سينما الأمن القومي..

كيف تعمل السينما فى صناعة الدعاية الحربية؟

شجع البنتاغون على عسكرة صناعة السينما ويبحث عن نفوذ أكبر

واشنطن

كمؤلفين في مجال “سينما الأمن القومي”، أصبحنا نعرف على وجه اليقين بأن هناك أمرين شائعين: أولًا: أن الحكومة الأمريكية مهتمة حقًا بجعل الأفلام أكثر عسكرية. وثانيًا: أن هوليوود لا تنتج أي أفلام معارضة. وفي حين أن المعلومة الأولى صحيحة بالكامل، يمكن القول إن الثانية مقولة باطلة.

تشترك الحكومة في قطاع واسع من مشاريع صناعة الترفيه، من ألعاب الفيديو إلى غرف الدردشة إلى الأفلام الوثائقية والدرامية. وبينما تكون بعض هذه الأفلام بالأساس عسكرية، أي قبل دخول الحكومة، هناك تشجيعات من طرف البنتاغون (وزارة الدفاع) على عسكرة الحياة الثقافية، وهي تسعى إلى الوصول إلى مزيد من التأثير في هوليوود.

ولكن على كل حال، علينا أن نؤكد بأن الدعم الحكومي لا يشترط تحت أي ظرف عسكرة الأفلام في هوليوود. وحتى في مجال “سينما الأمن القومي”، لا يتطلب الأمر بالضرورة إشراك جهاز الأمن القومي بشكل فعلي في عملية الإنتاج.

 

سينما الأمن القومي المدعومة من الحكومة

هناك بعض الأمثلة المدهشة على ذلك؛ فمثلًا، كان فيلم “رامبو 3” (1988) يشيطن السوفييت في حرب أفغانستان، ويصور حلفاء الولايات المتحدة من المجاهدين الإسلاميين على أنهم أبطال، حتى لو كان ذلك غريبًا ولا يتماشى مع الصور النمطية عن العرب والمسلمين.

تتوافق هذه الفكرة مع أفكار أفلام أخرى جرى إنتاجها في تلك الفترة عن الموضوع نفسه، مثل فيلمي جيمس بوند “ذا ليفنج دايلايتس” (1987) و”حرب تشارلي ويلسون” (2007). ورغم أن فيلم رامبو 3 قد تلقى بعض الدعم التقني من وزارة الخارجية الأمريكية، إلا أن ذلك لم يؤثر على سيناريو الفيلم، الذي كان يعكس سياسة الحكومة الأمريكية بالأساس.

وبالطريقة ذاتها، أنتج فيلم “القناص الأمريكي” (2014) بدون دعم حكومي، رغم أنه كان يعتمد بالأساس على السيرة الذاتية للقناص العسكري الأمريكي كريس كايل. ولكن عندما جرى تقديم المشروع إلى الحكومة رفضت تمويله، بدون أن تقدم أي تعديلات على السيناريو.

من بين كل الأفلام التي ناقشتها وسائل الإعلام الأمريكية، كان فيلم القناص هو الأكثر تأثيرًا، إذ كان يصور شخصًا مريضًا نفسيًا على أنه بطل بحسن نية، رغم أن الفيلم جاء من هوليوود وليس من البنتاغون. ورغم أن الفيلم رفض من وزارة الدفاع، وانتقده كثير من النقاد السينمائيين والجمهور، إلا أنه رشح لـ6 جوائز أوسكار.

هناك كثير من الأمثلة على أفلام تناقش قضايا الشرق الأوسط والعلاقات الأمريكية مع إسرائيل والحرب في العراق والأسلحة النووية الإيرانية، كلها لم تحظ بدعم الحكومة.

 

ماذا عن الأفلام المعارضة؟

بالنسبة للأفلام المعارضة أو الراديكالية، فإن الصورة معقدة أكثر؛ فحتى الإنتاجات التي ترعاها الدولة تحتوي على مواد ساخرة أو ناقدة. فمثلًا، في فيلم “الرجل الحديدي”، يقوم بطل القصة بالحديث عن فساد عالم صناعة الأسلحة في الولايات المتحدة، ويلوم المجتمع الصناعي العسكري، رغم أن البنتاغون كان له “فيتو” على كل سطر من نص السيناريو. هذا الأمر تكرر في كثير من الأفلام، وصل الأمر في بعضها إلى تفاخر الدوائر الحكومية بالأفلام رغم أنها تقدم إدانة لها في بعض القضايا.

الجو العام لهذه الأفلام يكون مؤيدًا للحكومة، حتى لو اشتملت بعض المشاهد على ما يدين الحكومة. كانت هذه الإستراتيجية الدعائية أكثر تعقيدًا من الأفلام المباشرة التي روجت للصور الإيجابية حول الولايات المتحدة. ويقول البعض بأن احتواء هذه الأفلام على بعض المشاهد المعارضة للحكومة يخفي دعاية الدولة فيها بشكل فعال، ما يظهرها على أنها “تسلية سياسية” تقدم انتقادًا محدودًا للحكومة.

 

الأفلام غير المدعومة حكوميًا

خارج المجال المدعوم حكوميًا، تنتج هوليوود عددًا معقولًا من الأفلام التي تنتقد بشكل مباشر السياسات الحكومية، وليس فقط احتوائها على مشاهد عرضية داخل الأفلام المؤيدة.

لا تحظى هذه الأفلام بانتشار كبير في العادة لأسباب صناعية تتعلق بجودة الأفلام والتقنيات التي تستخدمها، على الأقل مقارنة بالأفلام التي تحصل على دعم تقني من الحكومة ومؤسساتها المختلفة.

 

هوليوود تشبه الكنسية

يمكن القول إن عالم هوليوود هو بشكل أو بآخر كنيسة واسعة عندما يتعلق الأمر بالسياسة. ويعني ذلك أن الهندسة المعمارية لهذا العالم هي هندسة قديمة، لها أسس قوية، لكنها ما تزال كنيسة. توجد معارضة لتوجهات الحكومة في هوليوود لكن عادة ما يجري تجاهلها، وأحيانًا معاقبتها لأسباب مختلفة.

هناك أساقفة يحتكرون الإنتاج، بمساعدة “كهنتهم” من رجال مؤسسات الأمن القومي، وهذا ما يسهم في تشكيل الدعاية عبر هذه الأفلام. أما جماهير السينما الحديثة فهم الجماعة التي تتلقى أمورًا ثابتة من قبيل المعجزات والكلام الغيبي.

نحن في “سينما الأمن القومي” نطالب دائمًا بضرورة إنتاج كمية أقل من الأفلام التي تناقش قضايا الأمن، ويمكن تحقيق ذلك من خلال قوة الجماهير. لدى الجمهور العام الكثير من القوة “بالتصويت بالفيتو” من خلال الأموال التي ينفقها كل فرد على الأفلام التي تناقش مثل تلك القضايا. نطالب الجماهير بالتوجه أكثر إلى الأفلام المعارضة التي تقدم نقدًا للسياسات الحكومية. سوف يجبر ذلك الصناعة على الاستجابة لمتطلبات السوق، وتحقيق انتشار أكبر للأفلام الأكثر نقدًا.

أما فيما يتعلق بالأفلام التي ترعاها الحكومة، فيجب اتخاذ أمرين:

1) يجب أن يكون الدعم الحكومي للأفلام السينمائية مفتوحًا بحكم القانون.

2) يجب أن تذكر الأفلام معلومات صريحة عن الجهات الداعمة، الأمر الذي سيضع نهاية لـ”تسلية الأمن القومي”، وسيدفع الجمهور إلى المعرفة أكثر حول الدعاية التي تصنعها هذه الأجهزة.

حتى تحقيق هذين الأمرين، سنستمر في العيش في كابوس عسكري صناعي يهدف إلى عسكرة عالم السينما.

المصدر