مسلسل سوري..

"وحدن" يجمع الأسطورة بالواقع

الغلبة للنساء

نضال قوشحة

بدت ملامح الجرأة الفنية واضحة في المسلسل السوري “وحدن”، منذ معرفة فكرته أولا وطريقة معالجته لمسار الأحداث ثانيا، فالمسلسل الذي يعد التجربة الأولى في مجال الكتابة في الدراما التلفزيونية للكاتبة ديانا كمال الدين، هو رهان هام في مشوارها المهني، بعد فيلمين سينمائيين سابقين لها كانا من إنتاج المؤسسة العامة للسينما في سوريا وإخراج نجدة إسماعيل أنزور، وهما “فانية وتتبدد” و”رد القضاء”، وفي المسلسل الرمضاني الأخير تعاونت ديانا مجددا مع أنزور، لكن في التلفزيون هذه المرة عبر نص طويل، ليقدّما سوية عملا فيه الكثير من ملامح الغرابة والجرأة.

في المسلسل الرمضاني “وحدن” تحضر الأسطورة منذ البداية، ولهذا اختار المخرج السوري نجدت إسماعيل أنزور مكانا أثريا لتصوير عمله فيه، وهو قرية الغيضة في ريف محافظة السويداء، (28 كلم عن مركز المحافظة)، وهي المدينة القديمة التي تشير اللقى الأثرية إلى أنها بنيت منذ ما يقارب الثلاثة آلاف عام قبل الميلاد على مجرى وادي لنهر قريب.
وكان لأهل المنطقة علوم في الحضارة، حيث أنهم استفادوا من قوة المياه لتدوير الطواحين لدرس الحبوب التي كانوا يتغذون عليها، وقد تعاقبت على القرية منذ الآلاف من السنين العديد من الحضارات الإنسانية كالأنباط فالرومان والعرب الغساسنة، ثم الاحتلال البيزنطي إلى أن دخلها العرب المسلمون عند الفتح العربي للشام، وهي بقسمها القديم قرية مهجورة الآن، لا يسكنها أحد، وكانت لذلك مسرحا مميزا لتصوير أحداث المسلسل، فكانت بحق موقعا مميزا لتصوير مسلسل يجمع الخيال بالحقيقة.
وقدّم المسلسل حكاية نسوة في قرية، تحمل في مجتمعها العديد من التناقضات والمشاكل، تتعرض لمخاطر خارجية، ما يضطر الرجال إلى الذهاب في رحلة محفوفة بالمخاطر للدفاع عنها، ولا يبق في القرية إلا الشيخ والقس والقليل من الشبان، بحيث صارت معظم النساء وحيدات، وصرن في موقع المسؤولية بشكل مباشر وواضح وغير مسبوق، فعليهنّ حماية الأرض والشجر والرزق وحماية أنفسهنّ من هجمات المسلحين الذين يحوطون بالمكان كذلك، فتنجح هؤلاء النسوة بتكاتفهنّ في أن يصنعن هذا النجاح الذي يرغبن في الوصول إليه.
وإلى جانب هذا الخط الواقعي في العمل، يقدّم المسلسل أيضا خطا أسطوريا، يتضافر مع تلك الأحداث ليغدو في حالة تداخل معه، فالأسطورة تقول بأن هناك كنزا ما في هذه القرية، لا يمكن الوصول إليه إلا بتحقّق اثنتي عشرة علامة ما تلبث أن تبدأ بالتحقّق واحدة إثر الأخرى، وسط حالة ذهول من فقدان الرجال واحدا تلو الآخر في ذات الأزمنة
والعمل لا يقوم على حكاية فرد، بل هو حكاية مجتمعية كاملة، بعلاقاته الموروثة التي تشكل ذاكرته الجمعية، والتي تحمل بدورها في طياتها بذور الخلاف والصراع بين المؤنث والمذكر، وكذلك بين الأسطورة والخيال، من خلال علاقة الإنسان بالأرض، ويخص بمحاور أساسية فيه المرأة التي يعطيها دورا هاما في رسم تفاصيل الحياة، مبينا قوتها في تجاوز المصاعب التي تواجهها وبأسها في محاربة ظروف الخوف والعزلة، حتى تحقيق غاياتها في بناء حياة تمتلك فيها كل فرص السلام والاستمرار.
وعملت كاتبة النص ديانا كمال الدين والمخرج نجدة أنزور على صياغة مسلسلهما بطريقة جديدة عن طريق وضع المرأة في حالة افتراضية، يمكن تأصيل وجودها الافتراضي هذا على واقع حياتي حقيقي تعيشه المرأة السورية الآن في سوريا، وسط حالة اجتماعية موروثة غير مستقرة وغير عادلة، زادتها سنوات الحرب تشويها، فصار وضع المرأة فيه أشد قسوة وقمعا على حياة وحقوق المرأة عامة.
وفي الجانب البصري يذهب أنزور إلى أماكن افتقدناها في العديد من أعماله الأخيرة، وهي ثيمة اللغة البصرية الخاصة التي تقدّم الكثير من الحالات الرمزية سواء في طريقة التصوير أو خيارات اللون أو طريقة بناء الفضاء السينوغرافي كاملا في العمل، وهذا ما قدّمت فيه جهودا كاتبة النص أيضا، كما تخبر شارة العمل.
ويعود أنزور من خلال هذا المسلسل إلى قلاعه الفنية القديمة في تكوين جماليات بصرية هادئة ورصينة فيها من تفاصيل المكان واللون والديكور ما يترك انطباعات جيدة لدى المتلقي، ودليل ذلك ما قدّمه بعض الجمهور من آراء مثمنة للعمل أثناء عرضه وغداته أيضا.
وشاركت في لعب أدوار البطولة في “وحدن” كل من نادين خوري وأمانة والي وهناء نصور وسحر فوزي ومرح جبر وسوسن ميخائيل ورهام عزيز ورباب مرهج ولوريس قزق ورشا رستم ولمى الحكيم ورشا بلال وتماضر غانم ورنا العضم وغيرهنّ، كما شارك في الأدوار الذكورية العديد من الفنانين، منهم سليم صبري وفايز قزق وجهاد الزغبي ويوسف المقبل وعامر علي ولجين إسماعيل ومجد فضة ومروان أبوشاهين وكنان العشعوش وهشام كفارنة.