حركة النهضة الأسلامية..

استراتيجية القفز على الأزمات تفشل في إنقاذ حركة النهضة

مناورة للنأي بالنفس

تونس

تعمد حركة النهضة الإسلامية إلى التبرّؤ من أي موقف يمكن أن يسبب لها إحراجا سواء صدر عن قيادي من الدرجة الأولى أو من أي جهة داعمة لها أو تمثل جزءا من خزانها الانتخابي، مثلما حصل في القضية المثيرة للجدل الخاصة بمدرسة الرقاب (جنوب غرب) التي تدرس القرآن الكريم في الظاهر لكن تقارير مختلفة كشفت عن أنها فضاء لتهيئة الأطفال كي يصبحوا عناصر متطرفة.

ويقول معارضون إن استراتيجية القفز على الأزمات لا تعدو أن تكون مجرد مناورة للنأي بالنفس، لكنها لن تنقذ النهضة من الاتهامات التي تحيط بها من كل جانب.
وحث مجلس شورى حركة النهضة في بيان له على ضرورة محاسبة أي تجاوزات محتملة ارتكبت في المدرسة وفي حق الأطفال، داعيا إلى “معالجة هذه الوضعية، التي تبقى معزولة ولا تمثل المجتمع التونسي”، ومحذرا من خطورة التوظيف السياسي لهذه الحادثة لتصفية حسابات حزبية أو لشيطنة الجمعيات (الدينية) بصفة عامة.
ولم يكن هذا التبرّؤ هو الأول في سجل الحركة ذات الخلفية الإخوانية، فسبق لها أن تبرأت من الحملات الكبيرة التي تولاّها أئمة محسوبون على الحركة ومقربون منها لحمل الشباب على الذهاب إلى ليبيا وسوريا للقتال إلى جانب تنظيمات إسلامية متشددة.
وبدلا من تحديد موقف واضح، سواء بالدفاع عن المدرسة أو بمهاجمة من يقف وراءها، تميل مواقف قياديين في النهضة إلى الهجوم على الإعلام بتهمة التضخيم، أو الخصوم بتعلة التوظيف السياسي، أو تحميل الحكومة مسؤولية التخلي عن دورها في المراقبة، مع أن الحركة لعبت دورا فاعلا في حكومات ما بعد الثورة.
لكن الأخطر من كل ذلك هو القفز على المشكلة الحقيقية المتمثلة في الانتهاكات الخطيرة في المدرسة بحق التلاميذ، والإيحاء بأن الحملة تستهدف القرآن والدين.
وأرجع وليد البناني النائب عن حركة النهضة الانتهاكات الحاصلة في مدرسة الرقاب، إلى عدم اعتناء الدولة بالشكل المطلوب بالقرآن وتحفيظه.
وقال “لم نلمس هذا على أرض الواقع، يجب أن نعطي أهمية لحفظ القرآن”.
وتابع البناني “هناك دعوات مبطنة لفصل حياة المجتمع عن القرآن، نحن عمليون ونريد تعلم العلوم ولكن نريد أن نكون متوازنين وأن نربي جيلا على القيم الإسلامية، والنأي بذلك عن خصومات الأحزاب”.
ويشير معارضون للحركة المثيرة للجدل في تونس، إلى أن محامين محسوبين عليها دأبوا على تصدّر مهمة الدفاع عن العناصر المتشددة التي يتم اعتقالها في أي قضية من القضايا بما في ذلك التورط في ملفات على صلة بالإرهاب.
واستنكر حمة الهمامي، الناطق باسم الجبهة الشعبية (تجمع يساري راديكالي)، موقف النهضة من قضية مدرسة الرقاب.
وقال إن “الجميع يعلمون بقضية المدرسة القرآنية التي أثارت استياء الرأي العام التونسي بعدما شهدت احتجاز عدد من الأطفال في ظروف بالغة السوء صحيا وبيئيا بهدف ملء أدمغتهم بأفكار متطرفة تهدف إلى أفغنة ودعشنة جيل كامل.. ومع ذلك تطوّعت قيادات بالنهضة في البداية للدفاع عنها، ولكن بعد الانتقادات الشعبية القوية لهذه المواقف اضطرت إلى إصدار بيان لإدانة الواقعة”.
وكانت السلطات الأمنية المحلية بمحافظة سيدي بوزيد قامت، في نهاية يناير، بإغلاق المدرسة وإيقاف مديرها وتلاميذها لعرضهم على الجهات الأمنية المختصّة بتهمة الإساءة للأطفال وتدريس مناهج الفكر المتشدد.
ولا تزال آثار فضيحة المدرسة التي أُميط اللثام عنها في تحقيق صحافي قاد إلى تدخّل السلطات الأمنية والهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالأشخاص، تثير جدلا بشأن دور السلطات في مكافحة الإرهاب ومسألة رعاية الدين في الديمقراطية الناشئة.
وكشفت الهيئة في وقت سابق عن أوضاع مأساوية وصادمة لـ42 طفلا تؤويهم مدرسة تابعة لجمعية قرآنية، حيث عاينت أطفالا يلبسون عباءات أفغانية ولا يقوون على المشي بسبب الضرب المبرح وقد تعرض أحدهم إلى خلع في الكتف، بينما أثبتت فحوص طبية تعرض عدد منهم إلى الاغتصاب في المدرسة التي وصفتها بـ”ثكنة” تجنيد للجهاد.
وأكد النائب عن حزب حركة نداء تونس محمد عبداللاوي أن “الأطفال يتدربون في أوضاع قاسية لإعدادهم للصعود إلى الجبال.. وجدت المدرسة حاضنة سياسية وهدفها ضرب التعليم العمومي والدولة الوطنية”، واتهم النائب السلطات بالتغاضي عن تنفيذ قرار بغلق المدرسة
وقال النائب عن الجبهة الشعبية المعارضة عمار عمروسية “لا يتعلق الخلاف بالقرآن أو الإسلام. هذا محتشد للإرهاب والإرهابيين”.
واتهم عمروسية التحالف الحكومي الذي قادته حركة النهضة الإسلامية إبان فوزها بانتخابات 2011 بالتراخي في مكافحة التطرف.
وحثت النائبة هاجر بالشيخ عن الائتلاف الوطني (كتلة رئيس الحكومة يوسف الشاهد) على “إبعاد القرآن عن المزايدات، هناك مدارس وروضات أطفال تقوم بتحفيظ القرآن، لكن هذه المدرسة (الرقاب) تعلّم التطرف”.
وبدأت السلطات القضائية بفتح تحقيق ضد صاحب مدرسة الرقاب، وعدد من الموقوفين في جرائم ترتبط بالاتجار بالأشخاص والعنف والاغتصاب بجانب شبهة الإرهاب.
ويشمل التحقيق القضائي أيضا ما إذا كان أولياء الأطفال طرفا في المأساة.
وانتشرت بعد انتفاضة عام 2011 المدارس والجمعيات القرآنية بشكل واسع مستفيدة من مناخ الحرية، غير أن الحكومة بدأت بحملة تعقب للجمعيات ذات التمويل المشبوه أو المتورطة بنشر التطرف، وأمر القضاء بإغلاق بعضها بعد سلسلة من الهجمات الإرهابية الدامية التي تعرضت لها البلاد.
وتنشط اليوم في تونس 1130 جمعية قرآنية حاملة لتراخيص قانونية، بحسب ما ذكرته هيئة مكافحة الاتجار بالأشخاص.