حقوق النساء في الرئاسة..

هل تكون تونس أول دولة عربية ترأسها امرأة؟

قطعت تونس شوطًا كبيرًا في مجال حقوق النساء، فهل تختتمه بالرئاسة؟

باسل ترجمان

بعد أن حظيت تونس بأحد أكثر القوانين إنصافًا للمرأة في أول أيام استقلال البلاد، حين أقر الزعيم الحبيب بورقيبة يوم 13 أغسطس/آب 1956 مجلة الأحوال الشخصية التي منع بموجبها تعدد الزوجات، وشكلت أول خطوة نحو المساواة الكاملة بين الجنسين في الحقوق والواجبات، لم يعد هنالك ما يمنع أن يكون منصب رئيس الجمهورية أحد المطالب التي تسعى المرأة إلى الوصول إليها في عام سيشهد ثاني انتخابات تشريعية ورئاسية ديمقراطية، وسيكون للمرأة دور أساسي فيها بالمشاركة والترشح لمجلس النواب أو بالترشح الجاد لمنصب رئيس الجمهورية.

لعبت المرأة التونسية في السنوات الثمان الأخيرة أدوارًا أظهرت قوة حضورها وأهميته في مواجهة التيارات الرجعية التي تعتبر مكاسبها وما نالته من حقوق عدوها الأول، وتسعى إلى ضربها وتقزيمها في محاولة لاستعادة إرث تاريخي يعيدهم إلى زمن تعدد الزوجات.

في خضم الاستعدادات للانتخابات، بدأت الكثير من الأطراف السياسية والمجتمعية تتحدث عن إمكانية ترشيح سيدة لمنصب رئيس للجمهورية، لتكون مواصلة للاستثناء التونسي في تجسيد حقوق المرأة، وضمان أن لا تكون هنالك محاولات للمساس أو الانتقاص منها، خصوصًا أن أطرافًا سياسية ما زالت تحمل عداء تاريخيًا لفكر الزعيم بورقيبة وما قدمه لتحرير المرأة.

من المؤكد أن كثيرين في تونس يعتبرون أنهم شخصيات قيادية قادرة على الفوز بمنصب رئيس الجمهورية، وهذه الشخصيات قد لا تكون في مستوى المنصب؛ إما لأنها غير جدية، أو لأن أحلامها أكبر من واقعها. ويتساءل كثيرون ممن يحلمون بالترشح لهذا المنصب: هل الرئيس المؤقت السابق، المنصف المرزوقي، أقدر منهم، خصوصًا بعد ما شهدته فترة رئاسته من تصرفات مست بهيبة وقيمة هذا المنصب؟

وبعد تجربة 5 سنوات من حكم الرئيس الباجي قايد السبسي -الذي لا يُعرف فيما إذا كان سيعيد الترشح مرة أخرى للمنصب أم لا- يتزايد الشعور العام بالحاجة إلى رئيس يعطي صورة جديدة لتونس ويسعى إلى خلق حالة من تجميع الطيف الوطني الحداثي الذي مزقته الصراعات والانشقاقات، وأضعفت من تأثيره السياسي. بشكل عام، كل الشخصيات التي يجري تداول أسمائها ما زالت عاجزة عن إقناع ولو جزء بسيط من الرأي العام بجديتها وقدرتها على قيادة المرحلة المقبلة، والسؤال المهم يبقى: هل يمكن أن تكون امرأة قادرة على نيل ثقة الأغلبية الشعبية في الانتخابات الرئاسية؟

 

الدور التاريخي للمرأة

لم يأت الحضور المميز للمرأة التونسية من فراغ، ولا هو نتيجة هبة جاءت من الزعيم الحبيب بورقيبة، لكنه تناغم مع دورها الاجتماعي والتاريخي الذي بدأ مع الأميرة “عليسه” مؤسسة قرطاج قبل ميلاد السيد المسيح، وتواصل مع الكاهنة البربرية، واستمر بعد انتشار الإسلام في تونس. ومن فاطمة الفهرية التي بنت جامعة القرويين في مدينة فاس المغربية إلى السيدة المنوبية المتصوفة نصيرة الفقراء، وعزيزة عثمانة التي بنت أول مستشفى في تونس في القرن السابع عشر، كما يذكر التاريخ أروى القيروانية زوجة ثاني خلفاء العباسيين، أبو جعفر المنصور، التي اشترطت في عقد زواجها أن لا يتزوج عليها بثانية، وكانت أول امرأة تقر منع تعدد الزوجات في الإسلام.

شهد القرن العشرين، خلال مرحلة التحرر الوطني وبناء الدولة الحديثة، ظهور أسماء لشخصيات نسائية وطنية تونسية ساهمن بشكل مهم في معارك التحرير وملاحم الاستقلال وبناء الدولة، وكانت المرأة محور الصدام الأول للزعيم الحبيب بورقيبة مع رموز الفكر التقليدي المحافظ، خصوصًا مشايخ جامع الزيتونة الذين ناصبوه العداء.

 

كره حرية المرأة والحقد على البورقيبية

رغم وفاته منذ 19 سنة، ورحيله عن الحكم منذ أكثر من 32 سنة، ما يزال بورقيبة عدوًا وخصمًا عنيدًا للجماعات الإسلامية في تونس دون استثناء، ويمكن وصفه بأنه الوحيد الذي هزمهم حيًا وميتًا؛ إذ لا تمر مناسبة لا يكيلون له فيها الشتائم ويصرون على تكفيره، ووصل ببعضهم القول إنأمه يهودية ولم يكن مسلمًا، وكان ماسونيًا وصهيونيًا وعميلًا لفرنسا والغرب…!

بورقيبة الذي رفض شيوخ جامع الزيتونة برنامجه لتعميم التعليم في تونس، اعتبروه عدوهم بعد منع تعدد الزوجات، وفُرض بقوة الدولة ومجانية التعليم. وبعد أكثر من 60 سنة، تقف المرأة التونسية في وجه كل محاولات المساس بمدنية وحداثة الدولة، وما زالت تونس تذكر كيف خرجت أكثر من نصف مليون امراة في مسيرة تاريخية ضد حكم حركة النهضة بعد اغتيال السياسي محمد البراهمي وفرضت استقالة حكومتهم والسير نحو انتخابات 2014.

المعادلة الانتخابية القادمة في تونس في الانتخابات الرئاسية أو التشريعية، سيكون للمرأة الموقف الفصل فيها، وفي انتظار برلمان جديد يكون فيه عدد النساء بحجم أحقيتهن؛ إذ يبقى الأمل في أن تتبوأ سيدة لأول مرة في تاريخ العالم العربي منصب رئيس الجمهورية حلمًا لا يبدو بعيد المنال، لأن المرأة التونسية اليوم هي الضامنة الحقيقية لمدنية وحداثية المجتمع رغم كل محاولات ضرب هذه الأسس والانقلاب عليها، التي فشلت وستفشل لأن من يحلم بإعادة التاريخ للوراء هم أصلًا خارج الزمن.