خيال واسع..

من منّا هي الأجمل

"المخلوقة التي تظهر في المرآة جميلة يا سيدتي، لكنها ليست أنتِ!"

نهى الصراف

تذكّرني بعض وجوه النساء اللاتي خابت معهن عمليات التجميل ولم تصب الهدف المباشر، بحادثة قديمة لمجموعة من المعارضين السريين في إحدى بلدان العالم الثالث، الذين كانوا يقضون الليالي في نقش شعاراتهم ضد الحكومة على جدران المدينة سرّا وحين يأتي الصباح، تستثار الأجهزة الأمنية في حملات مسعورة في محاولة لشطب هذه الكتابات وملاحقة أصحابها.

ولأنه لم يكن من المعقول أن يقوموا بهدم كل جدران المدينة، أصبح خيار طلاء الكتابات باللون الأسود هو الأكثر ترجيحا، لكن بعض وكلاء الأمن كانوا أشدّ غضباً من غيرهم وهم يحاولون شطب الكلمات التي تدينهم، فعمدوا إلى الضغط على الفرشاة للتعتيم على حروف الكلمات حرفا حرفا بطريقة الشخبطة، وهكذا ظهرت النتيجة مخزية ومضحكة تماما؛ حيث ازدادت الحروف وضوحا ومعنى بسبب التركيز على عملية الشطب!

وهذا ما يحدث أغلب الظن، فعملية تجميل فاشلة تتبعها عمليات ترقيع متعددة بهدف إصلاح الخطأ الأول فالثاني لا تجني منها صاحبتها سوى الخيبة، في حين تنجح بعض عمليات شدّ بشرة الوجه لسيدة مسنّة (نسبيا)، لكن المشهد لا يستطيع الصمود طويلا إذا ما تم تطبيقه على جسد مجعّد أكل الدهر عليه وشرب.

أما تصغير الشفاه المبالغ فيه مع وجود أنف جبّار وعيون لا يمكن تمييزها إلا بالمجهر، فهذه هي الخدعة التي تفقد صاحبتها توازنها ووقارها أيضا.

تطالعني بين الحين والآخر، وجوه مقعرة، شفاه منفوخة وجلود مشدودة بشكل غريب، كمحصلة نهائية لعملية تجميل وجه أفسده الدهر أو الذوق، لا فرق. عمليات التجميل المبالغ فيها، خاصة للفنانات أصبحت حديث المجتمعات النسوية بين مؤيدة ومعارضة، فأما المعارضات فتميل بعضهن إلى خيار انتقاد شخصي في محاولة للنيل من صاحبة الوجه المتحوّل، في فعل مشابه لفعل الثعلب الذي حاول يوما أن يصل إلى عنقود العنب المتدلي فلم يسعفه الحظ وقال عنه قولته الشهيرة “مؤكد، أن هذا العنب حامض!”.

ما يهمني أكثر، أن بعض وجهات النظر المعارضة قد تأتي من باب الثقة بالنفس والاعتداد بالذات؛ فالسيدات اللاتي مازلن يحتفظن ببريق شخصياتهن التي تغطي على تجاعيد الزمن ومعاوله التي حفرت وديانا من الأسى في وجوههن، يؤمنّ بأن الجوهر أهم بكثير من المظهر وأن عمليات تجميل الوجه لا تخفي بالضرورة قباحة الداخل، فالمرأة في نظرهن أكثر أهمية من مجرد مخلوق مظهري يقضي حياته في حصد إعجاب أفراد المجتمع وإرضاء غرور بعض الرجال الذين لا يجدون فيها سوى مظهر جميل وفارغ.

في الواقع، كل ما تراه من الشخصية المتجمّلة إذا ما قابلتها في الشارع أو شاهدتها على شاشة التلفزيون، ما هو إلا خيالها ثم بقايا من شخصيتها المعدّلة لتناسب الشكل الجديد وقد يشمل التغيير لغة النطق والحروف، التي تجاهد للفرار من مخارج تعرضت للهدم وإعادة البناء والتلصيق والتقوير والنفخ، حينها ستشعر بعدم الراحة والضيق وكأنك تتبادل الحديث مع كائن فضائي.

عدا أن المرآة التي تنظر فيها صاحبة الوجه المتحول كل ثانية من الوقت وكأنها الملكة الساحرة في قصة الأميرة “قطر الندى”، ستتغير ردودها قليلا لتتناسب مع الحكاية الجديدة؛ حين تسألها صاحبتنا: يا مرآتي.. يا مرآتي، من هي الأجمل في المدينة؟”.

فترد عليها المرآة “المخلوقة التي تظهر في المرآة جميلة يا سيدتي، لكنها ليست أنتِ!”.