رحلة الكائن البشري..

"زو".. قصة حب في زمن الذكاء الصناعي

عاطفة لا تفرق بين البشري والروبوتي

طاهر علوان

تطرح ثيمة الاندماج بين البشري والروبوتي في سينما الخيال العلمي شكلا ومحتوى دراميين مختلفين، قائمين على السجال بين الكائنين، فتارة يكون الكائن الروبوتي النصف بشري في خدمة الإنسان، وأخرى يكون ندا له ويتم بناء الدراما الفيلمية على الصراع بين الاثنين.

وهذا النوع من الدراما في سينما الخيال العلمي ما لبث أن تطور لإيجاد موضوعات أخرى تتم معالجتها، ومن ذلك الروبوت الأنثى التي ستكون تارة قوة قاتلة وأخرى مجرد وجود وظيفي مكمل.

وسنستذكر هنا أفلاما من هذا النوع مثل “دميتي الحية” (إنتاج 1964)، و”عالم غربي” (1973)، و”زوجات ستيبفورد” (1975)، و”عالم مستقبلي” (1976) و”حواء التدمير” (1991)، و”حب كامل” (2001)، و”أنا روبوت” (2004)، و”سيرنتي” (2005)، و”سيبورغ هي” (2008)، و”حب الأندرويد” (2009)، و”أوتوماتا” (2014)، و”إكس ماشينا” (2015)، و”شبح في القوقعة” (2017) وغيرها من الأفلام.

وفي الفيلم الجديد “زو” للمخرج دارك دوريموس (إنتاج 2018)، تتم مقاربة ثيمة المرأة الروبوت، ولكن من زوايا متعددة تقّربها من الأنثى البشرية بفضل الذكاء الصناعي. وتقوم قصة الفيلم على الأبحاث والنتائج التي يتوصل إليها كول (الممثل إيوان مكريكور) في إنتاج نسخ روبوتية تضاهي البشر من ناحية شحنها بخبرات ومشاعر وذكريات تقربها من السوية البشرية، وها هو ينجح في نموذجه الأول آش (الممثل ثيو جيمس)، لكن إنجازه الأهم هو المرأة الروبوت زو (الممثلة ليا سيدو).

تعيش كائنات كول الروبوتية حياتها اليومية بشكل طبيعي ولا يبدر منها شيء يدل على أنها كائنات ليست بشرية، لولا كشفه الحقيقة عندما تحاول زو التقرب منه ليخبرها بحقيقة كونها ليست إنسانا، وأن المشاعر التي تتملكها ليست إلاّ نتاج برمجة رقمية متطورة.

وخلال ذلك نعود إلى علاقة كول بطليقته إيما (الممثلة رشيدة جونز) وابنه الصغير، إذ يبدو بات كول بعد أن انفصل عنها يعاني من فراغ نفسي وعاطفي، بينما انشغلت إيما بحياة جديدة، ويبدو أن كل ذلك سيدفعه إلى علاقة تتطور بالتدريج مع زو.

هنا ثمّة مقاربة مختلفة في هذا النوع من أفلام الخيال العلمي في ما يتعلق بالروبوت الأنثى، وكنا شاهدناها في الأفلام التي أشرنا إليها في مطلع المقالة، وسنختار منها الفيلم المعروف “إيكس ماشينا” والذي سبق أيضا ونشرنا عنه قراءة نقدية في حينه.

ففي كلا الفيلمين نحن أمام المشاعر الأنثوية الطبيعية التي تميل فيها المرأة للرجل أو تعبر عن حاجتها له، وواقعيا يجد كول أن نموذجه الروبوتي قد تطور بشكل تلقائي، فعلاوة على المظهر الأنثوي الجذاب لزو، فإنها تذهب إلى ما هو أبعد من ذلك في التعبير عن أنوثتها ومشاعرها الحميمية.

وبالنسبة لكول يكمن الهدف في تقديم نموذجه المبتكر في أحد المعارض العالمية للذكاء الصناعي، وبالفعل يقدّم آش الذي يذهل جمهور المعرض والذي يظن أنه بشري ليكتشفوا أنه ليس إلاّ كائنا روبوتيا.

ولا تتعدى خطوط السرد هذه المسارات التي تتعلق بالذات والعاطفة التي تنمو بين الرجل والأنثى الروبوت، بل يتعمق هذا الخط السردي مفصحا عن شخصية إشكالية لم تعد تجد في البشر المماثلين لها ملاذا وحاضنة عاطفية وتجدها عوضا عن ذلك لدى الروبوت.

الرومانسية التي طبعت المعالجة الفيلمية يبدو أنها مضت بعيدا وصار الفراق المعتاد يتمثل في خلل في برمجة الأنثى الروبوتية، وخلال ذلك يجري تقديم سلسلة مشاهد مفعمة بالأسئلة الذاتية والوجودية تطرحها زو على مبتكرها وحبيبها كول.

الفيلم عن باحث ومطور في الذكاء الصناعي يبتكر امرأة روبوت،  فتعوضه عن حب بشري افتقده، أو هكذا كان يتمنى

وما عدا هذا الخط السردي الأساسي لم يتم بث حبكات ثانوية بما فيه الكفاية لتصعيد الدراما الفيلمية، ما عدا حادثة دهس سيارة عابرة لزو وقيام كول بإجراء ما يشبه العملية الجراحية لإصلاح العطب الذي أصابها.

وتميز الفيلم بتنوع على الصعيد المكاني وتطوير الشخصيات وزجها في الدراما الفيلمية حتى يكون الجميع مأخوذين إلى تطور ذلك النموذج المتطور من ثمار الذكاء الصناعي.

والانتقالات المكانية في الفيلم، لم تكن إلاّ تأكيدا على أن زو كائن طبيعي حتى يكشف كول أنها ليست كذلك، ممّا يشكل صدمة بالنسبة لها وهو مشهد فيه الكثير من الإسراف والمبالغة بزعم أن ذلك النموذج قد وصل إلى درجة عالية من التطور حتى صار يضاهي البشر.

ومن جهة أخرى، وبعيدا عن إقناعنا بين ما هو بشري وغير بشري، فإن المشاهد التي امتدت زمنيا على مساحة نصف الفيلم تقريبا، والتي أظهرت علاقة زو مع كول، لم تكن مختلفة عن أي علاقة بين اثنين من البشر، المواعدة، الرومانسية الطافحة، الولع الشخصي وكأن كول يخدع نفسه مصدقا أنه قد عاش حبا حقيقيا وجد فيه ما ينقصه