إنعاش المفاوضات بين الحكومة والحركات المسلحة..

محللون: قطر تبحث عن دور ملموس لها في السودان

مزيد توريط البشير

الخرطوم

تجري قطر مشاورات مع أطراف سودانية بهدف إنعاش المفاوضات بين الحكومة والحركات المسلحة غير الموقعة على وثيقة الدوحة للسلام في دارفور، في وقت فشل فيه الرئيس عمر حسن البشير في إيجاد حلول واقعية للحدّ من تصاعد التظاهرات في بلاده.

وقال السفير القطري في الخرطوم عبدالرحمن بن علي الكبيسي، السبت، إن الدوحة مستمرة في وساطتها لبذل المزيد من الجهود، كي يتحقق الأمن والاستقرار في دارفور، مشيرا إلى أنه “سيكون هناك توقيع سلام قريب والخروج بسلام شامل يحظى برضا ودعم الجميع″.

وتسعى الدوحة إلى تغيير الأولويات وحرف الأنظار بعيدا عن الاحتجاجات التي تتزايد في السودان منذ 19 ديسمبر الماضي، وتوحي بأنها تساعد الخرطوم سياسيا، ليظهر البشير كمن يعمل لأجل السلام، ويمارس مهامه بصورة طبيعية في جميع القضايا، وهو ما حرص عليه في جولاته الخارجية لكل من قطر ومصر والكويت المؤمل زيارتها قريبا.

وأعلن جمعة بشارة أرو وزير الإعلام السوداني، استعداد حكومة بلاده لاستئناف التفاوض مع الحركات المسلحة وفق وثيقة الدوحة.. وفي انتظار الدعوة إلى بدء المفاوضات مع حركات دارفور، لتكريس الانطباعات بأن الخرطوم لم تتأثر سلبا بالتطورات في الشارع.

وكان من المقرر انطلاق جولة مفاوضات بالدوحة في يناير الماضي بين الخرطوم وحركتي العدل والمساواة برئاسة جبريل إبراهيم، وحركة تحرير السودان، جناح مني أركو مناوي، لكن الحركتين أعلنتا رفض المشاركة تضامنا مع الاحتجاجات.

وقال المحلل السوداني حيدر إبراهيم علي، إن الدوحة بحثت عن دور ملموس لها في السودان، ولم تجد سوى وثيقتها السابقة، وتريد تفعيلها للإيحاء بأنها تقف إلى جوار البشير، الذي لم يتحصل حتى الآن على مساعدات اقتصادية كان يتمناها من قطر.

وأضاف إبراهيم في تصريح لـ”العرب”، أن نفوذ الدوحة في السودان “ضعيف جدا على مستوى القيادة الرسمية والشارع، وهي لا تستطيع تغليب دفة طرف على حساب آخر، لأن الأزمة برمتها في حوزة المؤسسة العسكرية، تديرها وتتحكم في كثير من تفاصيلها، وقلقها الرئيسي من التأثيرات التي تحدثها التنظيمات الشبابية عبر المواقع الإلكترونية”.

وشدد على أن تلويح قطر بورقة دارفور حاليا، يهدف إلى “كسب انحياز البشير لمحورها، والتخلي تماما عن المحور المناهض لها (السعودية والإمارات ومصر والبحرين)، ووجدت في اتفاق السلام مدخلا للتذكير بإنجازاتها السابقة، وأنها قادرة على تغيير التوازنات الراهنة لصالح البشير، إذا حسم موقفه بالسلب من خصومها في المنطقة”.

واعتبرت مصادر سياسية أن دعوة الدوحة تبدو كأنها تريد تخفيف المعاناة عن النظام السوداني، لكن قد تعمّقها، وتنكأ جرحا في قضية غاية في الحساسية، وكانت سببا في فرض عقوبات على الخرطوم، وقادت إلى طلب الرئيس البشير نفسه  رسميا أمام المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في إقليم دارفور.

واعتمد مجلس الأمن الدولي بالإجماع، الخميس الماضي، القرار رقم 2455 والذي صاغته واشنطن، بتمديد ولاية فريق الخبراء المعني بتطبيق العقوبات الدولية المفروضة على السودان حتى مارس 2020.

وأشار القرار إلى أن الحالة في السودان “تشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين في المنطقة، مما يستدعي أن تبقى المسألة قيد نظر المجلس″، ويعني ذلك تعطيل التوجهات الظاهرة والتي تريد منها قطر إقناع البشير بأنها قادرة على تعويمه كرجل سلام، وفتح الباب أمام قضية جرى تناسيها، وتضاف إلى المستجدات الواقعة عليه.

ويؤدي تجدد الكلام عن دارفور وتجاوب النظام السوداني معه بعد انقطاع طويل، إلى دحض حديث المؤامرة الذي روج له الرئيس البشير مع بداية التظاهرات، عندما أشار إلى فصائل دارفورية على علاقة بجهات خارجية للضغط على نظامه، فكيف يقبل الحوار مع عناصر على يقين بأنها أو بعض المحسوبين عليها، تريد النيل من السودان.

وتقدم الدعوة القطرية الجديدة أيضا هدية لبعض القوى السياسية لتعميق المشكلة وتذكير العالم مرة أخرى بهذا الإقليم الذي تعرض لانتهاكات كبيرة منذ عام 2003، وربما تؤدي إلى وضع الأزمة التي يتعرض لها النظام السوداني على سلم متقدم في أولويات المجتمع الدولي، المتهم جزئيا بالصمت والتقاعس عن مساعدة المتظاهرين، وهو ما منح قوات الأمن الفرصة للتمادي في مواجهتهم بالقوة.

وجدد الفريق أول صلاح عبدالله قوش مدير الأمن والمخابرات السوداني، السبت، التأكيد على أن القوات النظامية في بلاده “مصطفة تماما وراء الشرعية.. ولن تسمح بانزلاق السودان إلى الفوضى”.

واعتبر مراقبون سياسيون أن الطريق الذي تسير فيه الدوحة للإيحاء بأنها تنقذ حكم البشير من الفخاخ السياسية التي تحيط به، يمكن أن يفضي إلى ردات فعل سلبية في الشارع، لأنه يؤكد عدم القدرة على حل الأزمة من جذورها.

ورجح هؤلاء أن يكون دخول قطر على الخط الآن، بعد نحو شهرين من الأزمة، محاولة لنجدة التيار المؤيد لها داخل الحركة الإسلامية، وفي مقدمته جماعة الإخوان، وعدم العصف بقيادات فيه بدت منحازة للشارع، لضبط معادلة الحكم التي تميل لقيادات الجيش على حساب الإسلاميين، أو على الأقل الحفاظ على حد معقول من التوازنات، حال عزمت المؤسسة العسكرية على ترتيب هياكل السلطة لاحقا، وفقا لما أفرزته أزمة التظاهرات والاحتجاجات.