محاولات بائسة لا يمكن الركون إليها..

ماذا تريد المرأة من الرجل؟

انتفاضة نون النسوة

رابعة الختام

ما بين قلبي وقلبك مساحة شاسعة من التمني والاشتياق، الرغبة والاحتياج، الحب والجنون، الحقيقة القاتلة لكل محاولات التشكيك والظنون، ما بين روحي وروحك، أرواح كثيرة عابثة، ربما لا تعرف احتياجاتها ولا تدري كم يساوي العمر معيّة رجل يعرف كيف يحب، ومتى يشتاق، وكيف يغار ويعبّر عن غيرته.

الرجال أشكال وأنواع ولا يتفق رجلان في نفس الصفات، وهذه حقيقة ثابتة. والنساء أيضا أشكال وأصناف، لا تشترك اثنتين في صفة واحدة ولا يمكن القياس على رد فعل بعينه، حتى هؤلاء النسوة اللاتي أطلقن على أنفسهن نساء مستقلات لا يعتمدن على أحد، يختلفن في فروق فردية بالتأكيد. ووفقا للتصنيفات فهناك امرأة قوية بمواصفات رجل، ورجل متأنث لا يحمل من الرجولة غير صفة ذكر في خانة النوع في أوراقه الرسمية.

لكن تبقى الحقيقة التي لا تقبل مجالا للشك، وهي أن كافة النظريات التي تحاول إدخال الجنس البشري تحت تصنيفات صارمة، وتضع خطوطا محددة بين هذا وذاك، هي محاولات بائسة لا يمكن الركون إليها مع هذا المخلوق المتمرّد المسمى “إنسان”.

كثرت الأحاديث عن ماذا يريد الرجل من المرأة، كيف تسعدين زوجك، كيف تكونين الزوجة المثالية، الطريقة المثلى لكسب قلب الرجل، وغيرها الكثير من الموضوعات التي تهتم بمتطلبات الرجال دون النظر لاحتياجات النساء.

على الرغم من قناعاتي الراسخة بعدم جدوى توحيد تصنيف ما ينطبق على النساء أو الرجال على العموم، إلا أنني أعيب على تلك الترسانة الإعلامية والماكينة البحثية التي تقف بقوة خلف احتياجات الرجال وكأن الأبحاث الاجتماعية ودراسات علم النفس أصبحت في مجملها ذكورية بامتياز، وتمييزية ضد متطلبات النساء في عالم لا يعترف بنون النسوة.

حدثتني أربعينية حسناء فاتها قطار الزواج عن تذمّرها من نظرات العطف في أعين نساء العائلة وكلمات الشفقة التي يطلقنها في لحظات الصمت القاتل. أقسى كلمات النساء في أحاديثهن الجانبية تلك التي يتفوهن بها بلا أحرف، كلمات الوجع في لحظات السكات حارقة لمن يستطيع فك شيفرتها.

عالم نكتوي بذكورية أهله ليل نهار، لا نملك غير هز الرأس تصديقا على كلمات لا نؤمن بها ولا نستسيغ معانيها ولكنها الحقيقة في التعاطي مع مشكلات المرأة واحتياجاتها

كلهن يتحدثن عن رغبات الرجال ونوع المرأة التي يفضلون الزواج بها أو تلك التي ينفرون منها، كتالوج محدد يضعون معالمه بدقة وصرامة، ولكن ماذا عني أنا؟ ماذا عن رغباتي واحتياجاتي وقدرتي على العيش في معيّة رجل لا يشبهني؟

هل أصبحت أشبه في نظر النسوة، أو بعض المراكز البحثية، والدراسات الاجتماعية جهاز الكمبيوتر، أو مجرد غسالة كهربائية، عليهم بقراءة التعليمات للحصول على أفضل النتائج بغض النظر عن حاجة قلبي لحب يحميه من العثرات. وليس مجرد زوج ينتشلني من طابور العنوسة كما يصفونني، أرمل يبحث عن مربية مجانية لأطفاله، أو كهل يريد ممرضة تنظم له مواعيد الأدوية والعقاقير، أو مطلق باحث عن عروسة ماريونت لا مطالب لها سوى لاعب محترف يأخذها من مخازن الرفض إلى مجرد مرافق يمسك بخيوطها.

أتمنى لو أسعفتني شجاعتي لأهب محذّرة من النيل من كرامتي، لأقف صارخة في وجوههن الشائهة، الشائخة، الكريهة، البغيضة، المنتفخة بسواد النفس الطافح على ملامحهن، أصرخ بقول حاسم: لستُ مكبّا للنفايات، لن آخذ فضلات غيري لأصنع لنفسي حياة عرجاء بساق كسيحة فقط لأنال لقب زوجة مهما اشتهيته. لن أقبل بنصف رجل حتى لو لم أهنأ برجل مطلقا حتى النهاية.

لا ذنب لي سوى أنني أنثى في عالم يكفر باحتياجات النساء ورغبات النساء وآلامهن وأحلامهن. عالم نكتوي بذكورية أهله ليل نهار، لا نملك غير هز الرأس تصديقا على كلمات لا نؤمن بها ولا نستسيغ معانيها ولكنها الحقيقة في التعاطي مع مشكلات المرأة واحتياجاتها.

كم أشعر أنني ضعيفة، هشة بلا حضن يحميني منهن. أضم صوتي في مطلع العام الجديد لصوت كثيرات صارخات بمطلب جماعي عادل، بضرورة توجيه الدراسات والأبحاث والعيون الفاحصة والعقول الحصيفة، إلى ماذا تريد المرأة من الرجل؟