شخصية هلامية..

متحدث الحوثيين.. من بيع السجاد الإيراني إلى تجارة الدم

محمد عبد السلام

صنعاء

حاول محمد عبد السلام، المُتحدث باسم الحوثيين، التخفي عن الأعين لفترات طويلة بداية من ظهوره متحدثًا باسم الميليشيا الانقلابية في الحرب الرابعة عام 2007، التي اندلعت بين الدولة اليمنية والمُتمردين في محافظة صعدة (أقصى شمال اليمن) حتى فبراير 2010.

وخلال سنوات طويلة، لم يكشف عن شخصيته، ورغم مشاركته الإعلامية، فإنه كان يحرص أن تكون هذه المداخلات «صوتية» فقط، وهو النهج المخالف لكل قيادات الجماعة الحوثية، وهو الأمر الذي ساعده على عدم السقوط في يد سلطات الدولة، وهو ما حدث بالفعل بعدما أفلت من عمليات اعتقال تعرض لها وأطلق سراحه من دون أن تعرف الأجهزة الأمنية أنه الناطق الرسمي باسم الجماعة التي تخوض حربًا شرسة ضد الدولة في محافظة صعدة.

نشأته

لم يقتصر الغموضُ الذي يحيط بهذه الشخصية الهلامية على ذلك، بل إن الروايات تضاربت حول نسبه ونشأته، وأغلبها يؤكد أن «عبدالسلام صلاح أحمد عبدالله فليتة» – اسمه الحقيقي- ولد في قرية القلعة بمديرية رازح في محافظة صعدة، في بيت والده العالم والشاعر الذي هاجر إلى صعدة وأصبح أحد أكبر مُنظريها، وواحد من أبرز الزيدية المعاصرين، وقد أسهمت نشأة عبدالسلام في تكوينه الثقافي والفكري القائم على فكرة  «المظلومية»؛ حيث يعتقد أن هناك حقًا إلهيًّا تم سلبه من آل البيت «الهاشميين»، الذين فقدوا سلطتهم في حكم اليمن في السادس والعشرين من سبتمبر من العام 1962 إثر ثورة عارمة قادها عددٌ من ضباط الجيش اليمني آنذاك، حسب ما يرى المذهب الزيدي.

ولاء «عبد السلام» لإيران لم يقتصر على أجندتها السياسية فقط، إلا أن عمله بتجارة السجاد الإيراني، يكشف عشقه بالثقافة الإيرانية، وهو الأمر الذي يشير إلى مدى الولاء للمشروع الإيراني والإيمان به، وهو الأمر الذي يكشف العداء الكبير من «عبدالسلام» للدولة اليمنية التي تحاول تقويض المشروع الإيراني، وهو ما يفسر تخفيه الدائم للابتعاد عن أعين السلطات اليمنية خوفًا من الاعتقال أو أن يلحق أي أذى بعائلته.

جدل حول مقتله

شخصية «عبدالسلام» كانت مُثيرةً للجدل بعدما ترددت أنباءٌ عن مقتله أعلنها المتحدث الإعلامي الرسمي بوزارة الداخلية السعودية، اللواء منصور التركي، وثلاثة من معاونيه في غارات جوية على مسقط رأسه في قرية «القلعة» في جبل رازح.

وذكرت تقارير صحفية آنذاك أن طائرات سعودية شنت غارات مستهدفة المركز القيادي والإعلامي للحوثيين، الذي يديره المتحدث الإعلامي للمتمردين محمد عبدالسلام، الذي يكنّى بـ«أبو ياسر»، ما أدى إلى مقتله مع ثلاثة من معاونيه، وكالعادة التزم «عبدالسلام» الصمت أمام هذه الأنباء ولم يرد على نبأ مقتله، إلا أنه ظهر بعد ذلك بساعات في اتصال هاتفي مع قناة المنار التابعة لحزب الله اللبناني، وتُشير تقارير إلى أن دوائر استخباراتية سعودية ويمنية كانت تعلم أن محمد عبدالسلام هو ذاته عبدالسلام فليتة الذي أطلق الرئيس السابق علي عبدالله صالح سراحه قبيل استهدافه من قبل الطائرات الحربية السعودية.

الحوثيين

التخلي عن «التقية»

وفق عقيدة الحوثيين، فهم يستخدمون مبدأ التقية ما لم يكونوا أصحاب قوة، وهو مبدأ لا يقتصر على الحوثيين فقط، ولكنه يمتد إلى الشيعة بشكل عام، وبعد الثورة اليمنية في 2011 وبداية سيطرة الحوثيين بدعم إيراني، وجد «عبدالسلام» الفرصة سانحة للكشف عن هويته، بعد شعوره بالقوة والهيمنة، وكان أول ظهور علني له في لقاء تلفزيوني مصور في سبتمبر 2012 من خلال مقابلة مصورة بثّتها قناة المسيرة الحوثية الوليدة التي أشرف هو على تأسيسها، وذلك في الفترة التي كانت تسعى فيه ميليشيا الحوثي لمد نفوذها إلى خارج محافظة صعدة.

وظهر خلال مقابلته الأولى المصورة ليتحدث عن الشروط التي تريد الجماعة تطبيقها، وعلى الرغم من أنه خلال هذا الظهور أكد دعم جماعته لمؤتمر الحوار الوطني الشامل، فإن الجماعة انقلبت على هذا المؤتمر ورفضت التوقيع على مخرجاته، وحاول خلال المقابلة أيضًا أن يتبرأ من العلاقة مع إيران التي لم تكن ظهرت للعلن وقتها، وذلك قبل الاعترافات الإيرانية والحوثية والدولية بالدعم المباشر من طهران.

من تجارة «السجاد» إلى «الدم»

التجارة في السجاد الإيراني قادت «عبدالسلام» إلى تجارة «الدم»، وذلك لتبرير أفعال الميليشيا الحوثية التي تدين بالولاء التام لإيران، التي تسعى إلى تنفيذ أجندتها، حيث أصبح «عبدالسلام» يقود وفود «الحوثي» التفاوضية أمام وفود الحكومة الشرعية، وقاد وفد الجماعة إلى محادثات الكويت اليمنية عام 2016، وفي هذا الوقت حاول ممارسة «المظلومية»، داعيا دولة الكويت وقيادتها أن تلعب دورًا بارزًا في صناعة السلام باليمن، مطالبًا بوقف الحرب لتسهيل إجراء الحوار.

وكان من المقرر أن يقود «عبدالسلام» وفد الحوثي في مفاوضات جنيف التي كانت مقررة في شهر سبتمبر من العام الجاري، إلا أن الميليشيا الحوثية تعمدت إفشال المفاوضات، وذلك من خلال مراوغة الحوثي لتجميد مبادرات الأمم المتحدة لإفساح الطريق أمام فرص إنهاء الحرب فى اليمن؛ حيث امتنع الوفد  فى الساعات الأخيرة عن المشاركة فى مشاورات جنيف، وادعت الميليشيا أن سبب عدم خروجها من صنعاء يرجع لتعطل استخراج تصريح الطائرة التى ستقلهم.

ويقود «عبدالسلام»، وفد المفاوضات في المحادثات اليمنية المنعقدة حاليا في السويد، إلا أن الميليشيا لاتزال ترواغ لإفشال هذه المحادثات وعدم إتمام السلام؛ حيث كشفت تقارير أن الميليشيا زادت عدد أعضاء الوفد إلى 42 بدلًا من 17 وفق المتفق عليه، بينما التزمت الحكومة اليمنية الشرعية بأعضاء وفدها إلى المحادثات الذي بلغ 12 ممثلًا و5 أفراد «سكرتارية»، وهو ما يشير إلى أن عبد السلام يواصل مراوغته من أجل إفساد المشاورات لاستمرار مكاسبه من تجارة الدم.

المصدر