تراجع مستوى الأعمال المصرية..

الدراما المصرية تتوقف عن التجريب وترفض المغامرة

التكرار أصاب ياسر جلال في مقتل

سارة محمد

تؤكد الدروس المستفادة من الدراما التي عرضت مؤخرا، أن مسار التجريب والمغامرة من قبل صناعه لم يعد محل حماس، كما كان المشهد من قبل، فما قدّم  خلال رمضان المنقضي يدور في فلك القالب التقليدي، وبعض ما يتمّ الإعداد له حاليا قد لا يخرج عن الإطار النمطي، في حين تحاول الدراما في دول عربية عدة، طرق أبواب التجديد لجذب شريحة عريضة من الجمهور، بما يمكنها من مواجهة التحديات التي تزايدت عقب التقدم التكنولوجي، والميل إلى ناحية توظيفه لخدمة الدراما

اتسمت الدراما المصرية في السنوات الأخيرة بمحاولة تقديم أنماط مختلفة من عمل إلى آخر، إلّا أن الموسم الرمضاني الأخير كشف عن تراجع في مستوى الأعمال المقدّمة، وإخفاق واضح في مسار التجريب لدى صناع الأعمال وأبطالها، رغم محاولات البعض تجاوز تجارب درامية سابقة.

أخذت المسألة شكل الاستسهال، وهو ما أصاب عددا من كتّاب الأعمال الدرامية، فقد ذهبوا إلى نموذج واحد استغرقوا في تفاصيله، ما جعله مملا، كشخصية رجل الشرطة التي قدّمت في أكثر من عمل مثل “كلبش 2” و”نسر الصعيد”، و”أمر واقع”، وكان الاعتماد الأساسي هو تقديم حيوات مختلفة لصاحبها، فضلا عن بعض الأعمال التي كان فيها الشرطي يسير بالتوازي إلى جانب البطل، كما ظهر في مسلسلات “طايع” و”رحيم” و”عوالم خفية”.

بعيدا عن المنطق

اختار صناع تلك الأعمال الاعتماد على هذه الشخصية، باعتبارها تحظى بشعبية ونسب مشاهدة عالية، لأنها تساير ما تخوضها أجهزة الأمن المصرية من حرب في الواقع لمكافحة العناصر الإرهابية، كما أنها مفعمة بمشاهد الأكشن التي جاء أغلبها غير منطقي، وحتى هذه اللحظة لم يحك التاريخ عن وجود نموذج لرجل شرطة خارق يستقبل رصاصات في مناطق مختلفة من جسده ثم ينهض ويرفع سلاحه في وجه أسلحة العدو الثقيلة، ويستمر في البقاء على قيد الحياة.

وبدا التعظيم لنموذج الشرطي الذي لا يخطئ في عمله، يشير إلى رغبة صانعي الدراما في تقديم جرعة زائدة لمشاهد الأكشن دون صياغة حبكة درامية تناسب تقديم المشاهد التي تستهدف التباهي بنسب المشاهدة عبر اليوتيوب، بين كل فنان وآخر، دون أن تكون هناك محاولات للتجريب وتقديم ضابط شرطة فاسد أو مضطرب نفسيا، وكان هذا النموذج الأكثر استحقاقا للتناول، ناهيك عن الكثير من النماذج المجتمعية وأصحاب المهن الأخرى التي تستحقّ الوقوف عندها.

نجاح العمل الدرامي يتوقف على ما يطرح من قضايا وقدرة على التجديد، والمرتعشون يواجهون مصيرا مجهولا

ولم يتوقف الاعتماد على أنماط درامية بعينها عند تكرار صناع الأعمال لنموذج الشرطي، بل أصبحت ثيمة الاعتماد على مسلسلات النوعية الإسبانية موضة الدراما المصرية، مع أن هناك اجتهادات لتمصيرها ومنحها طابع المرحلة الزمنية للفترة التي تدور فيها الأحداث، إلّا أنها كشفت عن مأزق يتمثل في عدم الاجتهاد لصناعة قصص رومانسية تجذب المشاهد.

ويأتي هذا ليؤكد أن كتّاب الأعمال الدرامية أسقطوا حسابات الدراما الرومانسية من ذاكرتهم ولم يعودوا قادرين على صناعة مثل هذه القصص بتطورها في الوقت الحاضر، وباتوا يهربون إلى الرومانسية القديمة المستحقة في أزمنة منصرمة، مثل مسلسل “ليالي أوجيني” الذي لم يكن النموذج الأول في الأعمال المُمصرة، وسبقه مسلسل “طريقي”، و”جراند أوتيل”، و”حلاوة الدنيا”.

وضمن سياق الحديث عن تجنب المغامرة، يمكن القول إن بعض المؤلفين، أصبحت معظم أعمالهم مقتبسة من روايات، وآخرها للسيناريست مريم ناعوم في مسلسل “أبوعمر المصري” المقتبس من روايتي “مقتل فخرالدين” و”أبوعمر المصري” للكاتب عزالدين شكري فشير، وكذلك في مسلسلات مثل “واحة الغروب” الذي شاركت بكتابة نصف أحداثه عن رواية تحمل الاسم نفسه للأديب بهاء طاهر، ومسلسل “ذات” للأديب صنع الله إبراهيم. ورغم وجود تجربة واحدة مختلفة عن مجتمع الرواية في مشوار مريم نعوم الدرامي، مثل مسلسل “سقوط حر” الذي قامت بتأليفه وقد شاركها فيه السيناريست وائل حمدي، ومسلسل “تحت السيطرة” الذي قامت بكتابة السيناريو والحوار له، في حين كانت القصة لمخرجه تامر محسن، تبقى نعوم محصورة في العمل الروائي المسيطر الأكبر على تجربتها الفنية.

استثمار النجاح

بات الخوف من التجريب سمة أساسية لدى الكثير من الفنانين، فلم تحقق محاولات الفنان عادل إمام في الهروب من تقديم أعمال نمطية النجاح المستحق، وبدا في مسلسله الأخير “عوالم خفية” الذي ابتعد فيه عن الكوميديا وارتكز على مناقشة قضايا سياسية نمطيا، ولم تفلح محاولته تجديد الدماء بالاعتماد على مؤلفين شباب في تسويق دوره كصحافي خارق للعادة، يتولى حل جميع الأزمات المجتمعية.

 ولأن تجربة التغيير لدى عادل إمام، لم تحقق المرجو منها، يتجه في تعاقده على مسلسله الجديد القادم، إلى الابتعاد عن السياسة والتركيز على الكوميديا فقط، مؤكدا أنه “أغلق باب المغامرة في أعماله المقبلة”.

ويغلق استثمار نجاحات سابقة وأدوار بعينها، الباب أمام تجريب بعض الفنانين في خطواتهم الأولى نحو البطولة المطلقة، مثل ياسر جلال الذي اعتمد على ثيمة “الأكشن” والمطاردات في تجربته الثانية في مسلسل “رحيم”، مستغلا نجاحها في مسلسله “ظل الرئيس”، لكن بتوسع في دراما الأكشن، أسوة بزملائه الذين شاركوه الماراثون الرمضاني، مثل أمير كرارة. ومع أن ياسر جلال يملك تركيبة فنية ناضجة تسمح له بالانتظار والترقب والبحث عن موضوعات مختلفة، إلاّ أنه فضل الاستمرار في منطقة “الأمان” بالنسبة إلى المشاهدة الجماهيرية.

وهو ما حصل مع الفنانة غادة عبدالرازق التي تراجعت خطوات كبيرة إلى الخلف في مسلسلها “ضد مجهول” نظرا إلى استسلامها لنموذج الميلودراما الدائم في أعمالها المحملة بمشاهد الحزن والبكاء، ما جعلها أسيرة لهذا القالب الذي ظهر جليا في أعمالها الأخيرة.

وفي رأي البعض من النقاد، هناك نجوم يفضّلون الاستمرار في منطقة الأمان، منهم الفنان محمد هنيدي الذي تصدر بمسلسله “أرض النفاق” المأخوذ عن رواية الأديب يوسف السباعي قائمة أفضل الأعمال الكوميدية للعام الحالي، ما جعله يقرّر تقديم جزء ثان منه، دون الخوض في تجربة كوميدية جديدة قد يحيط بها عدم النجاح.

ولم تأت الدراما المصرية في الآونة الأخيرة بتجارب مكتملة ضمن مشروع درامي ناجح، لكنها قدّمت بعض النماذج والعناصر الجيدة على مستوى الصورة وفناني الأدوار المساعدة وبعض الوجوه الصاعدة، وتبقى أزمة انعدام تنويع الأنماط المقدّمة وخشية صناع الأعمال والنجوم من التجريب هي المأزق الكبير الذي يحتاج إلى إعادة النظر.