نووي إيران..

ماكرون يلتقي بوتين وسط خلافات كثيرة وتقارب مؤقت

المصرفي السابق والجاسوس القديم في رواق المعارك

وكالات (لندن)

بعدما طرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نفسه صديقا للرئيس الأميركي دونالد ترامب على أمل التأثير على مواقفه من دون أن ينجح في ذلك، يراهن اليوم مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين على التاريخ المشترك بين البلدين سعيا لتطوير علاقة معقدة يجري الفصل الثاني منها الخميس في سان بطرسبورغ.

بعد أيام قليلة على انتخابه في مايو 2017، استقبل الرئيس الفرنسي نظيره الروسي وسط تشريفات احتفالية، في ظل الخلاف القائم بين سيد الكرملين والغربيين منذ أن ضمت روسيا القرم من أوكرانيا عام 2014.

ولم يوفر ماكرون أي جهد للتودد إلى بوتين فاستقبله في قصر فرساي وزار معه “رواق المعارك” الذي يستعرض المحطات العسكرية الكبرى من تاريخ فرنسا، وقام بتكريم بطرس الكبير، قيصر روسيا المنفتح على أوروبا، سعيا منه لإنعاش العلاقة الفرنسية الروسية، مستعينا في ذلك بالكثير من الرموز الملكية.

وفي بادرة مقابلة، يستقبل فلاديمير بوتين الخميس والجمعة نظيره الفرنسي في العاصمة السابقة للإمبراطورية الروسية سان بطرسبورغ، الأقرب إلى أوروبا بين مدن روسيا. ويقول الفيلسوف واختصاصي روسيا ميشال إيلتشانينوف “إنها مباراة العودة بعد فرساي” حيث سعى ماكرون لكسب الأرجحية في “اختبار القوة مع بوتين”.

وتابع إيلتشانينوف، مؤلف كتاب “في رأس فلاديمير بوتين”، والذي استشاره الرئيس الفرنسي من ضمن خبراء آخرين قبل زيارته، “في فرساي، كان التشديد على الجلال والعظمة وحتى العمق التاريخي في وجه سيد الكرملين لإثارة إعجابه والإثبات له أن فرنسا ليست ذلك البلد المتجاهل لجذوره مثلما يلمح إليه بوتين”.

بسبب الموقف الأميركي من الاتفاق النووي أصبحت هناك فرصة للتوصل إلى قواعد جديدة للتعاون بين روسيا وأوروبا

وفي موسكو، حيث انتُخب بوتين لولايته الرابعة، يسود الترقب بعد سنة من انتخاب ماكرون الذي قال الخبير فيودور لوكيانوف رئيس مجلس العلاقات الخارجية والدفاع إنه يسعى “إلى إعادة فرنسا إلى موقعها كقوة عالمية. لقد مضى وقت طويل منذ أن كانت كذلك. إذا كان جادا، سيكون هناك ما يُبحث بين بوتين وماكرون. إن كان الأمر مجرد كلام، سرعان ما سيفهم بوتين ذلك”.

مواضيع خلافية

يتواجه الرئيسان حول مواضيع خلافية مثل سوريا وأوكرانيا والأزمة الدبلوماسية الناجمة عن تسميم عميل روسي سابق في بريطانيا. غير أن دونالد ترامب سيمنحهما فرصة فريدة ونادرة للتوافق بعد انسحابه المدوي من الاتفاق حول الملف النووي الإيراني، في خطوة جاءت بمثابة صفعة حقيقية للأوروبيين.

وحول إيران وسوريا، قال قصر الإليزيه إن ماكرون يرغب في إجراء حوار “جدّي للوقوف على النقاط المشتركة. نفعل ذلك بعيون مفتوحة مع إدراك صعوبة الأمر”.

وقالت وكالة بلومبرغ الأميركية إنّ رحلة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى روسيا أصبحت جزءا من جهد أوروبي موسع للحفاظ على الاتفاق النووي الإيراني وربط الرئيس فلاديمير بوتين به، بعد أن كانت الزيارة تهدد بعزل فرنسا عن حلفائها الأوروبيين.

وبعد انسحاب الولايات المتحدة المدوي من الاتفاق النووي مع إيران، أكد ماكرون وبوتين تمسكهما به وعزمهما على إنقاذه. وترغب موسكو التي تقاربت مع طهران بأن يبقى كما هو في حين تريد باريس التوقيع على اتفاق جديد “أوسع” يأخذ في الاعتبار مراقبة الأنشطة النووية بعد 2025 وبرنامج إيران الباليستي وأن يمتد ليشمل الوضع في سوريا واليمن.

ويراهن ماكرون كذلك على إصلاح ذات البين بين أوروبا وروسيا بعد سنوات من التوتر منذ ضم القرم والحرب في شرق أوكرانيا وحديثا تسميم العميل الروسي المزدوج سيرغي سكريبال في بريطانيا. ولدى روسيا ما تربحه من التقارب مع الأوروبيين حيال المسألة الإيرانية.

وتقول تاتيانا كاستويفا جان، الخبيرة في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية انه “بالنسبة لبوتين، سيكون نجاحا باهرا التوصل إلى إعلان مشترك حول هذا الموضوع”. من جهته، يقول دبلوماسي روسي “من عجائب المفارقات إنه بسبب المسألة النووية الإيرانية، أصبحت هناك فرصة للتوصل إلى قواعد جديدة للتعاون بين روسيا وأوروبا”.

يعتقد سفير روسيا السابق في فرنسا ألكسندر أورلوف الذي حضر لقاء فرساي عام 2017 “أن بإمكان ماكرون وبوتين الاتفاق. فكلاهما شديد الثقافة ومولع بالتاريخ”. ويضيف دون مواربة “من الطبيعي تماما أن يقيم ماكرون علاقة أفضل مع بوتين منه مع ترامب، وهما شخصان على طرفي نقيض. فترامب رجل قليل الثقافة وعنيف ووحشي”.

الدول الأوروبية تجد نفسها مضطرة للتعامل مع موسكو، حليفتها في الاتفاق النووي مع إيران، وغريمتها في ملفات أخرى كالطاقة وسوريا وأوكرانيا

لم يلتق الرئيسان الفرنسي والروسي سوى مرتين في فرساي وخلال قمة مجموعة العشرين في هامبورغ في يوليو 2017، لكنهما يتحادثان بانتظام عبر الهاتف، أيا كانت الخلافات بينهما. ولا يتردد ماكرون في استعراض هذه العلاقة. ففي مقطع فيديو نشره قصر الإليزيه مؤخرا، يظهر وهو يتصل بفلاديمير من طائرة الإيرباص الرئاسية، ويمكن سماعه يقول “أردت أن أكلمك لنقوم بجولة أفق صغيرة” حول إيران. لكن أورلوف يقول “لا يمكن لأي مكالمة هاتفية أن تحل محل التواصل الفعلي. ومن أجل قيام تقارب وتوافق بين رئيسين، لا بد أن يتقابلا وجها لوجه”.

أوليغارشي في قصر الإليزيه

بين الرجلين نقاط مشتركة كثيرة. فكلاهما ظهر من العدم على الساحة السياسية وكلاهما حريص على وضع بلاده في محور اللعبة الدولية. ويقول ميشال إيلتشانينوف “إنهما متشابهان في تصميمهما على إعادة الحياة إلى العلاقة مع القادة السياسيين وترك بصمات بعيدة الأمد في التاريخ”.

لكن نقاط التوتر كثيرة بين مصرفي الأعمال السابق والعميل السري السابق. ولفت الخبير إلى أن “شخصا قادما من الأوساط المصرفية هو في ذهن بوتين أوليغارشي، وهذا ما لا يوحي له بالضرورة بالثقة”. لم يتردد ماكرون في فرساي في التنديد بحملة الانتقادات الشديدة التي تعرض لها في وسائل الإعلام الروسية قبل انتخابه.

وإن كان اكتسب منذ ذلك الحين مقام رجل دولة، إلا أنه يبقى بنظر الإعلام الموالي للكرملين رئيس بلد “ملحق” بالولايات المتحدة، بحسب ما أوضحت تاتيانا كوستاييفا جان من المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية. وهي صورة قد تتطور إذا ما تصدى الأوروبيون لترامب في قضية النووي الإيراني. وأشار الخبير في معهد كارنيغي في موسكو ألكسندر باونوف إلى أن “فرنسا بلد نحترمه هنا، إنما فقط إن أظهر استقلاليته بكل ما لديه من قوة”.