استثمارات كبيرة..

تقرير: قطر تهدف لشراء موقف الحكومة الألمانية

استعدادات قطر لتنظيم المونديال زادت من حجم الطلب على الخبرات والمواد الألمانية

محمد جبر الريفي
واشنطن

سعت قطر للتوجه إلى حلفاء أبعد، بعد أن قطعت المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات والبحرين ومصر علاقاتها بها، واتهمتها بدعم جماعات "إرهابية" والتقارب مع إيران وزعزعة الاستقرار في المنطقة. وكان النصيب الأكبر لألمانيا في مجال زيادة حجم العلاقات التجارية حيث كانت ثالث أكبر الشركاء التجاريين لقطر بعد الولايات المتحدة والصين.

لكن هناك من يذهب إلى أنه ورغم المواقف المؤيدة لقطر في الأزمة الخليجية، لكن العامل الأهم في ذلك هو طغيان المصالح الاقتصادية، كما الحال بالنسبة للعلاقات مع السعودية، وهو ما جعل برلين تحاول مسك العصا من المنتصف، وأداء دور "المصلح" قدر الإمكان. أشار سباستيان زونس، الخبير في العلاقات الألمانية السعودية إلى أن ثمة "استثمارات كبيرة من القطريين والسعوديين في ألمانيا، لذلك فإنّ من مصلحة برلين إيجاد تعاون بين هاتين الدولتين".


زيارة أمير قطر الأخيرة إلى برلين

توجه تميم بن حمد آل ثاني امير قطر إلى العاصمة الألمانية برلين؛ في سبتمبر 2018 وذلك في زيارة عمل إلى جمهورية ألمانيا الاتحادية، يبحث خلالها، مع القادة والمسؤولين الألمان، سبل تعزيز العلاقات الثنائية كما شارك المستشارة ميركل، في افتتاح "منتدى قطر وألمانيا للأعمال والاستثمار"، الذي انعقد بالعاصمة الألمانية، في نسخته التاسعة

تعتبر هذه الزيارة الثالثة لتميم إلى ألمانيا، منذ اندلاع "أزمة الخليج" وقطع العلاقات بين قطر وكل من السعودية ومصر والإمارات والبحرين، في 5 يونيو 2017؛ بدعوى دعم الدوحة للإرهاب، وهو ما نفته باستمرار.

تعددت زيارات تميم بن حمد، لمدينة ميونخ الألمانية، حيث زارها في 15 فبراير2018 للمشاركة في الدورة الـ54 لـ"مؤتمر ميونيخ للأمن"، وكذلك في منتصف سبتمبر 2017، وأجرى مباحثات مع المستشارة ميركل وعدد من المسؤولين الألمان.

استثمارات بــ 10 مليارات

قال أمير قطر -خلال كلمة مشتركة مع المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل في افتتاح "منتدى قطر ـ ألمانيا للأعمال والاستثمار في برلين- إن بلاده ستنفذ استثمارات مباشرة بعشرة مليارات يورو (11.64 مليار دولار) في ألمانيا خلال السنوات الخمس المقبلة. كما أضاف أن قطاع الطاقة القطري يوفر فرص تعاون كبيرة مع ألمانيا التي تعد أكبر اقتصاد في أوروبا.
أردف تميم قائلا: "تعبيرا عن ثقتنا في قوة الاقتصاد الألماني وبأهميته والاستثمار فيه، أعلن عن عزم دولة قطر ضخ استثمارات بقيمة 10 مليارات يورو في الاقتصاد الألماني في السنوات الخمس المقبلة لتكون إضافة أخرى للاستثماراتنا الناجحة في ألمانيا"، بحسب "رويترز".

ومن جانبها قالت المستشارة الألمانية ميركل -التي تحدثت خلال المؤتمر- إنها ترحب بالاستثمارات القطرية.

ذكر موقع الإذاعة الألمانية في تحليل له كتبه الدكتور إبراهيم محمد، أن زيارة الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد رافقتها ضجة في وسائل إعلام قطرية وألمانية بالحديث عن استثمارات قطرية جديدة ستُضخ في الاقتصاد الألماني بمبالغ كبيرة وصل إلى احد تصوير بعضها الوضع ،وكأن هذا الاقتصاد الذي يحتل المرتبة الرابعة عالميًا بناتج محلي يزيد على 4212 مليار دولار ينتظر هذه الاستثمارات بفارغ الصبر.

أصبحت قطر حاليًا في مقدمة المستثمرين العرب في ألمانيا، رغم أن أقدم الاستثمارات العربية في الشركات الألمانية تعود إلى الكويت، التي تستثمر في أسهم شركة (مرسيدس) منذ سبعينيات القرن الماضي.

وفي حديث للخبير في الشؤون الألمانية عارف حجاج، يقول: "إن الاستثمارات الجديدة تعبّر عن تجانس في المصالح بين البلدين، مؤكدًا أن المشاريع الجديدة ليست ناتجة عن رومانسية بين الطرفين، لكنها قائمة على المصالح المشتركة، (..)". وأضاف قائلًا: ’إن الاستثمارات الضخمة في ألمانيا من قبل قطر هي بمنزلة "رد جميل" إلى برلين بسبب موقفها من قطر‘.

العلاقات التجارية بين برلين وقطر

شهد حجم التجارة بين برلين وقطر زيادة وصلت إلى المثلين، لتصل إلى نحو 2.8 مليار يورو، لكن الحجم تراجع قليلا في عام 2017. يُقدّر حجم الاستثمارات القطرية في الشركات الألمانية بحدود 25 مليار يورو، أكثر من نصفها في شركة «فولكسفاجن» لصناعة السيارات، وحوالي ربعها في مصرف دويتشه بنك ولكن في السنوات الماضية تعرضت استثمارات قطر في مؤسسات صناعية أو مالية لخسائر ومنها في أكبر البنوك الدائنة دويتشه بنك الذي يواجه مشاكل.

وأكد الخبراء أنه إذا قورنت قطر بدول عربية أغنى منها، في مقدمتها السعودية والإمارات، فإن الاستثمارات القطرية في ألمانيا أكبر بكثير من مثيلاتها من هذين البلدين. وذكرت صحيفة هاندلسبلات المختصة بالأعمال إن الدوحة مهتمة بشكل خاص بالاستثمار في الشركات الصغيرة والمتوسطة التي يطلق عليها "ميتلستاند".

يقول الباحث الألماني سباستيان زونس في العلاقات الألمانية السعودية إنه وبشكل عام ترتكز العلاقات السعودية-الألمانية على شراكة اقتصادية وثيقة وتعاون آخذ في التزايد بين أجهزة استخبارات البلدين في الحرب على الإرهاب. وهذان الجانبان في العلاقات سيستمران. وعلى أي حال يأمل ولي العهد، محمد بن سلمان، بأن تدعم ألمانيا وتتعاطف مع سياسته الإصلاحية.

أبرز الصفقات التجارية بين البلدين

شراء قطر8 .5 بالمئة من أسهم مصرف "دويتشه بنك " لتدعم قطر كمستثمر رئيسي، مساعي المصرف لتجميع المليارات ووضع حد للشكوك حول رأس ماله.

نجحت قطر عام 2009 في شراء حصة نسبتها 17 بالمئة من شركة "فولكس فاجن" الشهيرة للسيارات، لتصبح بذلك ثالث أكبر مستثمر في أكبر شركة مصنعة للسيارات في أوروبا.

أعلنت شركة "هوختيف" للبناء عام 2010، عن شراء قطر لنسبة 9.1 بالمئة من أسهمها. الصفة القطرية أنقذت الشركة من استحواذ غير مرغوب فيه من شركة إسبانية.

استعدادات قطر لتنظيم المونديال زادت من حجم الطلب على الخبرات والمواد الألمانية إذ فازت العديد من الشركات بعقود لجهيز منشآت رياضية ومشروعات بنية تحتية.

فازت شركة السكك الحديدية الألمانية (دويتشه بان) بعقد بناء شبكة سكك حديدية في قطر بقيمة 17 مليار يورو.

تعاونت قطر مع شركة "إس إيه بي" لتكنولوجيا المعلومات لتطوير الأنظمة التجارية الرئيسية كما تشارك الشركة في مشروع بواحة قطر للعلوم والتكنولوجيا.

فإذا أخذنا الصادرات الألمانية إلى قطر فإن حجمها بلغ في أعوام 2015 و2016 و2017 على التوالي 2.2، و2.5، و2.1 مليار يورو. أما حجم هذه الصادرات إلى الإمارات فبلغ على التوالي 14.6 و14.5 و11 مليار يورو. وتعد الإمارات أهم مركز للشركات الألمانية في الشرق الأوسط؛ إذ تنشط فيها ومنها أكثر من 1000 شركة. وبالنسبة إلى السعودية فإن قيمة الصادرات الألمانية بلغت على التوالي 12 و7.3 و6.6 مليار يورو حسب نشرة مؤسسة التجارة الخارجية الألمانية.

أعادت السعودية سفيرها لدى ألمانيا، الأمير خالد بن بندر بن سلطان بن عبدالعزيز، إلى مقر عمله في العاصمة برلين، وذلك بعد أن تمت تسوية الأزمة السياسية بين البلدين مطلع شهر أكتوبر 2018. وتسببت الأزمة الدبلوماسية في إلحاق الضرر في العلاقات الاقتصادية بين البلدين واشتكت الشركات الألمانية مؤخرا من تراجع الطلبيات الاقتصادية التي حصلت عليها الشركات الألمانية من السعودية بسبب توتر العلاقات. وطالبت السعودية آنذاك باعتذار ألماني عن هذه التصريحات حيث أعربت بالتحديد عن "بالغ أسفها" بشأن "سوء الفهم" الذي تسبب في تصريحات وزير الخارجية الألماني.

الخلاصة

يمكن قراءة زيارة أمير قطر مؤخرا، والثالثة إلى برلين في غضون أقل من سنة ونصف ووعوده باستثمار 10 مليارات جديدة في الاقتصاد الألماني بأن كانت تحمل طابعًا سياسيًا للتعويض عن جزء مهم من خسائر عدد من الشركات الألمانية في السوقين السعودي والإماراتي. لكن بات متوقعا، أن ميزان التبادل الخارجي الى ألمانيا مع قطر سوف يشهد تحولا، لصالح المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية، في أعقاب عود العلاقات بين البلدين بمستواها الطبيعي، وعودة سفير المملكة إلى برلين، وإعادة إطلاق صفقات الأسلحة إلى الرياض تسعى ألمانيا إلى الابتعاد عن الشأن الداخلي الخليجي، وتحاول أن تقف على مسافة واحدة من أطراف الخلاف، خاصة أن وضع الائتلاف الألماني الحاكم الآن يشهد تصدعات كثيرة، وهناك رهان، بأن هذا الائتلاف لن يستمر كثيرا، بسبب الخلافات الداخلية بين الأطراف التي تعصف بهذا الائتلاف من الداخل.