وصفة للكتابة..

اغتيال روح الكتابة وشرطها الماثل في الموهبة

ورش الكتابة وجه آخر لمحاولة تقديم وصفات ناجزة للكتابة

مفيد نجم

كتب عديدة تحاول تقديم وصفات ناجزة للكتّاب الشباب لتعلم الكتابة، وكأن الكتابة هي مهنة حتى يمكن من خلال ما يقدم من وصفات جاهزة أن نتعلمها. هذا السؤال يعيد تجديد الحوار حول مفهوم الكتابة الأدبية وعلاقتها بالموهبة والخبرة والاجتهاد، خاصة أن هناك كتابا معروفين رفضوا القيام بهذا الدور لإيمانهم بأن الكتابة هي مغامرة إبداعية خاصة مفتوحة، خارج أي تأطير وإلا لكان تاريخ الكتابة واحدا، دون أي إضافة أو تجديد.

كان الشاعر العربي قديما عندما يسأله أحد من الشعراء المبتدئين ما الذي عليّ أن أفعله لكي أصبح شاعرا يجيبه، عليك حفظ آلاف الأبيات من الشعر ثم انسها. ما يعنيه القول هنا أن على الكاتب شاعرا أو روائيا أو قاصا أن يقرأ الكثير، ويجتهد في تطوير موهبته وتحفيز مخيلته، دون أن يقع في مطب التقليد، لأنه ما من كاتب يجب أن يشبه كاتبا آخر، ولا من كتابة يجب أن تشبه كتابة أخرى. إن الكاتب الحقيقي هو الذي يخوض مغامرة الكتابة وهو ينصت للصوت النابع من داخله، بعد أن تردد في رحابه أصداء أصوات كثيرة، لأنه ليس هناك كتابة تبدأ من الدرجة صفر.

في هذا السياق عملت الثقافة الأميركية في محاولة تكريس نموذجها أن تجعل من كتابة الشعر عملا آليا، لا يحتاج إلى موهبة وتراكم ولحظة ولادة. هذا التسطيح الأميركي لمفهوم الإبداع عملت على نشره من خلال ورش الكتابة التي كانت تقيمها، وتدعو للمشاركة فيها شعراء من بلدان العالم المختلفة. بعض هؤلاء الشعراء من قليلي الموهبة اعتقدوا أنهم قادرون على تكريس شعريتهم على هذا الأساس، لكن كتابتهم ظلت بلا روح.

إن هذه الآلية في الكتابة هي اغتيال لروح الكتابة وشرطها الماثل في الموهبة، في حين تأتي روافد التجربة الأخرى تاليا.

الشاعر أو الكاتب الذي لا يعطي تجربته من روحه ومن جهده وإخلاصه ما تستحقه لا يمكن أن يقدم إبداعا أصيلا وذا قيمة مهمة. الكتابة هي مجاهدة لكي تحفر التجربة مجراها عميقا في أرض اللغة وجمالياتها، وإلا كيف تملي لحظة الكتابة نفسها في لحظة امتلاء وإشراق على صاحبها، حتى نسبها الشعراء والنقاد العرب القدماء إلى الجن، الذي ميزوا أنواعه على أساس جنسه.

في هذا السياق برزت ظاهرة ورش الكتابة وهي وجه آخر لمحاولة تقديم وصفات ناجزة للكتابة. الكتابة هي ابنة روافد كثيرة تصب في محيط الذات وتتغذى منها، لكن الموهبة الأصيلة هي التي تقوم بعملية خلق جديدة للكتابة.