قانون الدفاع الأميركي يصنف قناة الجزيرة كـ"عميل أجنبي"

واشنطن تكافح "غزو" الجزيرة لمؤسساتها الحيوية

مكتب القناة يتحول لشركة علاقات عامة مهمتها اختراق الطبقة السياسية

العرب

وضع القرار الأميركي بإدراج قناة الجزيرة على قائمة العملاء الأجانب، لأنها مملوكة لدولة، وليست مستقلة، قناة الجزيرة ومعها قطر في مأزق، حيث تقيد هذه الوضعية من عمل الجزيرة التي تبين أن عدد مراسليها لتغطية شؤون الكونغرس يفوق عدد صحافيي نيويورك تايمز وواشنطن بوسط مجتمعتين، الأمر الذي أثار الريبة وقاد إلى متابعة دقيقة أفضت إلى أن مكتب قناة الجزيرة في واشنطن هو أقرب إلى "شركة علاقات عامة تعمل لصالح دولة قطر" في الولايات المتحدة منه مكتب تابع لوسيلة إعلام أجنبية.

أدرج الكونغرس مادة في قانون الدفاع الأميركي، الذي صادق عليه الرئيس دونالد ترامب، تجبر قناة الجزيرة القطرية على أن تسجل نفسها كـ”عميل أجنبي” في وزارة العدل، وهو ما يضع قيودا كبيرة على حركة عدد كبير من مراسليها وموظفيها الذين يتمتعون بحرية حركة واسعة في المؤسسات والوكالات الفيدرالية الأميركية.

وتلزم المادة الجديدة وسائل الإعلام الأجنبية بتقديم حساب عن ميزانيتها وتحركاتها وأهدافها التي تسعى أن تصل إليها في واشنطن، وهو ما يحوّل عمل وسائل الإعلام الأجنبية في نظر السلطات الأميركية إلى الطبيعة السياسية أكثر من التعامل معها باعتبارها مؤسسات إعلامية.

"العميل الأجنبي" هو شخص أو مكتب يحمل صفة قانونية ويعمل لصالح إحدى الدول أو الجهات الأجنبية نظير مقابل مادي. ويشمل عمل “العميل الأجنبي” في أغلب الأحيان العلاقات العامة والسعي لإقناع سياسيين مؤثرين ومسؤولين كبار بضرورة وضع مصالح الدولة الأجنبية التي يعمل هذا الشخص أو المكتب لصالحها في الاعتبار عند اتخاذ القرارات.

وعمل “العميل الأجنبي” أيضا مع المنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام، سعيا لتحسين صورة الجهة التي يعمل لصالحها. وتنص مادة “متطلبات الشفافية لوسائل الإعلام الأجنبية العاملة في الولايات المتحدة” رقم 1085 في قانون الدفاع الجديد على أنه “يكون على وسائل الإعلام الأجنبية تقديم تقرير كل ستة أشهر يشمل معلومات عن تكوينها الهيكلي ومصادر تمويلها، وبعدها يتعين عليها أن تنشر هذا التقرير إلى العلن خلال 30 يوما”.

وتتسق النظرة الجديدة مع تركيبة مكتب الجزيرة في واشنطن. ووفقا لإدارة الكونغرس، كان هناك 175 موظفا تابعا لمكتب الجزيرة كان لديهم تصريح الدخول إلى مبنى الكونغرس وتغطية أحداثه عام 2016. ويفوق هذا العدد مراسلي أكبر الصحف الأميركية على الإطلاق. وفي عام 2016، كان لدى واشنطن بوست 111 موظفا في الكونغرس، كما كان لدى صحيفة نيويورك تايمز 43 موظفا فقط.

ويقول خبراء أميركيون إن عدد موظفي قناة الجزيرة في أكثر مؤسسة سياسية أميركية نفوذا يتخطى حيز العمل الإعلامي. ويحول ذلك مكتب قناة الجزيرة في واشنطن إلى “شركة علاقات عامة تعمل لصالح دولة قطر” في الولايات المتحدة.

وتنتشر أستوديوهات ومكاتب الجزيرة في الولايات المتحدة بشكل يثير الريبة. ولدى الجزيرة مكاتب في واشنطن ونيويورك وشيكاغو وميامي ولوس أنجلس.

ويعكس ذلك تمتع الجزيرة في الولايات المتحدة بميزانية تفوق حاجز الميزانيات الضرورية لتشغيل مكتب مراسلين في الولايات المتحدة. ويقع المقر الرئيسي لقنوات الجزيرة العربية والإنكليزية في العاصمة القطرية الدوحة.

ومؤخرا، طالبت وزارة العدل الأميركية مكتب قناة “أر.تي” الروسية بتسجيل نفسها كـ”عميل أجنبي”. وبنت وزارة العدل طلبها على خلفية الاتهامات بتدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية الأميركية.

أصبح يوتيوب في الولايات المتحدة ملزما اليوم بأن يضع إشارة تحت كل شريط مصور ينشره يثبت مصادر تمويل الجهة التي قامت بإنتاجه. وبناء على ذلك أصبحت كل فيديوهات قناة الجزيرة على يوتيوب مصحوبة بعبارة “الجزيرة تتلقى دعما ماليا كليا أو جزئيا من قبل الحكومة القطرية”. وكانت شبكة الجزيرة تملك قناة متخصصة في الشأن الأميركي المحلي أطلقت عليها “الجزيرة أميركا”. وعملت القناة لفترة لم تتجاوز الثلاثة أعوام فقط.

وفي يناير 2016، أعلنت “الجزيرة أميركا” إغلاق أبوابها بشكل نهائي. ومنذ انطلاقها عام 2013، واجهت صعوبات في اجتذاب المشاهدين الأميركيين بسبب تاريخها في الشرق الأوسط، حيث كانت القناة تبث تسجيلات فيديو لزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، ويقول بعض المحافظين إنها كانت معادية للغرب.

ومع ذلك لم تغير قنوات الجزيرة من سياستها التحريرية، رغم مقاطعة فرضتها السعودية والإمارات ومصر والبحرين على قطر، وطالبت خلالها بإغلاق الجزيرة، واتهمتها بنشر مواد تحرض على الإرهاب، وبدعم التنظيمات المتطرفة في المنطقة.

ويقول منتدى الشرق الأوسط في واشنطن إن لديه تحفظات تمتد لسنوات حول دعم الحكومة القطرية للإسلام السياسي. وقال المنتدى، وهو مركز بحثي مهتم بشؤون المنطقة، إن بحثا أجراه أشار إلى أن “مؤسسة قطر” أنفقت 30 مليون دولار أميركي لكسب النفوذ في المدارس العمومية الأميركية.

ولطالما كان منتدى الشرق الأوسط من أكثر المنتقدين للجزيرة، التي وصفها بأنها “مشروع سياسي يتخفى خلف الصحافة”. وأرسل المنتدى ممثلين عنه لزيارة العشرات من المكاتب داخل مبنى الكونغرس للتحذير من أن قانون الدفاع الجديد يجب أن يركز على عمل الجزيرة.

وقال رئيس منتدى الشرق الأوسط دانيال بايبس “في الوقت الذي تقبع فيه قطر تحت وطأة مقاطعة من قبل عدد من حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، فإن الشعب الأميركي في حاجة لكي يدرك تفاصيل الأنشطة التي تقوم بها ذراعها الإعلامية هنا”.

وأكد المدير التنفيذي غريك رومان أن “الجزيرة لديها عدد مراسلين لتغطية شؤون الكونغرس أكثر من مجمل عدد صحافيي نيويورك تايمز وواشنطن بوسط مجتمعين، وهذا يوضح أن شيئا ما يحدث يتخطى الصحافة”. وأضاف “مع المزيد من الشفافية سيتم الكشف تدريجيا عن النوايا الحقيقية للحكومة القطرية”.

ومنذ المقاطعة، أنفقت قطر الملايين من الدولارات على شركات علاقات عامة وممثلين لها في واشنطن، كما حاولت استقطاب الجالية اليهودية في واشنطن من أجل تغيير قناعات إدارة الرئيس دونالد ترامب بضرورة دعم قطر في مواجهتها مع الرباعي العربي.