الرسام فاشل في درس تشريح الجسد..

فن سيزان وحظه السيء

"ترى كيف تكون رساما حديثا من غير الاعتراف بسيزان رساما عظيما"؟

فاروق يوسف

من سوء الحظ أن الصدفة كانت تضع أمامي نماذج من البشر، ما كان من الممكن أن التقيهم لولا النقد الفني، تلك مهنة لها جانبها السيء الذي يعكّر المزاج ويضفي شيئا من الكآبة على الأفكار.

لقد التقيت رسامين يتّبعون الأساليب الحديثة في الرسم من غير أن يعرفوا شيئا عن جذور تلك الأساليب، الدوافع التي تقف وراءها والنتائج التي انتهت إليها عالميا.

سرياليون لا يعرفون مَن هو أندريه بريتون، تجريديون يجهلون لماذا صار الرسم تجريديا؟ وما المسافة التي تفصل بين كاندنسكي وموندريان؟ وهو ما يصحّ على مختلف الاتجاهات الفنية التي صار رسامون عرب يقلدونها من غير أن يتعبوا أنفسهم قليلا في الاقتراب منها معرفيا.

ذات مرة قرأت سطورا لفنان عربي يقيم منذ أربعين سنة في برلين، يندب فيها حظه الذي جعله يعيش حتى اللحظة التي يرى فيها عملا تافها، هو “الصرخة” لفنان نرويجي مغمور، حسب قوله، هو إدفارد مونخ يُباع بملايين الدولارات.

كما أن هناك فنانا عربيا يظهر استغرابه من اهتمامي بفن الفرنسي بول سيزان، مصرّا بثقة ويقين مطلقين على أن ذلك الرسام فاشل في درس تشريح الجسد البشري.

وإذا ما ركنت الأول جانبا، ذلك لأنه مسكين لا يعرف شيئا من تاريخ الفن الحديث، فإن الثاني إذ يستعرض جهله بأبهة استثنائية إنما هو ظاهرة تدعو إلى الإحباط واليأس، كان عليه أن يتروّى قليلا وهو يواجه سيزان الذي يلقب بأب الحداثة الفنية في القرن العشرين، غير أنه لم يجد ضرورة لذلك، لم يطرأ على ذهنه سؤال من نوع “ترى كيف تكون رساما حديثا من غير الاعتراف بسيزان رساما عظيما؟”.

لقد غيّر ابن الجنوب الفرنسي وصديق إميل زولا تأريخ الرسم في العالم من خلال نظرياته التي استبدل من خلالها المنظور التقليدي بعناصر ووحدات هندسية، وهو ما ترك أثرا عميقا في ولادة الفن الحديث، في مواجهة ذلك النوع من الجهل المتغطرس لا يملك المرء سوى أن يتألم.