"الهلال الشيعي" وراء الحرب الأهلية اليمنية..

ترجمة: العلاقة بين “جحيم اليمن” و”طموحات إيران”

حوثيون في شمال اليمن

واشنطن

جميعنا نعرف اليمن، لكننا لا نعرف عنها. الغالبية العظمى من الناس يسمعون بحجم المعاناة المأساوية والأزمة الإنسانية اللتين حجبتا النظر عما هو أبعد من الألم في اليمن. علينا أن نزيل هذا الغموض، وأن نتعمق في تفاصيل الأسباب الحقيقية الكامنة وراء أسوأ كارثة إنسانية في وقتنا الحاضر.

كل ما يعرفه الغربيون العاديون عبر وسائل الإعلام هو أن بعض الأشخاص يسموّن “الحوثيون” يتمردون على الحكومة اليمنية، وأن تحالفًا عربيًا بقيادة السعودية يقصف هذه الجماعة بمساعدة المملكة المتحدة والولايات المتحدة. وقد اعتقد البعض، إثر التضليل الإعلامي الممارس من قبل فئة محددة من المنافذ الإعلامية، أن القصف الجوي تسبب ببؤس بين الأطفال اليمينيين. ولكن الحقائق على الأرض مغايرة تمامًا.

إن الفتنة داخل اليمن ليست جديدة؛ فقد ظلت البلاد منطقة نزاع شبه دائم حتى قبل الحرب الأهلية في الستينيات. وحتى بعد توحيد شمال اليمن وجنوبه عام 1990، تواصلت الخصومات في ظل حكم علي عبد الله صالح. في عام 2011، أجبرت الاحتجاجات صالح على الاستقالة، ليحل محله عبد ربه منصور هادي. ومع ذلك، استمر صالح في استخدام السلطة من وراء الكواليس، وحافظ على ولاء الكثير من القوات المسلحة. وفي عام 2014، أسس صالح تحالفًا مع جماعة الحوثي، التي تسيطر على ميليشيات مسلحة متمردة.

لقد تدخل التحالف العربي في اليمن بناء على طلب من الحكومة الشرعية اليمنية، بغرض طرد الحوثيين الذين استولوا على أجزاء واسعة من البلاد. ولكن بسبب الخسائر والأضرار الناتجة عن الحرب، تبنى الحوثيون رواية “حركة شعبية معارضة، ضحية للقمع السياسي والديني من قبل أناس يحاولون سرقة مكانها الشرعي في النظام السياسي اليمني”، بمساعدة أجهزة إعلامية موالية للنهج الحوثي.

ولكن أيادي الحوثيين غير نظيفة بكل تأكيد، ولا بد من دراسة أصول المجموعة. تأسست جماعة الحوثي في التسعينيات باعتبارها حركة شيعية تحارب التأثير السني، وتستهدف المملكة العربية السعودية على وجه الخصوص. منذ إنشائها، سعت الحركة إلى إحياء العمامة الشيعية لتحكم البلاد دون امتلاك أي أفق سياسي حقيقي لليمينيين. لم يعرف الحوثيون آفاقًا سياسية يمنية سوى أيديولوجية دينية نابعة من طهران، وقد بدا ذلك جليًا سواء من خلال شعاراتهم المتكررة أو ممارساتهم العدائية.

لقد استولى الحوثيون على أجزاء من البلاد خارج مناطقهم الشمالية، كما استولوا على العاصمة صنعاء بالقوة العسكرية. في عام 2015، نفذ الحوثيون انقلابًا على الحكومة اليمنية الشرعية بمساعدة القوات الموالية لصالح.

في الحقيقة، ليس لليمن أهمية اقتصادية أو إستراتيجية كبيرة تستدعي إراقة دماء وإنفاق هائل من قبل دول لا يهمها سوى الديمقراطية. إن هدف التحالف العربي الوحيد في اليمن هو إحباط طموحات إيران ليس أكثر، التي ينفذها وكيل طهران في البلاد – الحوثي.

يتمثل الهدف الجيوسياسي الإيراني في تشكيل “هلال شيعي” يهيمن عليه الإيرانيون، ويخلق جسرًا أرضيًا عبر الشرق الأوسط، من إيران واليمن والعراق وسوريا ولبنان إلى البحر المتوسط. هكذا “مشروع” من شأنه أن يمنح إيران كتلة نفوذ إلى الشمال من المملكة العربية السعودية السنية.

عند قراءة الصورة الشاملة لتحركات إيران، سنجد أنها تحاول محاصرة السعودية بعملاء يسعون إلى السيطرة على كراسي الحكم في الدول المجاورة لها. من شأن صعود الحوثيين إلى السلطة في اليمن أن يمنح طهران نفوذًا وتأثيرًا في منطقة جنوب المملكة العربية السعودية. ومن الجدير ذكره أن إيران مولت كذلك عمليات تمرد شيعية في البحرين، التي تعتبرها “محافظة إيران الرابعة عشرة”.

جرى تصميم أساليب الحوثيين على غرار نموذج حزب الله اللبناني، بما يشابه الحركات الإرهابية في أميركا اللاتينية. ولكن من الملاحظ أن جماعة الحوثي افتقرت إلى انضباط الجماعات الإرهابية الأخرى؛ إذ أن هياكل القيادة فيها فوضوية، والنزاعات الداخلية فتكت بدوائرها، لا سيما بين الأجنحة العسكرية ورجال الدين.

هنالك أدلة موثوقة دامغة على أن الحوثيين قاموا بتعذيب وقتل صحفيين ونقاد، وسرقة إمدادات الإغاثة، واستخدام البنية التحتية المدنية لأغراض عسكرية، وكذلك اضطهاد الأقليات في البلاد.

يمكن فهم حقيقة الصراع اليمني من خلال هذه الصورة الأشمل، ولا يمكن إلقاء الملامة على الإمارات والسعودية اللتين كانتا ولا تزالا المانحتين الأكبر لليمن.

لقد تعثرت محادثات السلام المدعومة من الأمم المتحدة في أوائل أيلول/سبتمبر بسبب تغيب الحوثيين عن طاولة المفاوضات في جنيف. واليوم، من المفترض أن تجري محادثات سلام بشأن اليمن في ستوكهولم، لكن القليلين يتوقعون تحقيق أي شيء؛ نظرًا لأهداف الحوثيين غير المحصورة في الشأن اليمني.

المصدر