علاقة عكسية..

ما تبقى من حلم

حلم

علي باعوضة

علاقة الأحلام بأعمارنا عكسية
نكبر نحنُ وتتضاءل هي وحتى جودتها ونوعيتها تقل كثيرا ً .

أطفالا ً كنا نرسمها بكل ثقة ٍ على كُراساتنا ، أسرّة نومنا وربما على مقاعد الدراسة أحيانا ً بدافع الشغف والحماس والبراءة لا بدافع التخريب.

في كلِ مرةٍ يدخل فيها مدرس اللغة العربية وبعد إنتهاء الدرس يعزفُ على مسامعنا سؤاله المُعتاد الذي لا نمل تكراره : ماذا تودون أن تكونوا في المستقبل ؟

تخفق القلوب فرحا ً وتبتهج النفوس وتَرى لمعان السعادة برّاقا في أعين الجميع.

يقفُ كل طالبٍ بفخر ٍ وثقة ليقول حُلمه أمام الجميع فَتسمع ذاكَ يقولُ سأكونُ طبيا ً والآخر ينوي أن يصبح مهندسا ً وتَرى الصحفي ، المحامي ، الطيّار ، القاضي ، الإداري والشرطي كُلهم يقولون أحلامهم وكأنهم يعيشونها واقعا ً ، وبعد أن يغادر المدرس الفصل تسمع الأحاديث المليئة بالطموح والبراءة ، سعيد : أين ستكون عيادتك ؟ محسن : في أي شركة ٍ تود أن تعمل كمهندس محلية أم خارجية ؟ ناصر : من أول من ستسجنه عندما تصبح شرطيا ؟ ههه ، علي : في أي قناة سود تذيع لنا نشرة الأخبار ؟... ولا يُسكتهم سوىَ صوت الجرس الذي يأذن ببدء حصة أُخرى .

بريئين كُنَّا نَرى الحياة واسعة وجميلة بقدر البراءة التي تسكن أعماقنا ، فما الذي حول تلك الأحلام إلى تعاسة وشقاء ؟

كُلما تقدمنا في العُمر ،تضيق بنا الأحلام وتتلاشى ، ونتمنى لو أن نبقى أطفالا ً مدى العُمر لكي تبقى الأحلام تراودنا وتغمرنا بالسعادة في كل حين .

كبرنا أكثر وأختفت الأحلام لدى البعض ،وتكاد أن تختفي عن البعض الآخر ،

عندما بدأت الأحلام تغادرنا لم تفعل ذلك هي فقط !! غادرنا الفرح ،غادرتنا السعادة ، غادرتنا الثقة ،غادرنا الأمل ،

الأحلام للقلوب كالأكسجين للرئة إذا إنقطعت يموت سُكان القلب المذكورين آنفا ً ،

كبرنا وأكتشفنا أننا لا نكبر بمرور الأعوام ولكن بمرور الحمقى ، العابثون ، تُجار الحروب الذين بدورهم يُرغمون الأحلام على الرحيل .

كبرنا وأكتشفنا ونحنُ في سن الشباب أننا لسنا شبابا ً ولكن كهول بهيئةِ شباب ، فالأحلام للإنسان كالماء للشجرة لا يُهم عمرها ومتى زرعتها ولكن ما يهم هو أن تسقيها كل يوم وما دمت تسقيها ستظل خضراء منتجة ، ونحنُ كالأشجار لا نذبل ونشيخ بمرور السنوات ولكن بإنقطاع الأحلام ،حتى الأطفال اليوم كُهولا ً على هيئةِ أطفال بعد أن سُلبت أحلامهم وأحلامنا جميعا ً.

كبرنا أكثر ولم يعد لنا حُلم في هذه ِ البلاد سوى حُلمٌ واحد
لم نعد نريد سوى حُلم السلام
فهل ستصحو ضمائركم أيها العابثون وتدعونا نظفر بما تبقى لنا من حُلم ؟