هل تستطيع طهران خوض حرب نظامية؟

تقرير: مدى قدرات إيران الدفاعية في ميزان القوى العسكرية

ما فعالية قدرات إيران العسكرية في موازين القوى العالمية؟

أحمد نمر
طهران

وسط أجواء توتر مع الولايات المتحدة وإسرائيل، تحاول إيران تطوير قدراتها الدفاعية بقواها الخاصة تحسبًا للدخول في حرب نظامية بأية لحظة، لكن ما يثير التساؤلات هو مدى فاعلية هذه القدرات في ميزان القوى العسكرية التي تشهد تطورًا متسارعًا خلال السنوات الأخيرة، في ظل الإنتاج الحربي المتواضع للبلاد.

وأعلنت إيران مؤخرًا عن تطويرها عدد من الأسلحة، كان آخرها دخول غواصة “الفاتح” القادرة على إطلاق صواريخ عابرة للقارات الخدمة، وهي الأولى “نصف الثقيلة” في سلاح البحرية الإيراني وتزن نحو 600 طن، وهي ما بين الغواصة الصغيرة من نوع “غدير” وتلك التي من نوع “كيلو” التي يستخدمها حاليًا الجيش الإيراني. ويمكن للغواصة الجديدة -التي تعمل بعمق 200 متر تحت سطح البحر ولمدة 35 يومًا من دون إعادة التموين- إطلاق صواريخ عابرة لم يعرف مداها، إضافة إلى إطلاق طوربيدات، حسب ما نقلت وكالة أنباء فارس الإيرانية.

كما كشفت طهران خلال الاحتفالات بالذكرى الأربعين للثورة الإسلامية بداية الشهر الحالي عن صاروخ كروز جديد أرض – أرض، أطلق عليه “هويزة”، يصل مداه إلى 1300 كيلومتر، ويمكنه الطيران على ارتفاع منخفض، وينتمي لفئة سومار التي كُشف النقاب عنها في عام 2015. فيما أعلن الحرس الثوري الإيراني عن صاروخ باليستي أرض – أرض يصل مداه إلى ألف كيلومتر، تحت مسمى “دزفول”، وهو نسخة مطورة من صاروخ ذو الفقار الذي يصل مده إلى 700 كيلومتر ويحمل رأسًا حربية تزن 450 كيلوجرامًا.

يمكن تفسير هذه الإعلانات المتسارعة للنظام الإيراني عن تطوير قدراتها العسكرية بشقين: الأول هو أن إيران تتعرض لضغوطات من المجتمع الدولي بسبب سياساتها الخارجية الداعمة للإرهاب، والتي تضر بأمن المنطقة والعالم ككل. وتحاول الولايات المتحدة كبح جماح هذه السياسات بعدم السماح لإيران بتطوير أسلحة نووية قد تشكل خطرًا كبيرًا على مصالح واشنطن ومصالح حلفائها، لا سيما في ظل وجود إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المتشددة ضد النظام الإيراني.

وتعتبر إدارة ترامب أن النظام الإيراني رأس الأفعى والسبب الرئيس في حالة عدم استقرار منطقة الشرق الأوسط، مما يعني احتمالية توجيه ضربة ضد إيران في أي وقت. وهذا الأمر إن حصل، يمكن أن يكون ضربة قاصمة تنهي حكم النظام الإيراني، وهذا هو السبب الذي يجعلها تبالغ في إظهار قدراتها العسكرية عبر تصدير أحاديث القوة إلى العالم كنوع من الدعاية لردع أي هجوم محتمل، ويجعل الولايات المتحدة أو إسرائيل تفكر مليًا قبل تنفيذ أي ضربة خشية رد الفعل الإيراني.

ويمكن أن يكون التناقض بين تصريحات المسؤولين الإيرانيين والتحركات العسكرية ضد إسرائيل -التي تستهدف باستمرار قواعد الجيش والحرس الثوري الإيراني في سوريا- تأكيدًا على عدم قدرة طهران على صد أي هجمات عسكرية من طائرات أو صواريخ أو أسلحة متقدمة تمتلكها العديد من دول المنطقة والعالم، بسبب ضعف أسلحة الدفاع الصاروخي الإيراني، رغم التصريحات النارية للمسؤولين الإيرانيين، على غرار ما قاله نائب قائد الحرس الثوري، يد الله جواني: “لا تملك الولايات المتحدة الشجاعة لإطلاق رصاصة واحدة علينا رغم كل أصولها الدفاعية والعسكرية. لكن إذا هاجمونا، فسوف ندمر تل أبيب وحيفا ونمحوهما من على الأرض”.

أما التفسير الثاني، فهو أن إيران أصبحت مكتفية ذاتيًا بأسلحتها وقدراتها الدفاعية، وأصبحت تمتلك ترسانة يمكن أن تكون مفاجئة لأي تحرك عسكري ضدها، وهو ما أشار إليه الرئيس الإيراني حسن روحاني في تصريحه الأخير خلال حفل إدخال غواصة “الفاتح” الخدمة، حينما قال: “باتت إيران اليوم مكتفية ذاتيًا في أسلحتها، سواء كانت البرية أو الجوية أو البحرية… الهدف من قدراتنا الدفاعية هو الدفاع عن مصالحنا ولم نسع يومًا إلى مهاجمة أي بلد”.

وكان الموقع الاستخباراتي العبري “ديبكا” قد ذكر بداية الشهر الحالي أن إيران بدأت تتفوق على كل من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل عبر تصنيعها لأسلحة جديدة، مشيرًا إلى أن ليس لدى الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل أنظمة دفاعية فعالة للتصدي للصاروخ الإيراني الجديد “هويزة”، الذي يتخطى مداه 1350 كيلومترًا، مؤكدًا أن طهران تركز حاليًا على صناعة الصواريخ متوسطة المدى، التي يمكنها التحليق على ارتفاعات منخفضة، تقل عن تلك التي ستكتشفها الرادارات الخاصة بمنظومة “حيتس” الدفاعية الأمريكية الإسرائيلية الصنع.

وعلى الرغم من هذين التفسيرين حول قدرة إيران العسكرية، إلا أن طهران لا تزال تشكل خطرًا بصواريخها الباليستية طويلة أو متوسطة أو قصيرة المدى، التي يمكن أن تشكل قلقًا عالميًا في حال تزويدها برؤوس نووية، وتوريدها للجماعات الإرهابية الموالية لها كحزب الله، والحوثيين، والميليشيات الشيعية في العراق وسوريا، والتي ستستخدمها بطريقة عشوائية قد تؤدي إلى كوارث لا يحمد عقباها، الأمر الذي يتطلب من المجتمع الدولي إيجاد حلول عملية لاحتواء هذا الخطر على العالم أجمع.