الدولار يرتفع والإسترليني ينخفض..

تباين السياسات النقدية مستمر في إرباك الأسواق

تباين السياسات النقدية مستمر في إرباك الأسواق

وكالات (لندن)

يبدو أن الأسواق العالمية تعتقد أن مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) جاهز لرفع أسعار الفائدة في اجتماعه المقبل في سبتمبر (أيلول) المقبل؛ ولكن ليس من المؤكد حصول الرفع الرابع الذي كثر الحديث عنه، في ديسمبر (كانون الأول).
ومن أجل التوصل إلى ذلك القرار، سيراقب واضعو السياسات الأميركيون النشاط الاقتصادي خلال النصف الثاني من السنة، بما في ذلك العواقب المحتملة الناجمة عن تصاعد الحرب التجارية، وتطور الظروف المالية، وربما أيضا التطورات السياسية المرتبطة بانتخابات منتصف المدة.
ويبلغ احتمال رفع أسعار الفائدة في ديسمبر حاليا 60 في المائة، وفقاً لتقرير صادر عن إدارة الخزينة في بنك الكويت الوطني.
وأشار التقرير إلى أنه في حين أبرز مجلس الاحتياط الفيدرالي قوة توسع الاقتصاد الأميركي إلى جانب التضخم الذي يراوح قريبا من النسبة المستهدفة البالغة 2 في المائة، فقد أبقى أسعار الفائدة على حالها الأسبوع الماضي في تحرك كان متوقعا بشكل واسع.
وسجل مؤشر مصروفات الاستهلاك الشخصي، المعروف بشكل واسع بأنه مقياس التضخم المفضل لدى مجلس الاحتياط الفيدرالي، 1.9 في المائة للشهر الثالث على التوالي الأسبوع الماضي. وبالإضافة إلى ذلك، أشار البنك المركزي الأميركي إلى نيته البقاء على مساره في رفع أسعار الفائدة في سبتمبر، ليستمر في ابتعاده عن التحفيز الذي تم العمل به خلال الكساد الذي أعقب اندلاع الأزمة المالية في 2007 - 2008.
وفي هذه الأثناء، سجل الدولار مكاسب قوية بتلقيه دعما طوال الأسبوع الماضي. وقد تعززت التوقعات برفع أسعار الفائدة في سبتمبر من جانب المجلس الفيدرالي، وعدم اليقين الذي سبّبه تصاعد النزاع التجاري بين أميركا والصين، والاضطرابات الناتجة عن مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، كلها كانت عوامل أدت إلى ارتفاع الدولار بنسبة 8 في المائة عن أدنى مستوى له هذه السنة في فبراير (شباط) الماضي.

بيانات العمل
وسجّل الاقتصاد الأميركي أبطأ وتيرة توظيف له في أربعة أشهر مع تباطؤ نمو الوظائف بأكثر مما كان متوقعا في يوليو (تموز) الماضي... ومع ذلك، إذا ما احتاج المجلس الفيدرالي إلى المزيد من التبريرات لرفع سعر الفائدة في سبتمبر، يمكنه أن يشير إلى تراجع البطالة.
فقد أفاد مكتب إحصاءات العمل بأن معدل البطالة تراجع بمقدار 0.1 نقطة مئوية (من 4 في المائة إلى 3.9 في المائة) في يوليو، حتى مع دخول المزيد من الأفراد في القوة العاملة في إشارة إلى ثقة في توقعات الوظائف. ولا تزال البيانات ترسم صورة قوية بوضوح لسوق العمل المحلية، الذي أشار المجلس الفيدرالي إليه الأسبوع الماضي كجزء من استمرار توسع الاقتصاد الأميركي وكعامل رئيسي في سبب ترجيح استمرار رفعه أسعار الفائدة هذه السنة.

مخزونات الخام
وارتفعت أسعار النفط في نهاية الأسبوع بعد وقوعها تحت الضغط. فقد عانت أسعار البترول طوال الأسبوع نتيجة ارتفاع مفاجئ في مخزونات الخام الأميركي. وإضافة إلى ذلك، زادت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب الأمر اضطرابا باقتراحها رفع الرسوم على ما قيمته 200 مليار دولار أميركي من الواردات الصينية. ومع ذلك، ارتفعت أسعار النفط عن أدنى مستوى لها في ستة أسابيع بعد تقارير جديدة تفيد بتراجع الخام الأميركي وكذلك استمرار عدم اليقين المرتبط بالنفط الإيراني. وأخيرا، أنهت أسعار خام برنت الأسبوع عند 73.21 دولارا.

بنك إنجلترا
في بريطانيا، وبعد تهيئة الأسواق لإعلان رفع أسعار الفائدة، مضى بنك إنجلترا (المركزي البريطاني) قدما بثاني رفع له لأسعار الفائدة منذ اندلاع الأزمة. ولحق البنك المركزي بالبنوك المركزية الرئيسة الأخرى (باستثناء بنك اليابان)، مع النية بتحويل الاتجاه بعد سنوات من سياسات فترة التحفيز. وقال محافظ بنك إنجلترا، مارك كارني، إن خفض البنك لسعر الفائدة منذ سنتين، عقب التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، قد نجح ولكن الوقت الآن هو للتركيز على ترويض التضخم بدلا من دعم نمو الوظائف... وبرّر كارني القرار بأكثر من ذلك، قائلا إن «التوظيف بلغ مستوى قياسيا، وهناك قدرة إضافية محدودة، والأجور الحقيقية ترتفع والضغوطات السعرية الخارجية تتراجع».
ومع ذلك، وعلى الرغم من أن التصويت لصالح رفع أسعار الفائدة كان بإجماع أصوات واضعي السياسة، شكك بعض الاقتصاديين بالقرار، فيما خص توقيت الرفع، وما إذا كان من الملائم في وقت تكتسب فيه الحرب التجارية زخما. ولكن كان من الأكثر وضوحا أن يوم خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (مارس 2019) سيقع في أقل من ثمانية أشهر، وظروف وقوعه الوشيك غير واضحة إطلاقا. ويدّعي من يعارضون قرار بنك إنجلترا أنه لا يوجد سبب يرغم البنك على رفع تكلفة الاقتراض في بريطانيا، ولكن هناك بالتأكيد سبب وجيه للتريّث.
وبالحديث عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، اصطدمت المفاوضات بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي بعائق آخر الأسبوع الماضي. وقال كارني إنه يوجد خطر «مرتفع بشكل غير مريح» في حال عدم حصول اتفاق على الخروج. وأضاف أيضا أن خروج بريطانيا عشوائيا من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق سيكون أمرا «غير مرغوب فيه بشكل كبير»، وأن كلا الطرفين «يجب أن يفعل كل ما بوسعه لتجنبه».
وأدت مشكلات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إلى جانب أن بنك إنجلترا ليس في عجلة من أمره للإعلان عن الرفع المقبل، إلى تراجع الجنيه الإسترليني إلى ما دون 1.030، ليقترب بذلك من أدنى مستوى له في سنة.
السندات اليابانية
في هذه الأثناء في آسيا، كان أداء عوائد السندات الحكومية اليابانية متقلبا خلال الأسبوعين الماضيين. وبدأ ذلك حين نما إلى علم المستثمرين أن تقريرا لـ«رويترز» ألمح إلى تحرك بنك اليابان نحو خفض تدريجي لبرنامج التحفيز النقدي بالتوافق مع البنوك المركزية الرئيسة الأخرى. وبالنتيجة، سارع المستثمرون المتوتّرون إلى بيع السندات الحكومية اليابانية، ليرتفع بذلك عائد هذه السندات. وتبعت ذلك بشكل معد موجة من عمليات البيع عبر أسواق السندات العالمية، التي اتجه إليها المستثمرون اليابانيون في السنوات الأخيرة في محاولة للهروب من العوائد «المتواضعة جدا» المتوفرة محليا.
وبسبب الوتيرة التي ارتفعت فيها عوائد السندات الحكومية اليابانية، تدخّل بنك اليابان ثلاث مرات بعرض نادر لشراء كميات غير محدودة من السندات ذات مدة عشر سنوات بعد أن بلغت العوائد أعلى مستوى لها في 18 شهرا.
لكن على عكس التقارير السابقة، تحدّى بنك اليابان المركزي التوقعات فيما أوضح أنه لن ينضم إلى البنوك المركزية الرئيسة الأخرى في خفض سياسات تحفيز مرحلة الأزمة. وأعطى البنك أيضا توجيها لسياسته المستقبلية لأسعار الفائدة للمرة الأولى، قائلا إن المستويات المتدنية جدا ستبقى «لفترة ممتدة من الزمن». وقال محافظ بنك اليابان، هاروهيكو كورودا، في مؤتمر صحافي في طوكيو إن «ذلك سيعكس مسار التكهنات تماما بين بعض المشاركين في الأسواق الذين يقولون إن البنك يتجه نحو خروج مبكر أو رفع لأسعار الفائدة».
وبشكل أذهل المراقبين، انخفضت عوائد سندات الحكومة اليابانية في بادئ الأمر بنسبة 50 في المائة بعد الإعلان، ثم شرعت في الارتفاع بنسبة 160 في المائة في غضون ساعات حيث تغيرت معنويات السوق.
وفي سوق العملات الأجنبية، شهد الين حصته العادلة من التقلبات أيضاً، حيث خسر 0.35 في المائة من قيمته مقابل الدولار.