قامة الفكر والشعر النبطي..

فتاة العرب في ذمة الله

الشاعرة عوشة بنت خليفة السويدي رحمها الله

فاطمة السري

في ليلةٍ سرمدية غاب فيها القمر، غاب عنا في دولة الإمارات العربية المتحدة فرع من فروع الشجرة الوارفة التي تظللُ الدولة بأغصانها من كل حدبٍ وصوب، الشاعرة عوشة بنت خليفة السويدي رحمها الله، رمز من رموز الدولة وقامة الفكر والشعر النبطي والغزلي والوطني وغير ذلك.

تتجلى عوشة في ساحة الشعر في دولة الإمارات، والتي ترددت أشعارها من المحيط إلى الخليج، وتصدر حضورها في مشاركة المرأة الإماراتية لبناء المجتمع عبر مختلف الأدوار.. إنها شاعرة الرعيل الأول، وقد اشتهرت في السابق بلقب «فتاة الخليج»، وفي العام 1989 أرسل إليها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، ديواناً شعرياً، كتب في أولى صفحاته، أبياتاً شعرية حملت لقباً جديداً لها وهو «فتاة العرب». حيث أهدى لها سموه نسخة من ديوانه وقال:

أمثالكم في واسع الشعر ميدان مثل الصحاري في فيافي رغدها

مثل الجواهر صافياتٍ بالألوان ومن جد في نظم المثايل وجدها

فتاة العرب وانتوا لها خير عنوان ومن غيركم باقصد معاني نشدها

كان لهذه الأبيات وقع كبير ومهم عليها، حيث تؤكد الاعتراف بشاعريتها وإشاعة الروح الثقافية في المحيط، فردت على سموه قائلة:

بك الأدب والفكر والشعر يزدان وأنت القوافي لي اختلت سندها

تعطي البيان اللي تكلمت تبيان فصح المعاني ماهر في سددها

وبدلت باسمي لي سبق خير عنوان فتاة العرب وافت حظوظي سعدها

بعد أن تلقت عوشة هذه الأبيات، لبت الطلب، وتغير اللقب، وغدا اسم «فتاة العرب» أشهر من (نار على علم) في الوسطين المحلي والخليجي. لم تكن لتحظى الشاعرة عوشة بنت خليفة السويدي بلقب «فتاة العرب»، الذي أطلقه عليها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، لولا إسهاماتها الشعرية المميزة، التي قدمتها في زمن كانت فيها المرأة لا يزال يحكمها كثير من المعوقات والظروف والأعراف.

الدكتورة رفيعة غباش، مؤسِّسة متحف المرأة، تلخص لنا بعض جوانب شخصية عوشة بنت خليفة السويدي «فتاة العرب»، باعتبارها من الموثقين لحياة الشاعرة عبر كتاب من تأليفها، خصوصاً وأن الشاعرة ظلت حاضرة في ذهنها كنخلة باسقة يتساقط من فمها رطب الكلمات.

الدكتورة رفيعة غباش عرّجت في حديثها على نشأة الشاعرة وطفولتها، فهي كما تقول من مواليد إمارة أبوظبي عام 1920، وجدّها أحمد بن خلف العتيبة، أما جدتها فهي آمنة بنت سلطان بن مجرن «خالة الشيخة لطيفة بنت حمدان آل نهيان»، وقد عاشت الشاعرة حياة يتيمة بوفاة والدتها في وقت مبكر، فتزوج والدها في وقت لاحق. ويعد أحمد بن خليفة السويدي وزير الخارجية الأسبق، أحد أهم الرجال المساهمين في بناء الاتحاد، وهو شقيقها من الأب.

بعد زواج والدها، لم تشعر الشاعرة بحالة اليتم تلك، لأن زوجة والدها منحتها دفقاً من حنان الأم ووهبتها عطفاً لا يحصى، لذلك فقد خصتها بالذكر في آخر قصيدة نظمتها (الغفران)، وقالت غباش إن الشاعرة تزوجت ابن عمها الذي توفي في سن مبكرة، وأنجبت منه ابنتها حمدة، التي كانت مثالاً استثنائياً للبر والعطاء، وقد تزوجت ابنتها رجل الأعمال المعروف خلف الحبتور، وحباهما الله بإنجاب البنين والبنات عاشت في الحل والترحال ما بين العين ودبي وأبوظبي.

أرخ المرحوم الشاعر حمد خليفة بو شهاب لفتاة العرب وكتب ديواناً وأسماه «ديوان الشاعرة فتاة العرب».

قال عنها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آلِ مكتوم «إن فتاة العرب مثال للأم الاستثنائية التي لم يكن تأثيرها على أبنائها فقط، بل تعدى ذلك ليطال كافة أبناء الوطن بأدبها وحكمتها وشعرها»، إلى جنة الخلد يا أم حمدة.