رغبة الرسمية في التغيير الشامل بمصر,,

مآسي القطارات بمصر تكشف سيطرة الروتين الإداري بالواقع

مقتل وجرح العشرات

محمود زكي

كشف حادث القطار المأسوي، الذي أودى بحياة 25 شخصا وإصابة العشرات في القاهرة، عن أن التهرب من المسؤولية تحول إلى تقليد في مختلف المستويات الحكومية المصرية، وأن تغيير ثقافة متأصلة بهذا الحجم من النفوذ يصبح أمرا صعبا.

ولم تطفئ استقالة هشام عرفات وزير النقل وعدد من كبار معاونيه، نيران الغضب في صدور قطاع من المصريين ولم تعزز قدرة المسؤولين على استيعاب هذا النوع من الصدمات.

كما أن هذه الاستقالة لا تجنب الحكومة التشكيك في مصداقيتها وعدم قدرتها على ضبط حركة الكثير من المرافق التي أصبحت عرضة لأزمات متعاقبة.

وقال مصطفى مدبولي رئيس الحكومة، في مقر وقوع الحادث، “انتهى عصر السكوت على من يتقاعس عن أداء واجباته تجاه المواطن المصري.. ولن نتهاون أو نتساهل إزاء أي إهمال في مثل هذه الحوادث”.

وتمثل استقالة وزير النقل وبعض معاونيه، اختبارا حقيقيا لمنظومة تحمل المسؤولية الإدارية ومدى القدرة على التعامل مع الأزمات التي تهم الناس بشكل مباشر.

ويخشى البعض أن تقتصر المحاسبة على استقالة المسؤولين فقط لامتصاص غضب الرأي العام، ويتحول هؤلاء إلى كبش فداء لمنظومة أكبر أصابتها أشكال مختلفة من الخلل الإداري.

والسكك الحديدية في مصر متهالكة، فقاطرات السحب العاملة على الخطوط يعود إنتاجها إلى نحو ثلاثين عاما، ومعظمها دون قطع غيار ويتم الاعتماد على تقطيع عدد منها وتحويله إلى قطع غيار للباقي، ويتنوع أسطولها بين قاطرات كندية وهندية قديمة يعود إنتاجها إلى فترة الستينات من القرن الماضي.

وقال سمير عبدالوهاب، أستاذ الإدارة بجامعة القاهرة، إن غالبية استراتيجيات التطوير المصرية تركز على الجوانب التكنولوجية والإنشائية وتتجاهل العنصر البشري، الأمر الذي يؤدي إلى عدم الاستفادة من خطط التطوير التي أنجزتها الحكومة خلال السنوات الماضية في مجالات عدة، على رأسها هيئة السكك الحديدية.

وتكمن الأزمة الحقيقية في أن تطوير منظومة السكك الحديدية لم يعد كافيا، لأن أغلب الحوادث التي وقعت ارتبطت بإهمال جسيم من قبل العاملين والموظفين.

وأوضح عبدالوهاب في تصريح لـ”العرب” أن العمل الإداري بهيئة السكك الحديدية، يقوم على الروتين القديم الذي تعاني منه غالبية المصالح الحكومية في مصر، بدءا من تعيين سائقين يفتقرون للكفاءة المطلوبة في التعامل مع التكنولوجيا، ومرورا بغياب الاهتمام بتدريب العناصر البشرية، ونهاية بالتقاعس في عملية المتابعة.

ويذهب خبراء للتأكيد على أن انفصال القيادات العليا عن واقع المستويات الأدنى يعد مشكلة أخرى تعاني منها الحكومة وتجعلها أقل كفاءة في التعامل مع الأزمات، لافتين إلى أن اهتمام الحكومة بالمناطق والتجمعات العمرانية الحديثة، جاء على حساب البنية التحتية للعديد من مرافق النقل وغيرها في مناطق لا تشهد الاهتمام ذاته، ما يساهم في استمرار الكوارث.

وتأتي مصر في المرتبة الأولى بالنسبة لحوادث السكك الحديدية، وفق تصنيف معهد السكك الحديدية الألماني عام 2016. وبلغت حوادث القطارات خلال الفترة بين 2003 و2017 نحو 16 ألف حادث، وكان العام 2017 الأكثر في عدد الحوادث بـ 1657 حادثا.

وكشف الجهاز أن متوسط عدد القتلى في حوادث القطارات يبلغ 25 قتيلا لكل 10 آلاف مركبة، وهو رقم يبرهن على أن حوادث القطارات قابلة للتزايد وليس النقصان في ظل غياب الاهتمام بالتطوير الحقيقي.

وأشار عبدالله المغازي، معاون رئيس الوزراء المصري الأسبق، في تصريح لـ”العرب” إلى غياب ثقافة الثواب والعقاب داخل المؤسسات الحكومية، واستخدام أساليب غير مبتكرة للتعامل مع حوادث الإهمال يدفع بالمزيد من الخسائر المادية والبشرية، والأمر ليس بعيدا عن سوء تعاطي الحكومة مع الفساد المنتشر في العديد من القطاعات، ما يفسر عدم التوقف عن وقوع الكوارث.