ترك بصمة في جامعة عدن..

الدكتور سعيد النوبان.. والحاجة لأمثاله للنهوض بالأوطان

الدكتور سعيد عبدالخير النوبان

علي صالح الخلاقي (عدن)

من منا لم يعرف أو يسمع بأحد أبرز رواد التعليم في بلادنا، الشخصية الأكاديمية والعلمية، طيب الذكر الدكتور سعيد عبدالخير النوبان، الذي تدرج منذ بداية حياته العلمية في سلم المستويات التعليمية والقيادية بدءاً من نائب ناظر المعارف في الدولة القعيطية الحضرمية ووصولاً إلى منصب وزير للتربية والتعليم وأسهم من موقعه وقدراته العلمية في وضع اللبنات الأولى في الصرح التربوي في المحافظات الجنوبية، ثم انتقل إلى رئاسة جامعة عدن التي شهدت خلال سنوات رئاسته لها تطوراًملحوظاً في مختلف المجالات العلمية والبحثية والأدارية التي كانت بصماته واضحة فيها، وحظيت في عهده بسمعة علمية طيبة في الداخل والخارج.
ما دفعني للحديث عنه أنني قابلت مؤخراً أستاذاً جامعياً أمضى عدة سنوات في الخارج مبتعثا من قبل كليته الجامعية حتى أنهى دراسته العليا "دكتوراه" وعاد قبل فترة على أمل أن تستفيد منه كليته في تخصصه العلمي، فوجدته متذمراً من عمادة الكلية، وظننت أن هناك سبباً وجيهاً لتذمره..

لكن حين عرفت منه السبب بطل العجب، حيث أوضح أن عمادة الكلية كلفته بتدريس مساقين دراسيين!!..
استغربت منه ذلك الموقف، لأنني كنت أتوقع أن يعود هو وأمثاله، ممن أكملوا دراستهم الجامعية وهم أكثر حماساً وإخلاصاً لأداء واجبهم، وأن يردوا الدَّين للكلية التي بفضلها أُتيح لهم مواصلة دراستهم العليا وأن لا يبخلوا بتقديم معارفهم التي بلغوها لطلابهم.
وعلى الفور تبادر إلى ذهني موقف نقيض من ذلك كنت قد قرأته عن الشخصية التربوية والقيادية الكبيرة الدكتور سعيد عبدالخير النوبان، وحدث ذلك في وقت مبكر من حياته العملية قبل الاستقلال الوطني، وبالتحديد في عهد السلطنة القعيطية التي شغل فيها نائب ناظر المعارف، وأحببت أن أورده هنا كنموذج ومثال للشخصية القيادية والتربوية النادرة لتستلهم منه الأجيال الجديد قيم الإخلاص وروح المسئولية والتفاني والعطاء لواجبهم إزاء وطنهم.


فتحت عنوان "النوبان يدرس في الثانوية" أوردت صحيفة "الرأي العام" الحضرمية التي كانت تصدر في المكلا في عددها رقم (147)،الصادر يوم الاثنين، الموافق 21نوفمبر 1966م،ص 1، خبر قيام الأستاذ سعيد عبدالخير النوبان نائب ناظر المعارف بالمكلا بالتدريس في مدرسة المكلا الثانوية في علم الأدب- انجليزي- لطلاب الفصل الأول والثاني، نظرا لتحول المدرس السابق إلى ثانوية الشحر ، ويقدر عدد الحصص التي كان يلقيها السيد النوبان بـ 14 حصة في الأسبوع، وهذا عمل يشكر عليه إذا ما قسناه بمسئولياته الإدارية في إدارة المعارف التي تستغرق جل أوقاته نظرا لغياب ناظر المعارف وقيامه بأعماله.
هذا الموقف ينمُّ عن حب وإخلاص النوبان لتخصصه وعمله التربوي، وشعوره بعظم مسئوليته كنائب لناظر المعارف، وهو ما يوازي نائب وزير، وكان أيضاً يقوم حينها بمهام الناظر (الوزير) نظراً لغيابه، وأقدم على ذلك بوازع من روح المسئولية وليس بغرض التباهي او البهرجة الإعلامية حيث استمر في التدريس أسبوعيا بمعدل 14 حصة حتى أنهى المقرر الدراسي مثله مثل بقية المدرسين المتفرغين لواجبهم المدرسي دون أن يؤثر ذلك على عمله كنائب لناظر المعارف.

وهذا الموقف الرائع والمسئول جعله محل شكر وتقدير الجميع، وليس بغريب على هذه الشخصية التربوية الفذة ذلك الموقف، الذي ينبغي أن تتعلم منه الأجيال وأن تقتدي بسيرته العطرة الزاخرة بالعطاء ونكران الذات، فبمثل ذلك الإخلاص وروح التفاني في العمل في كافة التخصصات تُبنى وتزدهر الأوطان، ويكفي النوبان فخرا، وذكرا طيبا، أنه ترك بصماته الجليّة على مجمل تطور التربية والتعليم وفي المجال الأكاديمي والبحبث العلمي في بلادنا واستحق بكل جدارة منحه عدد من الأوسمة والميداليات، مثل وسام الأدب والفنون 1979، ووسام الاستقلال 1985، وميدالية اليونسكو 1990، ويظل اسمه خالداً كأحد رواد التربية والتعليم والعمل الأكاديمي في بلادنا.