فيلم "دشرة" حكاية رعب ..

جيل جديد من السينمائيين يصالح الشباب مع الفن السابع في تونس

فيلم بروح شبابية

أمنة جبران

تنجح أفلام الرعب في استقطاب الجمهور العالمي خاصة من الشباب، إذا تبدو الفئة الشابة أكثر حماسة لاكتشاف فيلم يحمل أحداثا عنيفة، متحدية تلك الدعاية الترويجية الساخرة التي ترافق عادة عرض الفيلم “لا ينصح بمشاهدته بمفردك أو فيلم لا يصلح لأصحاب القلوب الضعيفة”.

وقد نشأت أجيال عربية على أشهر أفلام الرعب العالمية مثل “اوبن واتر” عام 2003 أو “رجل العثة” عام 2002 أو “طرد الأرواح الشريرة من جسد إيملي روز″، الذي أثار جدلا وذاع صيته عام 2005 و”الشر” الذي أقرّ كل من شاهده بأنه يعرض “الشر على أصوله”، وقائمة الأفلام التي طبعت في ذاكرة المشاهد العربي تطول.

ورغم أن الجمهور العربي لم يتعوّد على أفلام رعب من صنّاع السينما المحلية لندرة إنتاجها، إلا أن جيل جديد من السينمائيين الشباب في تونس خالفوا هذه القاعدة، إذ قدّم عبدالحميد بوشناق فيلم الرعب الأول من نوعه في تونس.

نجح المخرج الشاب في تحقيق رقم قياسي في السينما التونسية بفيلمه الأول “دشرة” بعد أن تجاوز عدد المتفرجين 100 ألف شخص في 17 يوما فقط، كما يعدّ هذا الفيلم أول فيلم تونسي يحقق أرباحا تجارية ويغطّي تكاليف الإنتاج. وقد تمت كتابته وتصويره وعرضه للمشاهدين في أقل من عام وهو وقت قياسي آخر.


ويدفع نجاح الفيلم في استقطابه بصفة خاصة للجمهور الشاب إلى التساؤل هل يعي صنّاع العمل ما بات يفضّله جيلهم اليوم؟ حيث لم تعُد السينما الكلاسيكية تجذبه، ويدركون أن الوصفة مضمونة لنجاح هذه المغامرة بما أن الشباب هم المستهلكون الرئيسيون لأفلام الرعب في كل العالم، أم لأن الشباب متعطشون للسينما بكل أنواعها، ووجدوا فيها بدائل ثقافية ترفيهية تُنسيهم واقعهم الاقتصادي والاجتماعي الصعب.

ويجيب مخرج فيلم دشرة عبدالحميد بوشناق في تصريحات لـ”العرب” عن سبب نجاح الفيلم، ويقول إن “نجاح ‘دشرة’ ليس لأنه أول فيلم رعب تونسي فقط، بل لأنه يلامس المشاهد ويمثّله في طريقة تمثيل شخصيات الفيلم التي اندمج معها”.

ويضيف بوشناق “أنا لم أستبله ذكاء المتفرج وحاولت أن أكون مقنعا في طريقة تمثيل الشخصيات، ومن خلال التقنيات المعتمدة وتماشيها مع القصة.. هذا الصدق الذي لمسه المتفرج كان وراء نجاحه”.

ولفت أن “الإقبال الكبير على الفيلم يشير إلى مصالحة الجمهور مع قاعات السينما وخصوصا السينما التونسية”، لافتا أنه “كان هذا الهدف من الفيلم أن نعيد الناس للقاعات وهذا سبب سعادتي بعد نجاح ‘دشرة'”.

وأشار إلى أن “الفكرة موجودة لديه منذ سنوات، حيث كان يحلم بفيلم نوعي، فيلم مختلف، تحديدا من نوعية الرعب. ويعتقد أنه “إذا أرادت تونس أن تكون لها سوق سينمائي ناجح يجب أن تكون هناك نوعية في الأفلام”.

ويتابع “أنا مولع منذ صغري بأفلام الرعب وأردت أن أبرهن أننا في تونس لدينا موروث نستطيع أن ننافس به أفلام الرعب العالمية الأميركية”.

ويقرّ مخرج “دشرة” بأن المعادلة كانت صعبة وكانت بمثابة مغامرة إذ لم تكن لدينا أرقام أو معطيات توضح أن المشاهد التونسي، الذي تربى على أفلام الرعب العالمية مازال متابعا لهذا النوع من الأفلام أم لا.

وأضاف بوشناق “كانت لدينا فكرة عن بعض الناس الذين يكترون أفلام الرعب الأميركية وخاصة من فئة الشباب.. وكأول فيلم رعب هو بمثابة مغامرة لأنه نوعية جديدة من الأفلام التونسية لذلك كان الخوف كبيرا. لكن في النهاية كللت المغامرة بالنجاح”.

ويشير بوشناق أنه يفكر في جزء ثان للفيلم إذا كان السيناريو في مستوى الجزء الأول منه. وقد سبق للمخرج أن عبّر عن رغبته في أن يكون الجزء الثاني أعنف. وأوضح “خلال تصوير ‘دشرة’ حذفت مشاهد لخوفي من ردة فعل المشاهد، لكن الآن لن أتردد، فالمتفرج التونسي يستطيع أن يتقبّل أكثر مشاهد رعب”.

حكاية رعب بروح تونسية

يقول المتابعون إن جيلا شابا من السينمائيين والمنتجين التونسيين تمكّنوا من إثارة مواضيع اجتماعية وسياسية كانت تخضع للرقابة المشددة قبل ثورة العام 2011 وتقديمها في طرح جريء، مساهمين في ظهور سينما جديدة بالرغم من قلّة صالات العرض وإنعاش الحياة الثقافية في البلاد. لكن ما يحسب لفيلم “دشرة” أنه فيلم رعب جريء بروح تونسية، حيث استوحى فكرته من الأساطير الشعبية التونسية، وفكرة الفيلم هي التي تفسّر انجذاب الشباب إليه.

يحكي الفيلم قصة طالبة جامعية في اختصاص الصحافة تدعى ياسمين، تعمل، رفقة صديقيْها بلال ووليد، على حلّ لغز جريمة غامضة تعود إلى أكثر من 25 سنة، وتتعلّق بامرأة وُجدت مشوّهة ومقتولة وملقاة وسط الطريق، فينتهي بهم المطاف، بعد التحقيق، إلى قرية صغيرة (دشرة) معزولة وسط الغابة. تشعر ياسمين ومرافقيْها بأنهم محاصرون في الغابة وينتابهم الرعب، فيحاولون الهروب من المكان. ويكتشف أبطال الفيلم واقعا جديد من ظواهر السحر والشعوذة الموجودة بالأساطير الشعبية التونسية كاستخراج الكنوز عن طريق الأطفال. وكيف يت استغلال الموتى في خدمة السحر بخياطة الفم أو بواسطة يد تقوم بتحريك الأكلة التونسية الشهيرة “الكسكسي”، وهي حكايات من الموروث الشعبي التونسي.

وأشار صنّاع الفيلم إلى اعتمادهم على ظاهرة السحر الموجودة بالعالم العربي، كما اعتمدوا في طرحها على أساليب حديثة لتضاهي أفلام الرعب العالمية وتتناسب مع تطلعات الجمهور.

ويعدّ فيلم “دشرة” أوّل تجربة سينمائية تونسية تسلّط الضوء على هذا الواقع، هذه التجربة التي تنقل هذا الموروث إلى العلن. ويعتقد المتابعون أن إقبال الشباب على هذا الفيلم لأنه يميل بطبعه إلى الاطلاع ويرغب في اكتشاف تلك الأساطير الشعبية عن السحر وغيره التي ردّدها الآباء والأجداد.

خميس الخياطي: نجاح أفلام الرعب في استقطاب الشباب أمر طبيعي
خميس الخياطي: نجاح أفلام الرعب في استقطاب الشباب أمر طبيعي
وإن تعوّد الشباب التونسي على نوعية معيّنة من أفلام الرعب الغربية والمحتوى المخيف والغريب التي تنتجها عاصمة السينما العالمية هوليوود، فإن فيلم “دشرة” هو حكاية رعب على طريقة تونسية تروي قصة من نسيج الخيال الشعبي، حيث يطرح الفيلم الأفكار والمخاوف التي توارثتها الأجيال في تونس كأنه يخاطب ما بداخلهم.

ويعتقد متابعون أن محتوى الفيلم المستمد من المجتمع سبّب نجاحه وإقبال الشباب عليه، لذلك فهو يمثّل نقلة نوعية في السينما التونسية التي تعاني من صعوبات.

ويرى خميس الخياطي الناقد السينمائي في تصريح لـ”العرب”، أن “نجاح أفلام الرعب في استقطاب الشباب أمر طبيعيّ، فقد لاقت أفلام الرعب الأميركية مشاهدة عالية منذ ظهورها بأفكارها البسيطة آنذاك.

وتابع “اليوم أمام ما تشهده السينما من تطوّر في التقنيات والمؤثرات تجعل الصورة حقيقية مقارنة بالسابق والمشاهد صادقة. وأردف “السينما مؤثرة بطبعها بكل أنواعها”.

ويصف الخياطي “مئة ألف مشاهد لفيلم ‘دشرة’ بالحدث الطبيعي غير أنها خطوة مهمة في السينما التونسية”.. ويضيف “عودة ميمونة للسينما التونسية”.

ومن مكاسب الفيلم نجاحه في مصالحة الجمهور مع القاعات، حيث استقطب جمهورا جديدا يدخل لقاعات السينما للمرة الأولى، وهذا يؤثر إيجابيا في نسب الحضور في قاعات السينما التونسية.

تلذذ بالخوف وفضول

يقول خبراء اجتماع إن المتعة التي يلاقيها الشاب حين يشاهد فيلم رعب هو السبب الأساسي لشغفه بهذا الشعور، فتلذذه بالخوف حين معايشته أعنف المشاهد تبعث فيه السعادة والراحة النفسية. ويعتقد الخياطي أن أفلام الرعب “فيها نقاهة للإنسان إذ أنه يتخلّص من جانب من الخوف والتوجّس الذي بداخله”.

ويذهب خبراء آخرون إلى بحث الشاب على المغامرات الشيّقة التي توفرها أفلام الرعب وما يرافق ذلك من رغبة في الاكتشاف والفضول. ويفسّر ممدوح عزالدين المختصّ في علم الاجتماع لـ”العرب”، إقبال التونسيين على فيلم “دشرة” بسبب الفضول، خاصة أن الإنتاج التونسي في هذا المجال نادر.

ويقول عزالدين “هو أول فيلم تونسي يشتغل على الرعب، ففي السابق كانت أفلام ذات الطابع الكوميدي أو الدرامي وتلك التي تركّز على المحظور كالجسد هي من تستقطب الجماهير”.

وأضاف “أفلام الرعب تجلب في كل العالم إيرادات عالية لأنها نوع من التنفيس عن المشاكل اليومية، وتجعل المشاهد في حالة من النشوة، لذلك هي تلاقي رواجا عالميا والحقيقة أنّ الإقبال التونسي ليس استثناء”.

لكن الاستثناء بالنسبة إلى عزالدين أن هذا الفيلم نجح في أن يجذب الجمهور خارج المناسبات السينمائية كأيام قرطاج السينمائية، وخالف قاعدة إنتاج فيلم واحد بالنسبة إلى صنّاع السينما، وجازف بمغامرة كانت ناجحة وأضافت حركية على المشهد الثقافي التونسي.


ميول الشباب
يرى الخبراء أن ميول الشباب الفنية وراء اختيار نوعية الأفلام التي يفضلون مشاهدتها، وهو مرتبط بالأذواق العامة ونمط الأفلام التي تعوّدوا عليها، ويشير هؤلاء إلى تراجع السينما التقليدية كسينما الرومانسية وسينما “الأكشن”، فيما حافظت صناعة سينما الرعب على جمهورها في كل العالم.

بدوره، يرى الخبير في علم النفس عبدالباسط الفقيه في تصريح لـ”العرب”، أن “الشباب بصفة عامة لديهم انفتاح على مسألة التعبير الفني أمام ندرة الإنتاج هذه النوعية من الأفلام في تونس”.

ويبيّن الفقيه أن أفلام الرعب مادة مستهلكة من قبل الشباب الذين شاهد أغلبهم الأفلام الرعب الشهيرة. ويعتقد من الطبيعي أن يُلاقي فيلم “دشرة” إقبالا كبير، بما أنّه أول فيلم رعب تونسي.

ويلفت أن الجمهور يبحث عن مواضيع تمسه وتكون مرآة له. ويستبعد أن تكون لثقافة العنف الرائجة، خاصة بعد اندلاع ثورة يناير 2011، علاقة بشغف الشباب بأفلام الرعب.

ويوضّح “الرعب محرّك الانفعالات الداخلية وجميعنا لدينا مخاوف مكبوتة، وهذه المخاوف تستثار عند مشاهدة هذه الأفلام”. ويتابع “يعني الشاب مثلما تثيره الكوميديا والرومانسية، تثيره أيضا أفلام الحركة والعنف وقصص الدراما ومآسي الناس”. ويؤكد الفقيه أن رسالة السينما رسالة خارقة للنفوس وأمام تراجع محتوى التلفزيون بات “هناك نوع من التفضيل للشباب لهذا النوع من الأفلام لأنها أفلام مثيرة وجذابة”