قواربهما على امل اللقاء قرب الصخرة. وصل التاجر قبل وصول الصيادين، وهناك نظر إلى الفتاة، وسأله.. هل تعلمين ماذا يريد الصيادين؟ اجابت "لا.. اعلم حقيقة ولكن ربما يريدان ان تعمل معهم في التجارة لأني اخبرتهم انك تاجر شاطر". وصل الصيادان في حين كان التاجر يناول الجمل طعاماً، كانت الشمس قد أزفت على الرحيل وقد يحل الظلام. اقترب الصياد الأكبر سنا من التاجر وقال له "يمكنك الآن الصعود على القارب مع الفتاة والسير خلف الصياد، بينما أنا سوف اقود الجمل إلى ان نصل قرب القرية، وهناك سوف أقول لك على كل شيء. سار الصياد والتاجر في البحر يدفان القوارب في رحلة استمرت حتى الفجر، حين وصلا الى القرية، سأل التاجر الصياد أين صديقك والجمل. اجابته "سوف يتأخر بعض الشيء لأنه سيسلك طريقا جبلية طويلة حتى يصل إلى هنا وانت لا تعرف الطريق سيأتي في المساء ان شاء الله.

اثارت التاجر نوع من الشكوك، وأخذ يسأل نفسه ما مصير جملي، ولكن حين تذكر ان الفتاة تجلس الى جواره أطمئن قلبه، وانتظر الى حين حل المساء، عندها وصل الصياد والجمل، وجلسا لتناول العشاء والراحلة فوق تلة صخرية يراقب الجميع امواج البحر هي في مد وجز. قطع الصياد الصمت وقال "عليه ان اخبرك انت والفتاة لماذا اتينا بكم إلى هنا، هذا الصياد هو أبني الوحيد، أمه توفيت وهو في العاشرة من عمره، وقد أخذته معي في كل رحلاتي إلى ان اصبح شابا، وقررت ان ازوجه الفتاة ان وافقت على ذلك، مقابل ان نزوجك انت أجمل بنات قريتنا، فاذا انت موافق على ذلك، نتحدث في أمر التجارة. ضحك وقال "طوال رحلة البحر اعجبني صبر وتحمل هذا الصياد ولم اعرف انه ابنك، ولكن انا لا مانع لدي ان ازوجه ولكن الخيار الأول والأخير للفتاة رملة.. ان كانت موافقة، فإذا وافقت على الزواج من الصياد سعيد تزوجت انها احدى فتيات القرية وان رفضت عليكما اعادتنا إلى كهفنا مرة أخرى. قالت الفتاة "سوف اوافق على الزواج، حتى اسعد أخي وشقيقي الذي اريد ان العب مع اولاده كطفلة صغيرة، اريد امارس طقوس الطفولة مع اولاد اخي بعد ان حرمت منها طوال عشرة أعوام مضت. تمت الخطبة والزواج وبدأ التاجر في ممارسة التجارة مع صهره، وتوسعت تجارتهم، فيما عاد الصياد العجوز للجلوس في منزله ينتظر كل مساء ابنه والتاجر ويسمع منهما الاخبار في رحلاتهم التجارية في البر والبحر. ازدهرت التجارة وتوسعت ليصبحا من كبار التجار، وقررا ترك القرية والانتقال الى الجزيرة الواقعة في عمق البحر، وهي الجزيرة التي يسكن فيها والد الفتاة رملة زوجة التاجر الشهير. سكنت قرب منزل والدها الذي اصبح طاعا في السن لا يقدر على الحركة، واولاده لا يهتمون فيه، لتبني عائلة جديدة مكونه من زوجها أبن الصياد ووالدها.